شهد عام ألفين وخمسة موسم الحديث عن التعديل في دساتير بعض الدول الإفريقية كمصر وتشاد وتوغو وأوغندا، حتى يتسنَّى للرؤساء الحاليين حق الترشح لفترة رئاسية ثالثة أو إعادة انتخابهم مرة أخرى، ورغم المعارضة الشعبية لهذه الخطوات التي من شأنها تكريس حكم الفرد الواحد إلا أن سلطات هذه الدول مضت في مخططاتها.

الرئيس التشادي إدريس ديبي عدّل المادة (61) التي تحول دون ترشحه للرئاسة خمس سنوات إضافية وتمكّن من الاستفراد بالحكم في (انتخابات) 2006 لتشتعل الاضطرابات السياسية في بلاده.

عندنا في الجزائر المادة (74) من الدستور هي التي تنغّص الرئيس وتمنعه من الترشح لعهدة ثالثة من خمس سنوات ابتداء من العام القادم، والحملة قد بدأت من الآن لتعديل المادة ومن ثم السماح له بالترشح مرة ثالثة ليحكم خمسة عشر عاما.

في تشاد، زجّ الرئيس ديبي معارضيه في السجون، وقابل المتظاهرين المحتجين ومنظمات المجتمع المدني بالهراوات، وكمّم أفواه الصحافيين أو اشترى ذممهم بريع النفط الذي اكتُشف حديثا في بلاده، هذا النفط لم يستفد من دولاراته سوى الرئيس والمُطبّلين له، في حين حُرمت الطبقات الشعبية حتى من الفُتات، ما أدى إلى انتقال الآلاف إلى الحدود حيث انضموا إلى المتمردين وحملوا السلاح.

ومع وصول المتمردين إلى أبواب قصر ديبي لم تنفعه لا القواعد العسكرية الفرنسية في بلاده، ولا حاشيته من المنتفعين الذين زيّنوا له أخطاءه السياسية.

بطانة السوء المنتفعة بريع النفط في الجزائر، تتحرك الآن تحت غطاء مايسمى بالتحالف الرئاسي والجمعيات التي تدور في فلكه، وقد أعلنت مساندتها للدستور الجديد حتى قبل أن يرى النور! وهذا ما سيشكل خطرا على الرئيس بوتفليقة نفسه، حيث سيجد نفسه محاطا بشلة من الانتهازيين غير المبدعين، يُسهمون بشكل كبير في انتفاضة الشارع ضد حكمه.

وإذا كان الجزائريون يعرفون سلفا أن الرئيس سيعاد انتخابه، فمَن هو السياسي الساذج الذي يسمح لنفسه بأن يترشح في انتخابات معروفة نتائجها سلفا ليكون مجرد أرنب سباق؟

مما لا شك فيه أن الأزمة الحقيقية في دول العالم الثالث ليست فيمن يتولى منصب الرئيس وإنما تكمن في عمل وصلاحيات مؤسسات الدولة، من الرئاسة إلى البرلمان إلى الأجهزة القضائية.هذه المؤسسات لا يمكن أن تؤدي دورها كاملا في غياب نظرة واعية ومسؤولة إلى علاقة السلطة بالمحكوم. و الاضطرابات التي تعصف بتشاد يجب أن تكون مرجعا أساسيا لمستشاري الرئيس الجزائري، ولا أريد هنا أن أستبق النتائج وأتوقع الأسوء، فالجزائر تعيش ما يكفيها من الأزمات التي يتقدمها الإرهاب، لكنني تعلمّتُ في لغة المنطق: أن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج.

والفرق بين العدد (74) و (61) ثلاثة عشر فقط، وهي الأشهر التي تفصلنا عن موعد الرئاسيات في الجزائر في أبريل من العام القادم.

سليمان بوصوفه