أولى أولويات العمل الشيوعي لا بدّ أن تكون الشطب الكلّي والنهائي لمراجعي الماركسية من مختلف الصنوف والأحجام، سواء من نسيج وحده ووحيد عصره محمد ابراهيم نقد، الأمين العام لما يسمى حتى اليوم بالحزب الشيوعي السوداني الاحتفاظ بالإسم يستهدف الاغتيال الفعلي لتاريخ الحزب وتراث قادته التاريخيين الذي اكتشف تقادم الماركسية وأخطاءها الفاحشة مما أوجب عليه التخلي عنها، إلى بديع زمانه سمير أمين، الأمين العام لمنتدى العالم الثالث في السنغال، مبتدع البديل (Alternative) لثورة ماركس في مراكز الرأسمالية، ولثورة لينين في المركز الرأسمالي (الحلقة) الأضعف، وقد استبدلهما بثورة أمينية نسبة لسمير أمين تقوم في البلدان المتخلفة بقيادة المعدمين الجياع وشذاذ الآفاق على نمط الثورة الإسلامية ودافعها الروحي وليس البروليتاريا كما دعا ماركس أو العمال وفقراء الفلاحين كما دعا لينين، وإلى ثالثهما المستكبر كريم مروه الذي يكتب من قفا الماركسية فيجرّم لينين ويدعو إلى محاكمته كما يجرّم بالتبعية ستالين، وإلى غيرهم ممن في قائمة المراجعين الطويلة التي لا تنتهي.


فليُشطب شتّى المراجعين للماركسية بالجملة دون وخزة ضمير، وحتى قبل النظر في مراجعاتهم وذلك لأنهم جميعاً يراجعون اعتماداً على انهيار مشروع لينين في الإتحاد السوفياتي، يراجعون وهم لا يعرفون لماذا انهار الإتحاد السوفياتي ! هؤلاء المراجعون، وهم يضفون على أنفسهم صفة quot; المفكرين quot; الكبار، يعتمدون في مراجعاتهم على معادلة في غاية السذاجة والغباء تقول أن انهيار الإتحاد السوفياتي ناجم عن خلل في النظرية الماركسية فكما لو أن الماركسية وصفة طبية قام السوفييت بتطبيقها بنداً بنداً. مثل هذه المعادلة الغبية تنطلق أصلاً من بذرة العداء للاشتراكية. هل كان المراجعون سيراجعون لو أن المشروع اللينيني ظل متقدماً في العبور الإشتراكي بذات الوتيرة التي تحققت في عهد ستالين؟ ما من عاقل سيجيب بالإيجاب. إذاً هم جميعاً راجعوا اعتماداً على الإنهيار بمن فيهم سمير أمين الذي بدأ المراجعة في السبعينيات أو ما قبلها وقد بدت علائم الانهيار واضحة على البنية السوفياتية استطاع واحد مثل أنور السادات أن يقرأها فيقفز إلى حضن الإمبريالية الأمريكية رغم احتضارها. وعليه فإن مراجعاتهم لن تحظى بأي اعتمادية قبل أن يعرف أصحابها الأسباب الحقيقية للإنهيار كي تراجع عليك أن تعرف دواعي المراجعة ولماذا تراجع!!


