بعد فسحة الانفتاح الدولي والإقليمي على النظام السوري، بدأت تتردد مقولات جديدة قديمة، ولكن أخطرها على الإطلاق هي مقولة، لماذا المعارضة السورية لا ترى سوى نصف الكأس الفارغ، أليس من باب الأمانة أن ترى أيضا نصف الكأس الملآن؟ أليس من باب الأمانة أن تعترف هذه المعارضة أن هنالك أشياء كثيرة تغيرت في سورية، خلال السنوات الأخيرة؟ طبعا هذا السياق يتردد كمقولة، من بين مقولات أخرى ترافقها، مثل أن المعارضة غير جاهزة، وأن أمريكا وإسرائيل لا تريد إسقاط النظام، ثم الأمر الآخر الذي يتردد هو خوف الطائفة العلوية على نفسها من التغيير الديمقراطي، ألا ترون ما حدث في العراق المحرر أمريكيا من نير الديكتاتورية الصدامية؟ ألا ترى المعارضة السورية، خوف إسرائيل من أي تغيير محتمل في سورية يؤثر على عملية قضم الجولان السوري المحتل بالتقادم المدعوم بميزان قوى عسكري لصالحها لا يحول ولا يزول؟ أليس هنالك شبه إجماع على ما يشكله التغيير من أرضية خصبة لمجيء قوى أصولية متشددة؟ كل هذا يبدو بالنسبة لهؤلاء جميعا أن المعارضة السورية لا تراه!
كل هذه المقولات تجعل بعضنا يركن مرتاح الضمير إلى مقولة نصف الكأس الملآن.

ورؤية التغيرات التي يتحدثون عنها، كما أن بعضنا ارتاح من هذه الأسئلة، وغيرها، وتبنى من جديد تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وجعلها أولوية سورية!!
لهذا حاولنا أن نرى نصف الكأس الملآن:
- الرئيس بشار الأسد رئيسا لسورية مدى الحياة، وكنية الأسد ستبقى ملازمة لأي رئيس قادم ولو بعد قرون من الزمن. هذه يجب أن تتحول إلى بديهة لا تناقش في أذهان الشعب السوري.
- الجيش السوري ثابت الوجهة الطائفية، ومعه أجهزة الأمن. هذه أيضا يجب أن يتعامل معها الشعب السوري، كبديهة من المستحيل التفكير فيها.
- السيد رامي مخلوف، مالك للاقتصاد وللعباد من فوقه بنسبة 10% كما يسمونه أهل السلطة أنفسهم. أيضا هذه بداهة لا تخضع للتساؤل مطلقا.
- لاوجود لمعارضة علنية مقوننة، ولو بحد أدنى.
- لاوجود لحركة نقابية مستقلة عن النظام، ولا تعين قياداتها من قبل أمن النظام.
- غير مسموح وغير مرخص لأي نشاط مدني مهما كان حتى لو كان له علاقة بحماية البيئة.
- الفقر في سورية ونسبه الخطيرةquot; قضية تعود إلى كسل الشعب السوري، وقلة مبادرته وحيلته في تحسين وضعه، لأن الفساد البنيوي للنظام، لا علاقة له أبدا بعملية الإفقار القائمة على قدم وساق. رغم اعتراف العالم كله أن الفساد في سورية يأتي في مقدمة دول العالم.
- إبقاء المادة الثامنة من الدستور متلازمة مع إبقاء المادة الثالثة واللتان تحصران الرئاسة في يد بعثي مسلم حصريا، على موجة الاستفتاء كمرشح وحيد، حيث أن الشعب السوري، والولادات السوريات أمهاتنا جميعا لا يستطعن إنجاب مرشح منافس.
هذه هو نصف الكأس الملآن، أما نصف الكأس الفارغ، فيتمثل بي:
- هامش من الحريات غير مقونن وقابل للسحب الأمني في كل لحظة.
- استثمارات مخلوفية هائلة في دول أوروبا والخليج.
- الكتاب السوريون يحيون ثقافة الأمة عميقا، فلسفيا ويعيدون إطلاق مشروع نهضة الأمة العربية، لأن العنوانين دوما عربية، وخاصة العلمانيون منهم: العناوين إسلامية، لديهم مهام أسمى مما في سورية، وهي تفكيك الإسلام بغض النظر سواء كان جهاديا أصوليا أم سلميا ديمقراطيا. ولا أحد يقترب منهم، أليست هذه حرية فكرية وكتابية؟ ومع ذلك هم لا يطالبون بإلغاء المادة الثالثة من الدستور السوري، التي تنص على أن دين رئيس الدولة هو الإسلام.
- المعتقلون البقية في السجون هم عملاء لأطراف خارجية، ولا يرون نصف الكأس الملآن!
- شعبنا الكردي رغم تخبط نخبه كحال المعارضة السوري كلها، إلا أنه محسوب على نصف الكأس الملآن، لأنه حاز على وعود بتحقيق بعض مطالبه منذ ثمان سنوات.
- أعاد النظام علاقاته بأمريكا وفرنسا والسعودية ماذا تريدون أكثر من ذلك؟

يبدو انها سيرة أبدية لشعب، عليه أن يقبل بكل البديهيات التي رفضها ويرفضها الإنسان المعاصر. ومع ذلك لا بد للمعارضة من أن تراقب دوما نصف الكأس الملآن، لكي لا تقع في العدمية والسلبية المعارضة. مطلب حق لا نعرف بالضبط ما المراد منه.

غسان المفلح