لا تجد فاسداً لوحده أبداً، دائماً هناك للفاسد شقيق وشركاء وظهر قوي يحميه،وكلما كان الظهر (عريض المنكبين) كانت الغنيمة والغزوة كبيرة.عندما تصاعد الإرهاب إلى ذروته في العراق،وصار عدد الجثث الملقاة في الشوارع يصل إلى المئات كل يوم،ولا يجرؤ أحد على حملها، كانت السرقة الواحدة أو الغزوة الواحدة الناهبة من المال العام تصل إلى مئات الملايين من الدولارات. حتى إن أحد الوزراء كما نشر سرق ثمنمائة مليون دولار في ضربة واحدة! وما يزال حتى اليوم هارباً. وفي اليوم الواحد تقع العديد من هذه الغزوات البطولية!
في منتصف عام 2003 شكل مجلس إعادة الإعمار في العراق لجنة سماها لجنة مكافحة الإرهاب برئاسة توفيق الياسري، وجدت اللجنة بعد دراسات وتحريات طويلة أن الإرهاب يتغذى من الفساد داخل الدولة،وإن الفساد يجد غطاءه بالإرهاب، وإنهما متلازمان كشقيقين توءمين،غير شرعيين. فعادت وغيرت اسمها إلى لجنة مكافحة الفساد والإرهاب وراحت تعمل على طريقين متوازيين.
كان هذا أول توجه عالي المستوى للتصدي لهاتين الظاهرتين المدمرتين من جذورهما لا من سطحهما القانوني إذا لم يكن لمجلس الإعمار صلاحيات تنفيذية أو قضائية. بعد أيام وفي غارة على أحد المساجد في بغداد الذي تتخذه جماعة إرهابية مقراً لها وتجمع فيه أسلحتها وجد بين أوراق الإرهابيين أسماء أعضاء هذه اللجنة وعناوينهم ومخططات لتصفيتهم، وقد قتل فعلاً أحد أعضاء مجلس إعادة الإعمار مجيد حنون وهو يرصد في ميناء البصرة البواخر التي كانت تقوم بتهريب آلاف الأطنان من الحديد السكراب إلى إيران!
بعد رحيل مجلس الإعمار، وعلى هدى ذات التوجه للعهد الجديد شكل البرلمان مع الحكومة هيئة النزاهة برئاسة القاضي راضي الراضي، وقد عملت هذه اللجنة في ظروف عصيبة ورهيبة جداً، كان الإرهاب في أوجه، وكان الفساد في أوجه أيضاً: أنابيب البترول كانت مفتوحة لشاحنات وبواخر اللصوص في البصرة وعلى الحدود الإيرانية، وخزينة الدولة مفتوحة للأيدي القذرة تحمل منها ما تشاء بمباركة رجال متنفذين في السلطة والبرلمان والحياة السياسية، فساد في بغداد وفساد في كردستان، أحدهما يحمي الآخر، والدماء تغطي شوارع وبيوت العراق!
لم يستطع القاضي الراضي أن يكون راضياً عما يجري حوله وأن يتحول هو إلى فزاعة طيور، وحين أراد أن يفتح فمه انبرى له أحد رجال الدين السياسيين من البرلمان وظل ينازله في حلبة الملاكمة السرية والعلنية حتى أطاح به بالضربة القاضية! لم يعرف حتى الآن من هو المذنب ومن هو البريء في عراكهما لكن من المؤكد أن الفساد قد وجد في صراع ولاة الأمور من حوله فرصته الذهبية ليزيد في خزائنه من الذهب!
عهدت هيئة النزاهة لوكيل وتناوب عليها قضاة وأشباه قضاة، وساعد تخلخلها على شلل عملها الضعيف أصلاً حتى أسندت أخيراً للقاضي رحيم العكيلي. في تصريحاته الأولى قال العكيلي: إن الفساد في العراق موجود فعلاً ولكنه ليس بالضخامة التي يصور بها للناس أو تتناقله وكالات الإنباء العالمية! بذلك كان يرد على تصنيف العراق كثاني دولة في العالم من حيث نسبة الفساد! لكن العكيلي لم يقل ما هي نسبة الفساد في العراق ولو على وجه التقريب! وبتصريحه هذا سكب الماء البارد على العاطفة الملتهبة المتطلعة إليه كمنقذ من حرامية الدولة الذين يفرخون كالأرانب، ويلتهمون كالأسود!
