عندما صرح الرئيس جورج بوش للعالم بعد أحداث سبتمبر أيلول 2001، أِما أن تكون معنا أو ضدنا، صفقَ له الكثير على أعتبار أن التصريحات النارية لها شعبية وتجاوباً في عالم يسوده التوتر والفوضى السياسة.


وتوقُ الأنسانِ في كل المجتمعات هو الحصول على معرفة ما تنجزه الدولة له في الميادين الحضارية ويتجاوب مع مسيرة الدولة حسب طرق الأنجاز، غاياتها، أسبابها، وضروراتها للمجتمع. فالحياة السياسية ليست خطابات وتصريحات تُضيف الى التوتر والفوضى والنزاعات الدولية وتأجيج الحروب الأأقليمية وتؤدي الى كوارث وأزمات أقتصادية عالمية، وأنما مسابقات حضارية ومعالجة لأحتياجات الشعوب في ميادين مختلفة.

وكمقدمة، أرى وجوب التذكير بأن دولاً صغيرة تتسابق وتتنافس في عام 2009 على شرف الحصول على أقامة الدورات الرياضية الأولمبية في بلدانها لعام 2016، وتُخصص الموارد المالية لأستضافتها ودعوة الوفود الرسمية وطلائع الشباب الى أرضها لترسيخ مفاهيم وأسس حضارية لشعوبها ولسنوات لاحقة. ولم يصل سمعنا أن أي من الأنظمة السياسية العربية كانت قد أسرعتْ في التصريح والأعلان والخطب عن رغبتها ورغبة شعوبها في تضاهرة المسابقة الحضارية الرياضية لكوننا بكل أسف، أحسن أسوأ الأنظمة التي أفرغتْ مفهوم العلاقات والتفاهم والمحبة والتجاوب الأنساني مع الدول والشعوب.

وليس من السخافة في العلاقات السياسة، التي هي موضوع حديثي، أن تعتمد تصريحات المسؤولين في الدول المتحضرة على عمل المقارنات، أعطاء الدلائل، الأحصائيات والأرقام، الجداول البيانية، الصور الأيضاحية، والخرائط، لغرض الأيضاح الحقيقي لما هو منجز أو في طريقه للأنجاز. وهذا هو الواقع والحقيقة في الحقول الأكاديمية العلمية وألأنسانية الأخرى كقاعدة مستخدمة للتفريق بين البحوث الناجحة ذات القيمة البشرية والبحوث الأعتباطية التي تفقد بريقها لقلة قيمتها.


وفي ميادين السياسية المعقدة، فالصورة ليست واضحة ولانعرف مايدور في عقول البعض عندما تتملك قريحتهم، تصريحات وخطابات نارية، تسري دون علمهم، كأمراض لاعلاج لها وتتحول الى صراع يتيم لتعليلها وتفسيرها. وعلى الأغلب، نستطيع أن نستدل على تقدمنا أو تأخرنا الحضاري بالتمييز بين قرارات الدولة وتنفيذ خططها و تصريحات القادة السياسين الذكية بشأنها، عن غيرها المثيرة للتسائل والتعجب والحيرة. ونظراً لحداثة بعض السياسيين في العمل السياسي وعدم تخصصهم فيه أصلاً، فأنهم ولأسباب عديدة، يقعون في اشكالات فوضى التصريحات الخطابية العديمة القيمة التي يُطلق عليها عبارة (للأستهلاك المحلي ) وعادةً ماتكون لتعزيز مراكز النفوذ. ومن عناصر التمكين لحرفة السياسة التي تُدرّسُ في الجامعات كعلوم سياسية هي معرفة خلفية القائد السياسي: هل هي خلفية دينية أو ناتجة عن حرفة عسكرية أو خدمية، لأن طامة التصريحات السياسية الفطرية (الشخصية) العفوية منها والمقصودة، أنها تسري وتنتشر كلهيب النار الذي يحرق كل مافي طريقه، وتبرز عيوبها مباشرةً في ظاهرة شاذة لتسيب المسؤولية التضامنية في الدولة، كما تضيف أِشكالات مُحرجة وحساسة لسمعتها وللقيادة السياسية المنتخبة المُمَثلة بالمسؤول الأول للسلطة التنفيذية.


والأمثلة على ذلك كثيرة، والأخذ بعينة نقد مبسطة لهذه التصرييحات قد تكون معبرة عن الغرض، مع أنها قد تكون مخجلة في عالم متنصت وواعي يأخذ نصوص التصريح للأشارة الى نظام دولة مُفككة الكيان وتمييزه عن أنظمة متماسكة، كالتصريحات القديمة عن (رمي اليهود في البحر) التي أستغلتها الصهيونية العالمية بذكاء ضد مصر والعرب لتعبئة ترسانة الأسلحة الأسرائيلية وتقديم المساعدات العسكرية والمالية لها الى اليوم.


والمظاهر العامة للتصريحات التي أُعلنت موخراً قد تفي بالغرض لكونها تصريحات تخرج عن أطارها الرسمي المرسوم وتخرج عن أرادة الأدارة السياسية لها وتزيد من عدائية وحنق وتوتر الأخرين داخل وخارج حدود الدولة، ومنها:
* المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية آية الله علي خامنئي صرح في خطاب له مؤخراً بان المناورات والتقدم في المجال العسكري لا تشكل اي quot;تهديدquot; للدول المجاورة.
* تصريحات الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن أستمرار الحرب في صعدة حتى لو أستمرت لعشرات السنين. تصريح يذكرنا بعدم قيمة الأنسان العربي، وكانت تصريحات نارية مشابهة قد صدرتْ من قادة شعوب دون حنكة سياسية(الحرب العراقية ndash; الأيرانية).


* نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي خلال تجمع شعبي في بلدة الزبير بمحافظة البصرة صرحَ quot;ان ايران لا تتعامل بشكل منصف ومسؤول مع العراق، في وقت اشاد المسؤولون العراقيون الأخرون كالطالباني والجعفري واياد السامرائي رئيس مجلس النواب العراقي بالدور الايراني quot;الفاعل والمؤثرquot; وتميز علاقات التعاون بين البلدين.
* مطالبة العراق لسوريا تسليم مجرمي تفجيرات 18 آب أغسطس 2009، التي وصفها الرئيس الأسد بأنها مطالبة غير اخلاقية وتحتاج الى أدلة، ثم يأتي التصريح المناقض الصادر من نائب وزير الخارجية السوري بتاريخ rlm;6rlm;rlm; rlm;تشرين الاول أكتوبر rlm;2009 ليؤكد (ان الشرطة السورية سجنت اكثر من الفي شخص عبروا الحدود مع العراق بطريقة غير مشروعة ).


bull;* وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو صرح مؤخراً في البرلمان التركي quot;ليس أمام تركيا أي بديل غير تنفيذ سياسة شرق أوسطية فعالة في العراقquot; خلال موافقة البرلمان التركي علي تمديد الصلاحيات الممنوحة للحكومة بشن هجمات عسكرية ضد المتمردين الاكراد المختبئين في مناطق شمال العراق المجاورة لمدة سنة أخرى.
* وأخيراً تصريحات الرئيس القذافي ملك ملوك أفريقيا بالحاجة الى أقامة الدولة الفاطمية كبديل للأنظمة السياسية الفاشلة.


التصريحات الرسمية في العمل السياسي وبالأخص التصريحات المتعلقة بالسياسة الخارجية للدولة يجب أن تتسم بأيصال سياسة الحكومة الرسمية في الكلمة الذكية والدبلوماسية الموجهه والمُوحدة الغرض والغاية وليس بتوجيه نداءات عبر قنوات أذاعية لممارسة التهريج اليومي والأعلان عن مشاريع سياسية ضخمة وقرارات نارية لاتُغني ولاتُشبع، وتأخذ رقعاً كبيرة في الصحافة الأقليمية والدولية، دون وجود مساحة لها على أرض الواقع. وهذه هي الفوضى بعينها.


وفي لعبة السياسة غير المسؤولة والتناقض، يسود تنظير العمل السياسي موجة من التصريحات الأنتهازية المُشوشة التي تشذ عن الحس السياسي المتبع، وتقود البعض فطرياً، بالغريزة، بالثأر القومي، بالدافع الديني، بالطموح العسكري، وبطبائع وقيم وعادات محلية، وتؤدي بهم الى التناقض والمغالطة. كما أن أوهام الماضي التليد والنوم على الأمجاد التاريخية هي في جوهرها أماني للنفس يستمتع بها الأفراد بزهو وشغف ويتجاوبون معها، رغم أنها فارغة المضمون ولاتحقق لهم شيئاً. وتحمل بعض هذه التصريحات في طياتها، دون أدنى شك، الروح العدائية ويصعب أنتزاعها أو التنصل عنها بتصريح جديد أو تصحيح لتصريح. ولطالما أضرتْ هذه التصريحات أساساً بمصلحة الوطن العليا وناقضتْ في مضامينها وأساليبها تصريحات القيادة المسؤولة عن السلطة التنفيذية وتشريعات الدولة وسياستها العامة.


والمؤسسة الحكومية السياسية، مع وجود المعارضة وأختلاف وجهات النظر، هي مؤسسة شراكة تدعم ركائز المجتمع والدولة أستراتيجياً وتؤمن مصالحها الوطنية في مهمة الدفاع الداخلي ومبدأ توزيع السلطات الثلاث والتمسك بحدود المسؤوليات التي يحددها الدستور لها. ومؤسسة الشراكة في النظم الديقراطية ولاتقوم على تعمية الجمهور وخداعهم بانجازات خيالية وقرارات قد لا ترى النور.


الطبيعة الفريدة لمحترفي العمل السياسي هي القدرة والقوة الذهنية والنفسية وعقيدتهم الوطنية على حماية الجبهة الداخلية والسعي لأيجاد سبل التعاون المُثمر مع الدول الجارة للحفاظ على مصالح الدولة وكيانها.


أن ذلك لايتحقق بالتصريحات النارية وتبادل الأتهامات وأثارة النعرات العنصرية وتوتير الجبهات التي تُزيد التوتر والتشنج وتسيئ الى الفهم الأقليمي والدولي المُلبد أساساً بغيوم الشك والريبة في منطقتنا العربية، وأنما تُعالج بالثقافة السياسية العامة، وفهم حساسية التصريحات وتأثيرها على موقف الدولة في علاقاتها وأستراتيجيتها مع الدول الأجنبية والحليفة.


هذه هي الأسلحة المُحصِنة للدولة وهي أبعد في اهميتها الأستراتيجية من حمل السلاح الى جبهات القتال.

ضياء الحكيم

[email protected]