من أهم شروط العلاقات الأجتماعية السليمة حضور التعامل المتصف بالرقي الأنساني المتحضر في احترام الفروق الفردية وحق الاختلاف للآخر، فالعلاقات الطبيعية بين البشر يجب ان تقوم على أساس المساواة بعيدا عن أمراض الهيمنة ومحاولات أستنساخ الآخر حسبما نريد ونرغب، وقضية احترام المعتقد الديني تعتبر من أكثر القضايا حساسية في العلاقة بين الناس، على ان يكون هذا المعتقد الذي يستحق الأحترام متطابقا مع شروط العقل وعدالة الله ومساواته بين البشر، وتعتبر عملية التبشير الديني من قبل المسلمين بين صفوف أصحاب الديانات المغايرة لهم، وكذلك تبشير أتباع الديانة المسيحية بين أصحاب الديانات الأخرى.. تعتبر هذه العملية نوع من أنواع غسيل الدماغ للآخر المغاير، وأعتداء صارخ على حق الأنسان في حرية الأعتقاد، فالمبشر المسلم أو المسيحي، أو التبشير داخل الدين الواحد بين الطوائف.. تركز تكتيكاته التبشيرية على مهاجمة الآخر المغاير له بالديانة وتخطئته، ومن ثم ادعاء إحتكار الإيمان والحقيقة والأستحواذ على محبة الله، أما الجحيم فهو من حصة أصحاب الطوائف والديانات المغايرة للمبشر!
تربطني علاقة صداقة مع شخص عراقي كلداني مسيحي مقيم في أمريكا أعتز بها كثيراً، ولما كنت أعيش في حالة قلق وتساؤل مستمر بشأن الديانات وتاريخ نشؤها ومدى مطابقتها للعقل ومع عدالة الله، وعندما شعرت بالاطمئنان من ناحية خلو روح صديقي من نزعة التعصب، فتحت معه حوارا دينيا بخصوص تاريخ نشوء الديانات، تطرقت فيه الى نقاط حساسة لأول مرة سمعها مني.. لقد أقلقه كلامي مما دفعه الى مقاطعتي عدة مرات ودعوتي الى التمسك بالايمان ونوعية الاسلام الذي أحمله وعرفني به، ورغم ان كلامي كان يخص تاريخ الديانات ولايمس إيماني بالله، ولكن صديقي أقلقه هذا الطرح الراديكالي مني، وكرر دعواته بروح الصديق الحريص على أستقرار صديقه النفسي والروحي.
وأنا المسلم كذلك حينما يدور الحديث مع صديقي المسيحي حول ذهابه مع أولاده الى الكنيسة أشجعه كثيرا على أصطحابهم الى الكنيسة من اجل زرع القيم النبيلة وحب الخير في نفوسهم، فالكنيسة بفضل التطور الفكري والاجتماعي الذي حصل للمجتمعات المسيحية.. أرتقت الى مراحل حضارية وعقلانية وانسانية رائعة في نشر المحبة وحث الناس على عمل الخير الفردي والجماعي، فعلى سبيل المثال :المؤسسات المسيحية تقدم خدماتها الى كافة الناس في مختلف بقاع العالم بغض النظر عن نوعية ديانتهم ولاتهدف من وراء تقديم هذه الخدمات الى أي نوع من أنواع التبشير أو محاولة أغراء الأخرين لأعتناق المسيحية.
أحتفظ في البيت الى جانب القرآن بالكتاب المقدس، وادخل الى الكنائس أحيانا، وانظر الى الاسلام والمسيحية واليهودية وغيرها من الديانات على أنها طرق ووسائل تعبيرية عن الإيمان بالله، واني أرى ان مشكلة البشرية على مر التاريخ تكمن في تقدم الوسائل على الغاية، فقد كان ومايزال أكثر المتدينيين يعبدون طوائفهم وديانتهم ورجال الدين، وليس الله، أذ نسوا الغاية من الأيمان وهي التعبير عن المحبة لله والأمتثال للقيم العليا الخيرة التي زرعها الله في العقل والفطرة الانسانية، وسقطوا في فخ إستعباد المسميات الطائفية والدينية لفكرهم وسلوكهم الديني، وغطسوا في مستنقع التعصب والكراهية وادعاء إحتكار الإيمان والحقيقة وتكفير الآخر، والكثيرون يهربون من سؤال أنفسهم : هل من المعقول حصول كل هذه الصراعات والحروب داخل الدين الواحد بين الطوائف، وبين اتباع الديانات المختلفة... أذا كانوا يدركون فعلياً ان غايتهم الحقيقية هي عبادة الله وحده وليس عبادة الطائفة أو الدين أو رجال الدين؟!
لو حدث وولدت في مدينة الموصل في نفس القرية التي ولد فيها صديقي لأصحبت مسيحياً بالوراثة.
ولو ولد صديقي في مدينتي كربلاء لأصبح مسلما شيعيا بالوراثة.
فأذا كنا جميعا ناخذ معتقداتنا الدينية عن طريق الوراثة ولم نخترها بأرادتنا وعقولنا، فلماذا نتعصب ونكره بعضنا البعض بسبب معتقدات أجبرتنا عليها أقدار الوراثة؟!
تنويه :
أعتذر من القراء من الآن فصاعداً سوف لن أقرأ تعليقاتهم على مقالاتي، وأيضا أشير الى أنني لاأكتب مطلقاً أية تعليقات بأسمي.
التعليقات