دون ان اشعر، وجدت نفسي اعيش لحظة تأمل يتصارع فيها الضحك مع البكاء بسبب مانشيت صغير على الفضائية العراقية يُخبرعن لقاء جمع رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي بالرئيس الافغاني حميد كارازاي على هامش اجتماعات الامم المتحدة في نيويورك. ذهبت في الخيال الى وصف اجواء اللقاء وحالة الطرفين النفسية وتمنَيْت في نفسي لو أُتيحت لي الفرصة في مشاهدته حيا ليس بدافع الفضول بل بدافع الرغبة، المستندة ربما الى قناعة مفرطة، في معايشة تلك اللحظة التي يلتقي فيها الخيال بالحقيقة.

مما لاشك فيه ان اللقاء يمثل للرجلين متنفسا اكثر من كونه لقاء عمل رسمي، بل اعتقد ان طرفاه قد شعرا بالحاجة الى قفز بعض الموانع الدبلوماسية البروتوكولية عن طريق التخفيف ولو قليلا من شدة ربطة العنق، او منح الاكتاف اجازة من ثقل القماش الملقى عليها، في لقاء يشعر طرفاه ان ليس فيهما صغير وكبير، طويل وقصير، سمين و ضعيف، بل كلاهما في الهوى سوى، يشتركان في الطريق والهموم والمهمة، فطريقهما الى السلطة كان متشابها على الدبابة الامريكية المعبأة بالوقود الايراني، اما الهموم فهي واحدة، موت و ارهاب ودمار وبلاد تعيش عصر ما قبل الصناعة ودولة وحكومة تنحدر بشكل رهيب بل وتتلاشى سيطرتها أُسيا كلما ابتعدنا من مكتب رئيس الحكومة او الدولة، واما المهمة فتكمن في ان السيد الأمر الارعن ( الرئيس الامريكي ) قد قرر، او اعطاه الاخرون الحجة ليقرر، في ان يكون العراق وافغانستان ساحة امامية في ( حربه على الارهاب ) ولذلك فان المغضوب عليهما السيدان المالكي وكرازاي قد وقع عليهما الاختيار الان و حتى اشعار اخر ليكونا ضباط الحجابات في هذه المعركة. ترى، كم يرى السيدان المالكي ووكرازاي لقاءاتهما ثقيلة مع باقي قادة دول العالم، فماذا يفعلان مع قادة السويد او النرويج او اليابان او غيرها فهما يعرفان جيدا ان لا احد يرضى ان يتبادل معهما بما لديهما من بضاعة، فمن هو ذلك العاقل الذي يقبل استيراد تقنية القتل والاختطاف والتهجير والذبح والمفخخات واسواق الميليشيات، كما ان السيدان المالكي وكارازاي قد اصبحا على ثقة تامة في ان مشروع وصندوق الدول المانحة الذي يتكلم عنه البعض ليس إلا اكذوبة كبرى وتسلية يلجأ اليها هؤلاء عندما يجدون فائضا في الوقت. لذلك ليس للسيدان المالكي وكارازاي سوى احدهما للاخر تجمعهما لغة مشتركة ويعانيان ويقاسيان من مرض مشترك ويتأملان وينتظران في علاج مشترك تقوم على وضع وصفته مصادر مختلفة.

ان حال السيدان المالكي وكارازاي في نيويورك يشابه تماما حال ضباط الحجابات عندما كانوا ينسحبون الى المقر الخلفي في فترة قيلولة تتيح لهم فرصة الاستمتاع بحمام ساخن وماء بارد و وجبة حارة على مائدة السيد الأمر الذي من المؤكد يدرك جيدا خطورة المهمة الملقاة على ضباطه، حيث وفقا للتقاليد العسكرية فان ملاك الحجابات يُسجَل ( كأحياء ) في اوامر القسم الاول صباحا، ثم يوضع في سجل الخسائر في اوامر القسم الثاني عصرا وهكذا حتى يشاء الله امرا كان مكتوبا.

ربما يكون من حق الرئيس الامريكي او غيره ان يُدخِل شعبه ما إشتهت نفسه من الحروب والمعارك وايضا ربما يكون من حق المالكي او كرازاي اوغيرهما ان يقبلا شخصيا، بسعادة او على مضض، في ان يكونا ضباط حجابات لهذا او ذاك و لكن من اعطى الحق لهؤلاء وفي مقدمتهم احمق البيت الابيض فيقرر في ليلة مظلمة وفي زمن اغبر ان يجعل اوطانا وشعوبا بكاملها حجابات لمغامراته الحمقاء؟!.

د. وديع بتي حنا

[email protected]