الحديث عن اوجه الاخطاء في التجربة العراقية أبان عهد نظام الرئيس الاسبق صدام حسين يتحمل عدة تأويلات، لکن الاهم من بينها أن صدام حسين قد عول کثيرا على البنيان العسکري و الامني داخل العراق و صرف جل همه الى ذلك فيما کان همه العربي خارج العراق مصروفا لأمور لم يکن لها أية أسس قوية يمکن الاعتماد عليها. صدام حسين مع کل ذلك التهويل و الترکيز الاعلامي الدولي

نحو إرساء دعائم أمن قومي عربي 1-2

بمختلف قنواته عليه، لکنه في واقع حاله لم يکن قد أنجز الجوانب الاساسية التي من الممکن التعويل عليها في عملية إرساء دعائم أمن قومي عربي حقيقي، إذ انه لم يکن يمتلك في واقع الامر بنى تحتية أساسية ذاتية الحرکة و الاعتماد على النفس إنما ظلت تلك البنى معتمدة على الخارج من عدة وجوه کما أن النفوذ العراقي على الصعيد العربي بشکل خاص و على صعيد المنطقة بشکل عام، لم يکن أيضا أساسيا و متينا بإمکانه أن يستخدم کورقة ضغط في اللعبة الدولية سيما بوجه القوى الاقليمية و الدولية فقد تحرك صدام حسين من خلال الامتداد حزبياquot;بعثيا أو غيرهquot; و بسياق قومي فوقي لم يتمکن من التغلغل للأعماق إذ لم يحالفه الحظ في إنشاء تنظيمات ذات طابع جماهيري ـ تعبوي بإمکانها فرض إرادتها على الساحة و الموقف السياسي، في حين أن دولة أخرى تمکنت من إنشاء تنظيمات ذات زخم جماهيري قوي و إستخدمت هذه التنظيمات على أکثر من صعيد و لأکثر من غاية و هدف.


