تبدو الحكومة المصرية أحيانا ً، وربما دائما ً، وكأنها لاتقرأ غير صحفها المليئة بالمبالغات، ولاتتفرج إلا على تلفزيوناتها المختنقة بأفعال التفضيل ( أكبر دولة، أعظم حضارة، أقوى جيش ) ولا تستمع إلا لإذاعة فاروق شوشة القادم من كهوف التاريخ الرطبة (البرنامج العام من القاهرة ) وquot; صوت العرب quot; حيث أصداء أحمد سعيد!


هذه الحكومة ترفض الإعتراف بتغيـٌّر الزمان وتوالي طوارق الحدَثان، مصرّةً على استمرار زعامتها الورقية للعالم العربي، قاطعة ً الطريق على أية دماء جديدة يمكن أن تـُزرق في الجسم العربي، بعد أن غدا هو ووجوهه العديدة بلا دم أو حياء أو غيرة أو حمية.


أية مشكلة يمكن أن يثير تعدّد مراكز صنع القرار في العالم العربي، بعد أن عجز المصريون وحلفاؤهم في محور المومياءات عن مجرد فتح معبر لإيصال الغذاء والدواء إلى المنكوبين في غزة، وعن مجرد إقناع بقية العرب بجدّيتهم في وقف النزيف الفلسطيني، ووقوفهم على الحياد إزاء النزاعات الفلسطينية الداخلية، وعدم تبنـّيهم لفريق فلسطيني في وجه آخر، أي نفس اللعبة التي مارسوها في العراق ولبنان من قبل؟


لماذا يرفض المصري وحلفاؤه فكرة كون العالم العربي لايختلف كثيراً أو قليلا ً عن العالم الإنكليزي والعالم الأسباني والعالم الفرانكوفوني، التي تتعدّد فيها المراكز والإستقطابات، ويتشابه فيها دور الكبير جغرافيا ً وديمغرافيا ً وحتى عسكريا ً وسياسيا ً مع دور الصغير؟


أليس من الغريب، أن تمتنع أكبر دولة في العالم، أي الولايات المتحدة الأميركية، التي تحتضن أرضها مبنى الأمم المتحدة، عن فرض أمين عام أميركي للمنظمة الدولية، منذ تأسيس هذه المنظمة وحتى اليوم، بينما يفرض المصريون واحدا ً من أبناء جلدتهم على الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، دائما ً وعلى طول الخط، رغم عدم قدرتهم، وفق المعاهدات التي تكبل أيديهم وأرجلهم، على تحشيد مئتي جندي أو شرطي في سيناء quot; المحررة quot;؟


مالذي يفرض على بقية العرب، أن يكون قرارهم بيد جذ ّاء بفعل كامب ديفيد أو مغلولة إلى عنقها بسبب الجوع والفاقة والإنفجار السكاني وسوء التخطيط وهرم الزعامة وخرفها أحيانا ً، فيما يمكن أن تتعدد مصانع القرار بحسب الإمكانيات الحقيقية المتاحة لمراكز عربية أخرى؟


مالمانع من تناوب الحواضر العربية الأخرى على الزعامة الإقليمية والقومية كل حسب قدراته الواقعية، لافرق في ذلك بين سياسية وعسكرية، دينية وإعلامية، تاريخية وجغرافية، حضارية وسكانية إلخ...
إصحي يا مصر!


فقد ولـّى عهد البلاغة والإنشاء والخطب الرنانة، وهاهي الدول التي تستصغرون شأنها وقد قلبت على رؤوسكم الطاولة أو كادت.
فشيئا ً من الإعتراف بالواقع.. مع التقدير لخدماتكم السابقة!

علاء الزيدي
www.elaphblog.com/alzeidi