أتحدّى كافة المراجعين في أن يحددوا الأسباب الحقيقية لإنهيار المشروع اللينيني! لا أحد منهم يعرف قطعاً أسباب الإنهيار، فكيف بهم يراجعون !؟ هؤلاء لا يجهلون فقط أسباب انهيار مشروع لينين بل أكثر من ذلك فهم يجهلون تماماً ماهية الإشتراكية!! من يصدق أن أميناً عاماً لحزب شيوعي كبير هو محمد ابراهيم نقد، وأميناً عاماً لمنتدى العالم الثالث ومنظراً مبتدعاً لثورة اشتراكية حسب الطلب هو الدكتور سمير أمين، ووراءهما المستكبر المتحلل من الشيوعية كريم مروه، لا يعرفون ما هي الإشتراكية إلا بمقدار ما يعرفه البعثيون العفالقة !؟ من يصدق ذلك !؟ من لا يصدق عليه أن يأتي منهم بتعريف للإشتراكية، ولن يأتي. أتحداهم أن يعرّفوا الإشتراكية، وهو على الأقل أول شروط الإنتساب للماركسية، خليك عن تطويرها أو تجديدها أو مراجعتها. لن يقول أي منهم قول لينين بأن الإشتراكية إنما هي محو الطبقات بعيداً عن كل المفاهيم البورجوازية المبتذلة الأخرى التي يعلكها المراجعون من مثل مفهوم المساواة أو العدالة الاجتماعية أو حتى الديموقراطية وquot; التعددية! quot;. لن يقولوا لأنهم لو قالوا لفقدوا كل متكآت مراجعاتهم. لو عرفوا أن الإشتراكية إنما هي محو الطبقات لفقدوا كل علّة للمراجعة. لو عرفوا أن الإشتراكية هي المجتمع الطبقي في طور الصراع الأكثر حدة بين الطبقات (العمال والفلاحين والبورجوازية الوضيعة) وحيث تظل الفرصة قائمة لهزيمة الطبقة العاملة والرجوع عن الإشتراكية، وهو ما دأب لينين على التحذير منه، وهي الهزيمة التي تحققت في يونيو من العام 1957 حينما تم طرد جميع البلاشفة من المكتب السياسي للحزب الشيوعي، وأعلنها خروشتشوف رسمياً في العام 59 بالاستغناء عن دكتاتورية البروليتاريا، لو عرفوا كل هذا لما راجعوا، بل لتمسكوا أكثر بالماركسية كما قدمها لينين لعمال العالم، هذا بالطبع إن لم يتبقَ بعد لديهم حنين لتقسيم العمل البورجوازي وميل لخيانة الثورة.


يراجعون انطلاقاً من انهيار المشروع اللينيني في الاشتراكية السوفياتية وهم لا يجهلون أسباب انهياره فقط بل يجهلون تماماً أيضاً تاريخ المشروع ويتجاهلون عن عمد مفاصل أساسية فيه وأهمها..

انتفاضة البلاشفة في أكتوبر 1917 لم تكن ثورة ولم تكن اشتراكية. كانت انتفاضة شعبية يقودها البلاشفة بهدف استكمال الثورة البورجوازية في فبراير 1917 ففي صبيحة الإنتفاضة دعا لينين جيع الأحزاب البورجوازية للاشتراك في حكومته. ليس من شك في أن قرار الأممية الثانية في مؤتمرها العام الاستثنائي في بازل 1912 والذي دعا الاشتراكيين الروس إلى القيام بالثورة البورجوازية في روسيا بالنيابة عن البورجوازية الضعيفة التي لم يكن بمقدورها إنجاز ثورتها، ذلك القرار كان في ذهن لينين.


خيار الثورة الإشتراكية فرض نفسه فقط في يناير 1919 عندما دعا لينين كل الشيوعيين في العالم لتشكيل الأممية الثالثة والشروع بالثورة الاشتراكية العالمية بدءاً من روسيا وفي ذهنه نبوءة ماركس التي تنبأ بها في العام 1982 عندما كتب مقدمة ترجمة البيان الشيوعي إلى اللغة الروسية وقال أن شرارة الثورة الاشتراكية العالمية يمكن أن تنطلق من روسيا القيصرية. في مارس 1918 وإثر توقيع معاهدة الصلح الجائرة مع ألمانيا في برست ليتوفسك انتهزت البورجوازية بمختلف أطيافها ما بدا أنه حالة ضعف لدى البلاشفة وأعلنت حرب إبادة عليهم بمشاركة فعالة من كل قوى الرجعية في الداخل والخارج. استطاع البلاشفة وقد التف حولهم العمال والفلاحون الفقراء أن يسحقوا تماماً كل القوى الطبقية المعادية مع نهاية العام وبذلك فرض خيار الثورة الاشتراكية نفسه بعد أن ألغت البورجوازية نفسُها ثورتها من تاريخ روسيا. بناء على هذه الوقائع التاريخية يترتب على أولئك الذين يأخذون على لينين أنه فجر الثورة الإشتراكية في روسيا المتخلفة أن يغلقوا أفواههم مرة واحدة وإلى الأبد وألاّ تبلغ الوقاحة ببعضهم فيطالب بمحاكمة لينين.


