لاتنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
قالها أبو الاسود الدؤلي قبل مئات السنين ومضت مثلا في الاولين و الآخرين وباتت تلقى بوجه کل من يدعو الآخرين للکف عن أمر ما فيما يأتيه بنفسه.


عندما وضع العسکر السوري اللبنة الاساسية للإنقلابات العسکرية التي مهدت لدخول الجيوش العربية في معترکات و ميادين بعيدة کل البعد عن إختصاصاتها الحقيقية و ساعد ذلك على جعل حفنة من حملة الرتب العسکرية على نصب أنفسها أولياء على شعوبهم سالکين سياسات فاشلة بمختلف المقاييس و في مختلف المجالات لم تنجم إلا عن مزيد من التخلف و مزيد من الفقر و مزيد من الظلم الاجتماعي، هؤلاء الانقلابيين الذين وصلوا على رأس دبابات الى السلطة وسموا حمامات الدماء التي أراقوها في بلدانهم بالثورات في حين أنه لم تکن هنالك ولاحتى ثورة واحدة بالمعنى الحرفي للکلمة في طول البلاد العربية و عرضها، ذلك أن الحديث عن الثورة يقود لذکر ثورات تأريخية مثل الثورة الفرنسية و ثورة أکتوبر الاشتراکية في روسيا واللتين ساهمتا بولادة نظامين سياسيين و مدرستين فکريتين متباينتين کانا لهما دورا مشهودا في التأريخ المعاصر، لکن عندالحديث عن إنقلاب 14 تموز في العراق و إنقلاب الاول من أيلول في ليبيا و السلسلة الطويلة العريضة للإنقلابات العسکرية السورية، مثلا، فإن أي من هذه الانقلابات لم تجلب سوى الويل و الدمار و المآسي على شعوبها وان إنقلاب 14 تموز مثلا في العراق کان عبارة عن بوابة الجحيم التي فتحت على العراقيين و أذاقتهم شتى صنوف المعاناة و والويلات وجعلت من العراق إقطاعية تنقلت من العائلة المالکة العراقية الى عوائل مالکة أخرى وفي الوقت الذي کانت العائلة المالکة العراقية ابان العهد الملکي تتشرف بتسمية نفسها بالعائلة المالکة و لاتخفي شيئا من ذلك، فإن العهود الانقلابية التي تلتها والتي تمخضت أيضا عن سيطرة عوائل(إنقلابية)مالکة محددة على الحکم في العراق، فإن هذه العوائل کانت تتظاهر بکونها جزء من النسيج الشعبي العام وانها لاتختلف عن أبسط المواطنين بشئ، لکن الشعب العراقي المعروف جدا بنباهته و سرعة بديهته في تفهم الامور و(تلقفها وهي طائرة في الهواء)، کان يعرف جيدا أن بيت(السيد رئيس الجمهورية)، هي العائلة المالکة التي في يدها مفاتيح الخير و الشر.


وعندما خرج نفر من الضباط في بعض من البلدان العربية و اسقطوا النظم الملکية فيها فإنهم بشروا بغد مشرق و مجد تليد في إنتظار الشعوب و وعدوا الکادحين و المحرومين بالمزيد من الخبز و الکساء و الخير و العدالة، لکن الايام مضت وإذا بهذا الشعوب تترحم على الانظمة(البائدة) و تلعن اليوم الاسود الذي جعل من هکذا أنظمة من نصيبها، ويوما بعد يوم، و مرحلة بعد أخرى، تتکشف الاقنعة و تبان الوجوه الکالحة لهؤلاء المقامرين بمستقبل و مصير شعوبهم لامن أجل أي شئ سوى من أجل مطامح شخصية ضيقة جدا بل وحتى إنها أضيق من طروحاتهم الفکرية الثورية الفارغة اولا و اخيرا من أي معنى أو محتوى حقيقي سوى الهرطقة الجوفاء الخرقاء الفارغة.


اليوم، ونحن في بدايات الالفية الثالثة من بعد الميلاد، لم يبق من شئ تستر به الانظمة الانقلابية العربية وتخفي عوراتها بل وانها حتى فقدت ورقة التوت ذاتها عندما طفقت تمشي على نفس نهج التوريث الذي کان قانونا و عرفا سائدا في العهود(البائدة)، والانکى أن أشد الانظمة(ثورية)و(صمودا و تصديا)و(منتجة و مصدرة للشعارات) قد فاقت أکثرها تخلفا و جهلا في عالم التعاطي مع الشعارات و(المبادئ الاصيلة) و داست بکعب حذائها على مواد ذلك الدستور(المسکين)الذي أنتجته في مصانعها المتعبقرة و الفواحة دوما بالعطور و الافکار الثورية ومهدت لصعود أصغر رئيس في تأريخ البلاد!


الحديث عن الاعداد لخليفة للرؤساء حسني مبارك و علي عبدالله صالح و معمر القذافي من بين أبنائهم لم يعد بسر خاف أو طلسم مجهول وانما باتت کالشمس في عز النهار، والاغرب من کل ذلك أن أصحاب الجلالات هؤلاء الذين يدعون بأنهم رؤساء أنظمة جمهورية(تقدمية حضارية ثورية ديمقراطية......الخ الخ الخ) مازالوا يصرون و بکل مااوتوا من قوة على أنهم جمهوريين و ديمقراطيين و مااليها من ألفاظ تعرف شعوبهم خواءها من معانيها الحقيقية و الواقعية، لکن النقطة الاهم التي نرغب بطرحها کمجرد إقتراح عملي، هي أنه من الافضل جدا تبديل تعبير(سيادة الرئيس)المستخدمة في هذه الانظمة بتعبير(جلالة الرئيس)، وهکذا أحسن، واقرب للحقيقة و للواقع، أليس کذلك يا أصحاب السيادة؟!