الامن القومي الحقيقي لأي بلد، يقوم على عدة أسس مهمة، تتلخص في إقتصاد قوي يمتلك بنى تحتية أساسية مکتفية ذاتيا و نظام إجتماعي ذو أسس و رکائز متينة ليس من الهين إختراقه، وأجهزة و بنى أمنية و عسکرية معدة و مجهزة على أفضل مايکون و، سد الثغرات أو المنافذ التي تشکل نقاط الضعف و الخلل في الامن القومي، و تهيأة بدائل أو أوراق محددة لإستخدامها عندما يتطلب الموقف للدفاع عن مسائل مرتبطة أو ذات صلة بالامن القومي، غير أن نظرة متفحصة للوضع العربي بشکل عام، يبين بوضوح أن الوضع الاقتصادي بمفهوم يکاد يقترب من الذي أشرنا إليه قد أنجز في بعض البلدان فيما تفتقر إليه غالبية من البلدان العربية، أما النظام الاجتماعي ذو الاسس و الرکائز المتينة، فهو امر متاح لو تم إستغلاله و توجيهه بالشکل و الاسلوب اللذين يخدمان الامن القومي وهذا النقطة تشکل مکمن خلل و ضعف في العديد من البلدان العربية و هي بحاجة الى أکثر من دراسة و مطالعة ولاسيما عند التطرق للمسألة الدينية و ذلك اللبس و الالتباس اللذين طفقا يلقيان غشاوة من الضبابية على الاعين خصوصا أعين الاجيال الجديدة وهو أمر حري بأخذه بنظر الاعتبار و إيلائه الاهمية القصوى وصولا الى تهيأة الصيغ و الاساليب الکفيلة بإزالة تلك الغشاوة. أما بالنسبة للبنى الامنية و العسکرية العربية فهي وإن کانت مجهزة و مهيأة على أفضل مايکون في البعض من بلدان وطننا العربي، لکنها مع ذلك قد لا تکون بمستوى الطموح سيما من حيث المقارنة مع نظيرتها لدى العدو الاسرائيلي أو حتى بعضا مع بعض من بلدان المنطقة التي شکلت تأريخيا مفصلا عدائيا ضد العرب، کما أن اسلوب العمل المتبع لدى الاجهزة الامنية العربية بشکل عام هو مواجهة المسببات في حين يتم تجاهل الاسباب، أو بکلام آخر، تنشغل هذه الاجهزة بمسألة مطاردة حملة الافکار السياسية ذات الطابع المختلف أو المضاد من دون العمل بسياق تهيأة بدائل أو مضادات لتلك الافکار، فالفکر يقاوم بالفکر و السياسة بالسياسة وهلم جرا وقد تعلمنا من التأريخ أن اساليب المعالجة ذات الطابع المؤقت لم تفلح إطلاقا في الوصول الى نتائج نهائية و جذرية في حين أن العکس صحيح تماما. وعند الاشارة الى الثغرات أو المنافذ التي تشکل نقاط الضعف و الخلل في الامن القومي العربي، فإن إشکالية الاقليات العرقية و المذهبية تبرز کأهم ثغرة أو منفذ استغل و يستغل من قبل أعداء الامة لتوجيه ضربات قوية قد تکون في بعض الاحيان تحت الحزام، وللأسف فإن العقلية السياسية العربية لم تصل الى إمتلاك خلفية ذات بعد علمي لمعالجة هذه الإشکالية و ظلت متشبثة بأشباه الحلول و الحلول المؤقتة و السطحية و کانت ببالغ الاسف تسلك سبلا خاطئة بحيث تقوم من خلالها بتقسيم سوح الاقليات العرقية و الدينية الى معسکرين، أحدهما تابع له و يوصف بالوطني و الآخر معادي له و يوصف بالخائن والامر الذي يجب ملاحظته هنا و الوقوف عنده مليا هو أن اسلوب عمل و تغلغل الاجهزة الامنية العربية في صفوف تلك الاقليات و طريقة جمع المعلومات عن الاطراف المختلفة معها سياسيا و فکريا، قد أضر في خطه العام بالامن القومي العربي و عوضا من أن يسد الثغرة أو يقلصها على أقل تقدير، قام بفسح مجال أرحب لإستغلال تلك الثغرات و تفويت مختلف الخطط و المشاريع التآمرية من خلاله. لقد کان حري بالعقلية السياسية العربية المشبعة أساسا بالفکر الديني أن تستلهم من روح الاسلام الدروس و العبر لمعالجة تلك الثغرات بأفضل السبل وکانت الخيارات المناسبة متاحة في ضوء ذلك، وکمثال نضربه جدلا، اليوم عندما تطرح مسألة حقوق الاقليات العرقية و الدينية في بعض من البلدان العربية و تطرح فکرة الفدرالية في العراق کأساس لمعالجة القضية الکردية، فإنه کان بالامکان سد هذه الثغرة و عدم جعلها تأخذ هکذا بعد إستثنائي من خلال طرح مفهومquot;الولايات الاسلاميةquot;کما کان الحال أيام الخلافة الاسلامية إذ أن هکذا صيغة کان بإمکانها أن تعطي إنطباعا في منتهى الايجابية عن ديننا الحنيف، إنه من المؤسف جدا أن تکون لدينا البدائل فنتجاهلها أو لا نعيها فتأتينا أشباه حلول قد لا ترقى في شکلها و محتواها الى مستوى بدائلنا الاصيلة و المعاصرة. ونظرة الى المسألة الشيعية في الوطن العربي و الطريقة المتبعة في التعامل معها، توضح حقيقة مهمة جدا وهي أن المشروع الاقليمي المضاد للمشروع العربي قد تمکن من أن يتلقف تلك المسألة و أن يوظفها بالطريقة المناسبة خدمة لأهدافه و أجندته الخاصة وفي الوقت الذي کان بإمکان العقلية العربية وبحکم بعديها الديني و القومي أن تقف بوجه ذلك التوظيف و تضع حدا له، فإنها ببالغ الاسف أيضا ساهمت من حيث لا تدري في تفويت الفرصة و المزيد من تقوية الاستغلالquot;السياسي ـ الامنيquot;للمسألة الشيعية.

ان النظرة الضيقة و غير المسؤولة التي تضع الشيعة کلهم في زاوية نظام ولاية الفقيه أو إتباع النهج الايراني، هي غير ثاقبة و غير منصفة سيما وأن هناك غالبية شيعية صامتة قد تقلب المعادلة رأسا على عقب لو تم توظيفها عربيا و بشکل مخلص و صادق و بناء ونحن في المجلس الاسلامي العربي قد محصنا هذا الامر و درسناه بشکل معمق و وجدنا أنه من الخطأ و الاجحاف الجزم بأن الشيعة برمتهم يراهنون على النظام السياسي ـ المذهبي في إيران لأنهم يجدونه الافضل من أنظمة بلدانهم و وجدنا أن الخلل الاساسي يکمن في نقطة الإحتواء العربي الامثل لهذه الطائفة بدلا من جعلها لقمة سائغة أمام الاطراف الاقليمية الاخرى، نحن لا ندعو الى تخوين مجموعة و تصويب أخرى مثلما أننا لا نحث أيضا على إستخدام العنف وسيلة للتوصل الى الاهداف و الغايات، لکننا ندعو أخواننا من القادة العرب الى دراسة هذه النقطة بجدية و عدم الانجراف خلف المتاهاة الضيقة للنظرة الطائفية و السعي لفهم الامر من زاوية أرحب و أکثر شمولية وذلك بالبحث عن القواسم المشترکة الاکثر من کثيرة و التي تربطهم بأخوانهم من الشيعة العرب و فتح الصدور لهم لکي يکونوا لبنة في الجدار القومي العربي لا ثغرة مشبوهة و هذا الامر لايکون ممکنا إلا بالمساهمة العربية البناءة في تغذية و تقوية الجانب القومي في الشخصية الشيعية العربية وهو أمر قد لايکون هينا سيما إذا ماتوفرت الارضية البناءة و الخصبة لها. وقد آلينا على أنفسنا في المجلس الاسلامي العربي أن نکون دعاة لمنبر قومي عربي يجمع الشيعة و يوحد صفوفهم من أجل غد أفضل لأوطانهم العربية وإننا بدعوتنا لإسلام إعتدالي وسطي أصيل و معاصر و إدافة ذلك برامج فکرية ـ تربوية ـ ثقافية هادفة غايتها الاساسية صقل شخصية شيعية مؤمنة ببعدها القومي و غير مستعدة للتخلي عن إنتمائها الوطني و القومي تحت أي طائل، لکن هذا الامر کما هو واضح يحتاج الى صيغ محددة من الدعم و المساندة المالية و الاعلامية و السياسية للوقوف بوجه المشروع المضاد الذي يعمل في صفوف الشيعة العرب بنشاط دؤوب.

