نظرة نقدية على مسيرة الجمهورية العربية المتحدة

الحزب الواحد وغياب التعددية

اهمال الخصائص الوطنية لكل مجتمع

تغييب المصالح الاقتصادية المشتركة، تغييب حقوق الاقليات

مثـّل قيام الجمهورية العربية بأتحاد مصر وسوريا في 22 شباط 1958 انعطافة مهمة في النضال القومي العربي تمثلت بتشكيل نواة للوحدة العربية التي طالما ناضلت القوى العربية من أجلها معتمدة على الروابط التي تجمع بين ابناء الشعب الواحد من لغة وثقافة وتأريخ وأرض،وقد جاءت هذه الجمهورية الوليدة في ظروف صعبة كانت تمر بها الامة العربية وخصوصاً التآمر الاستعماري والرجعي والصهيوني على سورية،وقيام احلاف عسكرية في المنطقة تهدد أمنها الوطني والقومي.


لقد كانت لشخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أثرها ودورها الكبير في تحقيق الوحدة في تلك المرحلة لما مثله من انحياز لقوى الشعب العاملة والنضال القومي ضد الاستعمار والتخلف والوقوف بوجه المشاريع المشبوهة في المنطقة.
ولكن تلك التجربة الوحدوية لم تستطع الاستمرار فقد حدث الانفصال في 28 أيلول 1961 من جانب بعض القوات العسكرية السورية التي ثبت تعاملها المباشر مع قوى معادية للوحدة آنذاك،وقد كان بأمكان عبد الناصر أن يحبط الانفصال في يومه ولكنه رفض استخدام القوة العسكرية لأستعادة الوحدة وذلك من خلال منظورينالاول أن لا يقاتل العربي أخاه العربي لأن ذلك يعكس آثاراً سلبية نفسية وموضوعية على القوى الشعبية والعسكرية،والثاني أن الوحدة يجب أن تقوم على الارادة الحرة والقناعة الكاملة بها كهدف قومي ولايمكن تحقيقها بالوسائل العسكرية.
وعندما نقيم تجربة الوحدة ثم الانفصال لابد لنا وأن نأخذ بنظر الاعتبار الظروف الموضوعية آنذاك والعوامل التي أدت الى قيام الوحدة ثم الانفصال لأن عبد الناصر نفسه قد اكتشف وجود ثغرات كبيرة في التجربة، وان القوى البيروقراطية واجراءاتها قد حجبت الكثير من الحقائق عنه،لذلك فلابد لنا لتقييم التجربة من أن نركز على الأمور الأساسية الاتية:

اولاً: لقد غابت التعددية عن دولة الوحدة وجرى انتهاج أسلوب التنظيم الواحد،بمختلف مسمياته، وجرى تغييب قوى وطنية وقومية فاعلة كانت تملك تصورات مخلصة حول التجربة وأسلوب الحكم وضرورة قيام النظام الديمقراطي ومؤسساته المنتخبة بحرية، وكان لغياب الديمقراطية أثره الكبير في تشجيع قوى الانفصال وغيرها على التآمر مستغلين غياب دور الشعب وقواه المناضلة، واعتماد الدولة على أجهزتها الأمنية والبيروقراطية في تسيير عجلة الدولة لذلك فأن التجربة قد أكدت ضرورة التعددية وأهميتها، والترابط بين الوحدة والديمقراطية، وأن تستند على الارادة الحرة للناس في تحقيق الوحدة وليس فرضها بالقوة أو الغزو،وقد أثبتت المراحل السابقة أن فكرة الحزب الواحد غير صحيحة، لأن المجتمعات تتكون من طبقات وفئات مختلفة لابد لها وأن تعبر عن نفسها بتنظيمات متعددة تحمل فكرها وتحمي مصالحها وتتعاون مع الآخرين على اساس وحدة المصير والحفاظ على الوطن، لذلك فأن الوحدة لابد وأن ترتبط بالتعددية والديمقراطية