وعن بطء إجراءاته أو تلكؤها تحدث عن رأي خاص له في قضايا الفساد ورأي خاص للحكومة والبرلمان، لكنه ملتزم بقانون البرلمان والحكومة، ومن المعروف أن التشريع الذي يتصدى للفساد قد وضع من قبل برلمان هو نفسه متهم بتستره أو لا مبالاته إزاء الفساد والفاسدين، وإن الكثيرين من أعضاء البرلمان أنفسهم يرفضون حتى اليوم تقديم كشوفات بممتلكاتهم وحساباتهم بينما يجب عليهم أن يكونوا مثالاً في الشفافية والصدق مع القانون والشعب!
وهم بذلك طبعاً لا يستطيعون محاسبة رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية ونوابه والوزراء وبقية العاملين في الدولة على وضعهم المالي وتصرفاتهم في أموال الشعب!ولا أن تكون للدولة هيئة للنزاهة مشبعة بمهماتها وصلاحياتها!
عندما كان الإرهاب متصاعداً ودخانه يحجب السماء كان يحمي الفاسدين فهو يأخذ حصته الكبيرة منهم ليواصل نشاطاته، وهم يغذونه ليواصلوا سرقاتهم تحت الدخان وخوف الناس والموظفين النزيهين،وعندما تقلص الإرهاب بنسبة واضحة اليوم حل محله العنف الشرعي،وكلما أسيء أو افرط في استعماله تحول إلى إرهاب شرعي أو إرهاب بغطاء قانوني،وهو بيد الدولة ومسؤوليها ودون رقيب،وإذا ما تحالف العنف أو الإرهاب الشرعي مع الفساد فإن الفساد نفسه سيكون شرعياً وسيكون هو القاعدة، والنزاهة هي الاستثناء!
في خطوة يصعب فهمها قال أحد المسؤولين أن الحكومة قد أعفت الذين سرقوا أموال الدولة من المساءلة الجنائية لكنها لم تعفهم من الأموال التي سرقوها وسيظلون مطالبين بإرجاعها. كيف سيطالبون؟ من سيطالبهم؟ كيف استحال المال المسروق إلى قرض وإلى إعارة أو ربما إلى منحة؟ من شرع هذا القانون؟ هل هو من صلاحية البرلمان أم الحكومة أم الأمر جزء من فوضى في عمل الدولة حين يتولاها رجال ونساء تنقصهم الكفاءة والعلم والإخلاص!
من الواضح أن الرؤوس العليا في الدولة في تشكيلتها الطائفية والقومية والحزبية الضيقة لا تمتلك الإرادة السياسية أو حتى الأخلاقية للتصدي للفساد والفاسدين! هذه الرؤوس الكبيرة حين تسأل عن تأجيلها لمشاريع الإعمار، تقول إنها لا تستطيع تنفيذها خشية أن يتسرب رصيدها إلى جيوب الفاسدين! وهذا ما يقع في باب أن العذر أقبح من الفعل! ترى من يضمن أنها إذا بقيت في خزينة الدولة ستكون بمنأى عن أيدي الفاسدين؟
ويسألونك من أين جاء الإرهاب والفساد؟ مرة أخرى سيأتي الجواب :من وراء الحدود! فتش عن إيران وسوريا وغيرها من دول الجوار وبقايا البعث ومخابراته! ولكن هل يمكن للإرهاب والفساد أن يستوطنا قلب الدولة وأحشاء المجتمع لو لم تكن لهما ركائز طائفية وقومية وحزبية متعصبة فاسدة هي أيضاً؟ الإرهابي لا يولد ولا يعيش إلا مع شقيقه الفاسد فهما يولدان كتوءمين ملتصقين،لكنهم يمتلكان خفة حركة لا يمتلكها الناس الأسوياءzwj;!
ليجتمع الفريق عبود قنبر قائد قوات فرض القانون مع القاضي رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة ويضعا خطة واحدة لمكافحة الإرهاب والفساد معاً، تكون شاملة ومتلازمة ومنسجمة،وليقوما باعتقال كل من يثبت فساده أو إرهابه أو كلاهما معاً، حتى لو وجدوه في البرلمان رافعاً يده للتصويت على قائمة الحجيج إلى بيت الله الحرام،أو لرفع الحصانة عن المارق مثال الآلوسي. zwj; zwj; zwj;
التعليقات