اننا في المجلس الاسلامي العربي نواجه عدوا فريدا من نوعه يمتلك مختلف أسباب القوة و يسلك کافة الطرق من أجل الوصول الى أهدافه، وفي الوقت الذي نجد فيه أننا کعرب نمتلك أيضا کل أسباب القوة ولنا الکثير من الخيارات المتاحة للوقوف بوجه أعدائنا، لکن الذي يؤسف له هو أننا لا نقوم بإستخدام أمثل لإمکانياتنا من أجل مصالحنا الخاصة و أمننا القومي المهدد دوما من قبل الاعداء و على مختلف الاصعدة و إنما نتجاهل مثل هذه الامور البالغة الخطورة حتى تصل الامور الى نقطة اللاعودة. أن اطروحة المجلس الاسلامي العربي تهدف اساسا الى تهيأة أفضل السبل و الطرق النظرية و العملية لخلق تيار قومي عربي داخل الشيعة العرب و لفت أنظارهم الى خطورة المشروع المضاد وتهديده لمستقبل العرب ککل من دون إستثناء وقد ووجدنا و نجد آذانا صاغية و قلوبا و عقولا مؤمنة بإطروحاتنا الفکرية بين أخواننا الشيعة العرب ونعتقد أنه و بتوفير أسباب المساندة و الدعم العربيين فإننا سنقوم بترسيخ خطنا الفکري ـ السياسي هذا و جعله أمرا واقعا و رقما صعبا على الساحة الشيعية سيما هنا في لبنان. لکننا في نفس الوقت، وجدنا و نجد العديد من المتربصين بنا من الذين يحصون حتى أنفاسنا و يسعون للتضييق علينا بمختلف الوسائل و السبل. ويعلم الکل، أن الثغرة التي فتحها المشروع المضاد في الجسد اللبناني، قد کلفت البلدان العربية الکثير من المال و الجهد و على أکثر من صعيد وأن الذي صرفته هذه الدول من أجلquot;إتقاءquot;الشر القادم من لبنان، کان بالامکان صرفه بطريقة أفضل وهي تقوية البديل العربي المتاح في لبنان و الذي يهدف فيما يهدف خير و مصلحة العرب و ينحصر همه الاکبر في تقوية و دعم الامن القومي العربي. اننا ندعو مرة ثانية و ثالثة و حتى عاشرة أخواننا من القادة العرب الى دعم و مساندة المجلس الاسلامي العربي الذي هو بالاساس خلق لکي يخدم المشروع العربي وان تقوية هذا المجلس و رفده بأسباب الازدهار سيکون من شأنه خدمة الامن القومي العربي و تعزيزه و رص صفوفه. لقد حققنا في المجلس الاسلامي العربي تقدما ملحوظا على سياق التأسيس لخط سياسي ـ عقائدي عربي المضمون بين الشيعة العرب هنا في لبنان و قد حققنا خلال عامين فقط من عمر المجلس خطوات تبدو البعض منها أکبر من هذا العمر الزمني القصير نسبيا و نحن عاقدون العزم على تحقيق المزيد من الخطوات المهمة و الحيوية على طريق هدفنا الاستراتيجي المنشود و أن الايام القادمة ستشهد المزيد من الخطى النوعية التي ستثبت للأشقاء العرب بأن المجلس الاسلامي العربي في لبنان قد جاء من أجل خدمة المشروع القومي العربي و أن جانب أساسي من عمله المتعدد الاطراف يشدد على مسألة الامن القومي للأمة العربية ولنا أمل کبير بأن يلتفت أشقائنا العرب الى هذا الامر و يستوعبون مضمون الرسالة المهمة و المصيرية التي نبعثها من لبنان.

محمد علي الحسيني
* الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان