عندما دعت رئاسة الحكومة العراقية مؤخراً الى تشكيل محكمة دولية للتحقيق في الجرائم الإرهابية الأخيرة التي أقترفت بحق المدنيين العراقيين، طالبت هيئة رئاسة الجمهورية بالتمهل و عدم الإستعجال في أتخاذ المواقف الرسمية دون مشاورة وطنية و مسؤولة بين الأطراف المعنية في مرافق الدولة الأساسية و بدون فسح المجال أمام مناقشة أخوية مع الأشقاء السوريين، و كل ذلك تجنباً لأية أضرار قد تلحق بالعلاقات السورية- العراقية جراء المواقف المتشنجة و الحروب الكلامية و الإنفعالات السياسية من جهة، و من جهة أخرى تفادياً لمشاكل أخرى قد يُتَهم فيها و بسببها العراق بأنه يتبنى أجندات خارجية لضرب مصالح دول أقليمية أو تشويه سمعتها، كما و لعدم فهم أطراف وسيطة لحل الأزمة موقف العراق فهماً خاطئاً يوحي بأن الطرف العراقي لايحترم وساطاتهم لاسيما الوساطة التركية و العربية التي مثلتها الجامعة العربية و على وجه التحديد السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة.


و ربما لايختلف أحد منا على أن هذا الموقف لرئاسة الجمهورية كان موقفاً عقلانياً أعطى صورة للآخرين بأن ثمة رغبة عراقية في إيجاد الحلول المناسبة للأزمات على المستوى الأقليمي و دون أي تصعيد يؤول الى تفاقم الأزمة و بالتالي تبيان حقيقة أخرى مفادها حضور إرادة عراقية حقيقية للحوار الأخوي دون اللجوء مباشرةً و دون سوابق الى طرف دولي ربما لايرغب به الآخر المعني بالأزمة كما هو الحال مع الأشقاء السوريين.


و إذا تعمقنا أكثر في موقف رئاسة الجمهورية من الإعتداءآت الأرهابية التي تعرضت لها البلاد، يتبين لنا أيضاً بأنه موقف مسؤول الى حد كبير، بل أكثر من ذلك، من شأنه أن يعيد الإعتبار أكثر الى مؤسسة هيئة الرئاسة و المراهنة عليها كمؤسسة فاعلة دارسة للمواقف و عواقبها بل متفحصة للأوجه الأمور جوانب المختلفة و حريصة على مصالح العراق العليا، منها الحرص على أقامة أفضل العلاقات الأقليمية و لاسيما مع الدولة جارة سوريا و عدم المساس بسمعة هذا بالبلد أو إتهامه مسبقاً بجرائم قد تكون بحاجة الى تحقيقات مستفيضة و مطولة و براهين مقنعة و موثوقة قبل الحكم على الطرف الجاني، ثم الحرص أيضاً على حياة المواطنين العراقيين من خلال التفكير الواقعي و العلمي لمسببات الجرائم الإرهابية الأخيرة و كشف الأيادي الخبيثة التي تقف وراءها، كما الحرص على وحدة قرار السياسي و الرسمي في الدولة من خلال نقد إنفراد الحكومة بأتخاذ المواقف تجاه هذه التطورات و الأزمات دون العودة الى مؤسسة رئاسة الجمهورية و إعتبارها مرجعاً إستشارياً على الأقل لأي موقف أو قرار يُتَخذ رسمياً و يُعتبَر موقفياً عراقياً موحداً..


و الآن حينما نسمع من أن رئاسة الجمهورية و بدعوة من الرئيس طالباني، تطالب رسمياً الأمم الممتحدة بتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق و للقصاص من المتورطين بتفجيرات الاربعاء الدامي، وطلب ارسال مبعوث اممي خاص للتحقيق في الأمر و التأكد من شأن التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للعراق كما جاءت في لقاء طالباني مع بان كي مون الأمين العام للأم المتحدة، فالموقف يأتي دون أدنى شك بعد فشل المباحثات و الإجتماعات التي جرت بين الوفد العراقي و السوري بالوساطة العربية و التركية و ليس قبل ذلك، أي بعد أن أخفقت المساعي العراقية الحقيقية الرامية الى إيجاد حلول للأزمة، واللافت في الأمر هو أن طالباني لم يطالب بان كي مون بتشكيل لجنة دولية للتحقيق مع دولة ما و إنما طلب التحقيق في الأمر و كشف المتورطين في الجرائم دون ذكر أسم أية دولة معينة، و هذا هو عين الصواب و المنطق السياسي الحكيم الذي ربما لايعارضه أحد بما فيها سوريا نظراً لحق العراق في مطالبة الأمم المتحدة بالتحقيق في مثل هذه الجرائم الخطيرة و البشعة التي سفكت دماء اللآلاف من العراقيين المدنيين الأبرياء.


العبرة هنا في هذا الموقف لهيئة رئاسة الجمهورية و التي نود الإشارة اليها هي عدم توريط العراق في مشاكل أقليمية و دولية هو بغنى عنها، كما أن العراق بحاجة اليوم الى توطيد العلاقات مع كافة دول المنطقة و العالم و ليس تأزيم هذه العلاقات فضلاً عن أهمية إظهار رغبة العراق في حل أزماتها و نزاعاتها عن طريق الحوار و التحقيقات الدولية القانونية التي تعيد الحقوق الى أصحابها بل تحد من تفاقم المشاكل التي لايستطيع العراق لوحده مواجهتها و معالجتها، لاسيما في ظل إنعدام إجماع عراقي حقيقي حتى الآن يكون مصدراً للقوة و الوحدة الوطنية على مستوى الخطاب و الفعل السياسي، خصوصاً إذا ما ساومت مجلس رئاسة الجمهورية على حقها الدستوري في التدخل بالأمور التي أعتاد، للأسف، مجلس الوزراء على أن يبت فيها لوحده بذريعة إعتباره سلطة رئاسة الجمهورية هي سلطة رمزية و تشريفاتية و أن كافة الصلاحات الرسمية محصورة في يده دستورياً.


* رئيس تحرير مجلة ( والابريس ) ndash; كردستان العراق