الجهود و النشاطات المحمومة التي يبذلها أصحاب مشروع إقليمي جديد ذو ملامح تقسيمية واضحة لا تخطيء العين الخبيرة قراءة دلالاته و أبعاده لخلق و تكوين إقليم جديد بعنوان ( إقليم البصرة ) يكون لربما كيانا جديدا يفصل البصرة عن محيطها العراقي و يؤسس لتكوين كيان إنفصالي جديد على أسس عشائرية و مناطقية هو واحد من أغرب المشاريع السياسية في تاريخ العراق المعاصر، وهذا المشروع الذي يتحرك من أجله بشكل فاعل و بارز محافظ البصرة السابق و النائب في البرلمان العراقي عن قائمة إياد علاوي سابقا و التي إنفصل عنها لاحقا وهو القاضي وائل عبد اللطيف لا يستند أساسا لأي معايير حقيقية أو تاريخية أو حتى واقعية! فكل مبرراته ليست سوى شعارات عامة و تمنيات فارغة، و التنمية التي يتحدث عنها و التي ستنقل البصرة من واقعها الكئيب الراهن و المعاش منذ عقود لواقع تنموي و حضاري جديد لن تحدث أصلا مالم تتغير مجموعة المفاهيم والقيم السياسية و الحضارية السائدة! فإنفصال البصرة بطريقة عشوائية لن يجلب الخير أبدا لها و لشعبها و لن يجعل ناطحات السحاب تغزو مناطقها و هي بالتالي لن تتحول لنسخة أخرى من ( دبي ) أو لأي مدينة خليجية شقيقة أخرى!

و السبب بسيط وهو فقدان إرادة البناء و سيادة القيم العشائرية المختلفة و المتخلفة و غياب العقلية و القيادة الإدارية و الحضارية القادرة حقيقة على فرض منهج التنمية و التطور وتوديع التخلف، و تقسيم مدينة البصرة أو إقليمها لثمانية عشر وحدة إدارية كما قيل و أشيع ووفق تسميات و أسس عشائرية هو نكوص حقيقي عن كل جهود إشاعة الديمقراطية و تبني سياسة التسامح و التنمية الشاملة، فقد بات واضحا إن حصيلة السنوات الخمس المنصرمة من عمر التجربة السياسية الجديدة منذ سقوط النظام السابق تحت جنازير دبابات الإحتلال الدولي لم تكن مشجعة بالمرة و إن رياح الطائفية المريضة وسيادة الأحزاب الدينية و الطائفية المتخلفة قد أجهزت على البصرة وعموم العراق وجاءت سياسة المحاصصة الطائفية المريضة لتهشم العراق بالكامل و لتوصل لسدة المسؤولية عناصر فاشلة لا علاقة لها بقيادة أو إدارة مدرسة فضلا عن إدارة دولة!

وصاحب مشروع إقليم البصرة هو من نمط السياسيين الجدد المفتقرين للخبرة و المتنقلين بين هذ التيار أو ذاك و الباحثين عن فرقعات إعلامية ساخنة لن تضيف في النهاية للمشهد العراقي سوى البؤس و أي بؤس!!، تصوروا محافظة البصرة وهي تستقل و تنفصل عن العراق لتبرز أحياء وحواري بديلة بتسميات عشائرية و مناطقية و بخلق بؤر جديدة للتوتر و التنازع في ظل عيون الترقب الإيرانية و مخالب الأحزاب الطائفية و المتخلفة المتربصة بالوضع عن كثب وفي خضم حالة الفشل الكبير التي يعانيها العراق والتي لم تستقر على صورة مستقبلية واضحة بعد.

تخلف البصرة هو جزء من التخلف العراقي الشامل، و مأساة البصرة هو حصيلة نهائية لمآسي العراق المتوارثة و التي راكمها النظام السابق، و مشاريع الإنفصال الكيفية و العشوائية ليست هي البلسم الناجح و لا الإطار الفعال لحل القضايا، لقد برزت في تاريخ البصرة المعاصر في بداية القرن العشرين المنصرم محاولة إستقلالية و لكنها كانت جزء من مشروع قومي وحدوي رائد لم يقدر له الظهور ولم تسمح الستراتيجيات الدولية بتطويره وهو مشروع الإمارات الخليجية المتحدة عام 1909 بين كل من البصرة ممثلة بزعيمها السيد طالب النقيب و الكويت ممثلة بأميرها التاريخي الشيخ مبارك الصباح و المحمرة ( خرمشهر ) ممثلة بشيخها الأسطوري و أميرها الأخير قبل الإحتلال الإيراني الشيخ خزعل الكعبي!! و كان مؤملا لدولة شمال الخليج تلك لو تحققت أن تقلب الموازين الستراتيجية مستقبلا!

ولكن سارت الأمور بشكل مختلف ولاحظوا البعد القومي في تلك التجربة المحاولة وقارنوها مع الواقع البائس لمحاولة الإنفصال الجديدة لتعرفوا الفرق الحقيقي!!، إنفصال البصرة عن محيطها العراقي ليست سوى محاولة بائسة وحرث في رياح الفشل، وهي مجرد موجة متلاشية ضمن تيار تسونامي الفشل العراقي الكبير.

إنها دعوة عبثية في الزمن العراقي الضائع!

داود البصري

[email protected]