لايملك أي إنسان حتى لو تجرد من عواطفه الإنسانية ومن إنتماءاته العرقية والدينية، إلا أن يستنكر العدوان الإسرائيلي المتجدد على الفلسطينيين الذين أصبحت دمائهم المسالة كالأنهار منذ أكثر من ستين عاما كأنها ماء!


فالهجمة الإسرائيلية التي تستهدف قطاع غزة اليوم، هي بكل المقاييس هجمة بربرية مدانة وفق كل الشرائع الأرضية والسماوية لأنها تستهدف أناسا عزل لاحول لهم ولا قوة في مواجهة أكبر آلة عسكرية في المنطقة، وتذكرني هذه الهجمة وغيرها من سياسات وجرائم إسرائيل بما كنا نتجرعه على أيدي دكتاتور بغداد الذي كان يتصرف مثل الإسرائيليين كغاصب للأرض ويرتكب جرائم أفظع مما ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الكردي، ولكن في وقفة تأمل سيكون هناك منظار آخر لهذا الحدث الأبرز الذي نختتم به العام 2008..
باديء ذي بدء يجب أن نتمعن في أسباب تجدد العدوان ونبحث في العوامل التي ساعدت ومهدت لإسرائيل أن تتحدى المجتمع الإنساني بهجومها البربري على الناس المدنيين وتقتل فيهم بمثل هذه البشاعة والعنجهية..

والسؤال الذي يطرح نفسه منذ البداية هو، ما جدوى كل تلك الإتفاقيات ( إتفاقيات السلام ) بين الفلسطينيين والإٍسرائيليين، والواقع على الأرض لا يعكس أية روح سلمية من الجانبين معا؟!..
وماذا جنى الفلسطينيون من تلك الإتفاقات وكل يوم يسقط منهم عديد القتلى والجرحى بمواجهة الآلة الحربية الإسرائيلية التي تسمي وزارة دفاعها بوزارة quot; الحرب quot;؟!.

بالمقابل ماذا إستفاد الإسرائيلييون من تلك الإتفاقات التي أسكنت المقاومين لإحتلالها الى جنبهم، فأصبحوا كالخنجر في خاصرة دولتهم، قبل أن يتحولوا الى شركاء في السلام والوطن؟!.
هناك مليون سؤال إضافي يفرض نفسه على الحدث..
هل كان الفلسطيني المشرد في مدن وعواصم العرب والعالم كان يحلم يوما بالعودة الى أرضه ووطنه من دون توقيع إتفاقات السلام مع إسرائيل؟!.


هل كان القائد الثوري الراحل ياسر عرفات يجول بخاطره يوما بأن يمد يده لقادة اسرائيل ليكون أول رئيس للسلطة الفلسطينية ولدولتها المنتظرة من دون أن يوقع إتفاقية السلام مع إسرائيل بعد أن كادت كل العواصم العربية أن تضيق بوجوده غير المرغوب فيها؟!.
كيف يمكن تعايش طرفي السلام على أرض تراق عليها يوميا دماء العشرات من السكان؟!.


لماذا هذا الإسترخاص الجنوني لدماء الفلسطينيين، وما جدوى هذا العناد الأحمق بإستعادة كامل التراب الفلسطيني وطرد اليهود ورميهم في البحر ببضعة صواريخ كاتيوشا تعتبر قياسا الى الآلة الحربية الإسرائيلية كمفرقعات الإحتفالات برأس السنة الميلادية؟!.
كيف تجيز سلطة منتخبة من قبل الشعب الفلسطيني لنفسها أن تجعل من شعب كامل ضحية لايديولوجية عفى عنها الزمن منذ نهاية الثمانينات، وتتسبب في هدر دماء الآلاف من أبناء هذا الشعب تحت ذريعة شعار ممسوخ وهو خيارالمقاومة الذي اصبح غير مجديا في هذا العصر؟!.


على من يتكل الشعب الفلسطيني في تفجير quot; إنتفاضاته quot; الرابعة والخامسة والعاشرة، والوضع العربي هو ما عليه اليوم وغدا وبعد غد، في التهرب من دعم حقوق الشعب الفلسطيني، لا بل حتى إستكثار عقد قمة عربية لـquot; إدانة وشجب وإستنكارquot; العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة،في حين ان الدول العربية تمرست على إصدار مثل تلك البيانات التي لا تقدم ولا تؤخر شيئا اللهم إلا زيادة حجم ملفات الادانة في أرشيف الجامعة العربية؟!.


لماذا لا يصحو الشعب الفلسطيني على نفسه لينتفض إنتفاضته الاخيرة هذه المرة ضد قياداته ويرغمها على وقف هذا السيل من الدماء، ويعلنها حركة quot; كفاية فلسطينية quot; بدل الإنجرار وراء حركة quot; حماس quot; المتهورة التي تتسبب صواريخها المهترئة في قتل وتشريد مئات الالوف من الفلسطينيين العزل، ويثور ضد قادة السلطة لارغامهم على الدخول في مشروع سلام حقيقي مع إسرائيل بغية وقف دوامة العنف والقتل اليومي ضد الشعب الفلسطيني؟!.

إن ما يجري اليوم في قطاع غزة تتحمل مسؤوليته حركة حماس التي تشهر سلاحها بوجه إسرائيل من دون أي مبرر غير العنتريات الفارغة للمقاومة، وتستفز قيادتها بذلك على الإمعان في القتل والهدم والتدمير الكامل للوطن الفلسطيني المتحقق بدماء مئات الألوف من أبناء هذا الشعب الذي قاوم الإحتلال ببسالة حتى قبل ظهور حركة حماس..

على الشعب الفلسطيني أن ينهض من رقدته بوجه كل الحركات والأحزاب والقوى الفلسطينية الرافضة لإتفاقيات السلام والتسوية، مادامت تلك الحركات والقوى عاجزة لحد الآن عن إمحاء إسرائيل، كما عجزت الدول العربية برمتها طوال ستين السنة الماضية من تحقيق ولو نصر عسكري واحد على هذه الدولة الصغيرة، فالسلام بإعتقادي تصنعه الشعوب المتحضرة، وليست قيادات متحصنة وراء دروع بشرية بائسة لا تملك قوت يومها، أو قيادات جالسة بدول الجوار الفلسطيني من التي ترفرف فوق أبنيتها الإعلام الإسرائيلية خفاقة في وضح النهار!!..

لقد آن الأوان لهذا الشعب أن يكمل مسيرة السلام ويتنعم بوطنه ودولته جنبا الى جنب إسرائيل، بدل إراقة هذا السيل من الدماء في مواجهات عبثية لا طائل من ورائها إلا المزيد من الهزيمة والإنكسار على جبهات المواجهة، والكثير الكثير من الصراخ والنحيب على الفضائيات العنترية التي بدأت تنوب عن الحكومات العربية في شحن مواقف العداء العبثي اللامجدي ضد إسرائيل، فلم يعد ينفع بعد الآن التضحية بمئات الشهداء في مواجهات طفولية ومن ثم الدخول في مفاوضات التهدئة ووقف إطلاق المفرقعات..

يكاد الشعب العراقي يستعيد اليوم ذاكرته الصافية، ويطوي صفحة الآلام والمعاناة على يد الغرباء الذين دخلوه وأرادوا أن يحولوه الى ساحة حرب لتصفية حساباتهم مع أمريكا على حساب دماء الملايين من الشعب العراقي، وأن تحسن الحالة الأمنية وإنهزام تنظيم القاعدة وفلول البعث المنهار في العراق في الفترة الأخيرة،جاء من صحوة عشائره وشعبه، وتوصلها الى عدم جدوى الانجرار وراء القوى والحركات التي تدعي المقاومة،وبذلك إستطاعوا أن يعيدوا للعراق جزءا من بهائه وإستقراره، وهو سائر إن شاء الله نحو إستعادة كامل عافيته لرسم البسمة مجددا على وجوه أطفاله بإنقشاع تلك الغمامة السوداء على وجه العراق، وآن الأوان للشعب الفلسطيني أن يحذوا حذو العراق في وقف نهر الدماء المسال من جسد أبنائه، والقبول بشراكة سلام حقيقية، بدل الرضوخ الى معاناة الحصار وعمليات القتل والتدمير التي أعتقد أن إسرائيل ومعها شركائها من قادة الدول العربية لا يرف لهم جفن في إستمرارها حتى لو وصل الى هدم الوطن الفلسطيني على رؤوس شعبه.

شيرزاد شيخاني

[email protected]