ثانياً: على الرغم من الايمان الحقيقي والواقعي بالعوامل القومية المشتركة، فلابد من الأخذ بالخصائص الوطنية لكل بلد عربي ومجتمعه، فقد جرى النظر آنذاك الى كل ماهو قطري على أنه انفصالي معاد للوحدة وجرى تحريمه وحتى قمعه بشتى الوسائل، ولكن الحقيقة أن العديد من الخصائص والركائز قد قامت في الدول العربية منذ انشائها ومضت عليها عقود عديدة مما جعلهامن خصائص المجتمع وسماته ولايمكن القفز عليها بدعوى الاعتبارات القومية الصرفة،لذلك فلابد من ايجاد علاقة بين الاهداف القومية والوطنية،وربطهما لصالح الهدف المشترك للدول المنضوية تحت أية وحدة عربية، فالدول العربية موجودة ولها خصائصها التي يجب احترامها والتعامل معها كواقع حقيقي ولايمكن تجاوزها أو الغائها مع التأكيد على الانتماء الواقعي للامة العربية في الوقت نفسه.

ثالثاً:لقد قامت فكرة الوحدة العربية على أساس الروابط القومية المعروفة والتي تكونت تأريخياً، ولكن الواقع أثبت أن تلك الروابط لوحدها لايمكن أن تقوم عليها دولة الوحدة، إذ لابد من الاستناد على المصالح الوطنية المشتركة،إذ يجب على الناس أن يؤمنوا بأن العمل الوحدوي يرتبط بمصالحهم ايضاً، ولنا من تجربة الاتحاد الاوربي مثلاً واقعياً في تأكيد ذلك، فالروابط القومية بين دول ذلك الاتحاد أقل من الروابط بين الدول العربية، ولكن المصالح المشتركة هي التي حققت النجاح للاتحاد الاوربي ومانتج عنه من مؤسسات مهمة تعزز وحدته مثل السوق الأوربية المشتركة وتوحيد العملة وحرية التنقل بين دول الاتحاد، علاوة على التعاون والتنسيق السياسي وحتى العسكري بينها.


لذلك نؤكد أن المصالح المشتركة أساسية في العمل الوحدوي، فكلما شعر الناس في كل بلد عربي ان الوحدة تؤكد مصالحهم فأنهم يقتربون من فكرة الوحدة ويتعاملون معها بجدية وارتباط كبير، ومثالنا على ذلك تجربة مجلس التعاون الخليجي ومانتج عنه من العمل على انشاء السوق المشتركة والتنقل بين دوله على أساس الهوية،فذلك بنظرنا يحقق الوحدة ولايقفز على التمايزات الموجودة بين الدول العربية.

رابعاً:ان الوطن العربي يضم قوميات وأديان وطوائف وجهات مختلفة ولابد من اتخاذ موقف تقدمي وعادل أزاء هذه التعددية والتعامل معها كأمر واقع وغير مرفوض، فلا يجوز إنكارهذا التنوع بأسم الوحدة أو محاولة طمس وجودها أوتذويبها في بوتقة مايجمع الشعب العربي من روابط قومية،لذلك فأن الوحدة يجب ان تقوم على أساس الأيمان بالحرية الاختيارية للوحدة من قبل المواطنين الآخرين واعطاء حق تقرير المصير للشعوب وبحسب مصالحها، وعدم فرض التعصب والصهر عليها تحت دعوى الاغلبية والاقلية.


أننا عندما نعرض هذه الافكار والآراء فلأننا نريد الاستفادة منها في عملنا القومي نحو تحقيق الوحدة العربية بصورها واشكالها المتطورة والواقعية والتي لايمكن تقوقعها في قالب واحد واعتبارت واحدة ولابد للوحدويين العرب من أن يأخذوا بدروس الوحدة السابقة ويبتعدوا عن القضايا الشكلية التي لاتمثل الأساس في العمل القومي، ليكون المسار الوحدوي مستنداً على مبادئ ثابتة من التعددية والديمقراطية والمصالح علاوة على العوامل القومية المشتركة.


تحية لذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة كنواة لأول تجربة وحدوية،ونحيي نضال قائدها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ودوره الرائدفي العمل من أجل الأمة العربية ومبادئها القومية.

عبد الاله النصراوي
الامين العام للحركة الاشتراكية العربية في العراق