حال انتهاء الحرب الأهلية أرسلت أربع عشرة دولة، وهي جميع الدول الرأسمالية المتقدمة، أرسلت جيوشها إلى داخل الأراضي الروسية لسحق البلاشفة. لم تُهزم جميع هذه الجيوش في العام 1921 قبل تدمير الإقتصاد الروسي بصورة واسعة مما اضطر لينين إلى الأخذ بخطة quot;السياسة الاقتصادية الجديةquot; (NEP) بهدف خلق معادلة أكثر عدلاً في التبادل اليومي بين الإنتاج الزراعي من جهة والإنتاج الصناعي من جهة أخرى بعد أن لم تعد الطبقة العاملة قادرة على شراء غذائها من الفلاحين. سمحت خطة النيب باستيراد رؤوس أموال من الخارج لتقيم صناعات على الطريقة الرأسمالية. وفي خطاب للينين يقدم فيه اقتصاد النيب تأكيد على أن اقتصاد النيب هو اقتصاد رأسمالي بإدارة دولة البروليتاريا وسيستمر لبضع سنوات فقط ريثما تستعيد البروليتاريا السوفياتية أنفاسها وتتطور حتى تتمكن من شن هجوم أكثر فعالية على كل أنماط الإنتاج الرأسمالي في الأراضي السوفياتية. في العام 1926 استعادت البروليتاريا السوفياتية أنفاسها وبدأ الحزب بالتخلي شيئاً فشيئاً عن شروط النيب. لا يمكن دخول برنامج التصنيع الكثيف عام 1928 باشتراطات النيب وروحها الرأسمالية.


في الخطتين الخماسيتين 1928 1933 1938 تضاعف عدد العمال في الاتحاد السوفياتي عشرة أضعاف وهذا ما كان ليتحقق في ظل توزيع اشتراكي للإنتاج إلا بإدارة دولة دكتاتورية البروليتاريا خلافاً لكل التخرصات حول دكتاتورية ستالين الفردية. وذات الشيء يمكن أن يقال عن تحويل الزراعات الفردية إلى الزراعة الجماعية التعاونية. يشارك المراجعون أعداء الشيوعية في الحملة على الثورة الزراعية 1929 1931 التي قام بها الحزب وضرب على جذور الإنتاج الزراعي الفردي القائم على العمال الأجراء، ويؤججون حملة شعواء على السياسة الزراعية للحزب مدعين بانتشار المجاعة آنذاك في أوكرانيا. يتجاهل هؤلاء الأفّاقون حقيقة بلجاء وهي أن أوروبا الغربية كانت في تلك الفترة تأكل خبزها من القمح السوفياتي. هل يمكن للبلاشفة أن يجوّعوا السوفياتيين ليطعموا الإنجليز والهولنديين!؟

في عشية ذكرى ثورة أكتوبر الرابعة والعشرين، أي في مساء السادس ن نوفمبر 1941 حين كانت الجيوش الهتلرية تحيط بموسكو من ثلاث جهات على بعد عشرين كيلومتراً فقط، خطب ستالين في اللجنة المركزية للحزب بالمناسبة وانهى خطابه بالقول.. quot; لقد أرادها هتلر حرب إبادة فليتلقَ إذاً !! quot;. كان ستالين على ثقة تامة بأن مشروع لينين هو أقوى من أن تهزمه جحافل النازية مهما كانت قوتها. الحرب العالمية الثانية كانت أقسى اختبار اجتازه مشروع لينين ليبرهن على صحته وقواه الكامنة غير المحدودة. الدول الاستعمارية الكبرى والولايات المتحدة تكبدت هزائم مشينة أمام دول المحور في أوروبا وشرق آسيا، دول المحور نفسها التي سحقها الجيش الأحمر منفرداً، نقول منفرداً لأننا نعلم تماماً أن مشاركة الجيوش البريطانية والأمريكية في غرب أوروبا والجيش الأميركي في مواجهة اليابان إنما كانت مشاركة رمزية. استسلام اليابان جاء بعد أن تكبدت جيوشها في شرق آسيا هزائم ساحقة أمام الجيش الأحمر وليس بفعل القنبلتين الذريتين اللتين لم تقتلا غير المدنيين.


المأثرة التي حققها الحزب في إعادة بناء ما هدمته الحرب وهو يتجاوز كل المقاييس المعهودة ويساوي أضعاف أضعاف ما تكبدته أوروبا الغربية وبريطانيا بما في ذلك ألمانيا نفسها، إعادته إلى أفضل مما كان قبل الحرب خلال خمس سنوات فقط 1945 1950 لهي مأثرة مدنية لا تقل أهمية عن المأثرة التي حققتها الحربية السوفياتية بتصفية النازية والفاشية من القارة الأوروبية. لنا أن نعرف لماذا يتجاهل الإعلام الغربي دور الاتحاد السوفياتي في الحرب ويدّعي بدور مهم لبريطانيا وللولايات المتحدة وهما لم يحاربا قط قبل إنزال النورماندي في 6 يونيو 1944 بعد أن بدت نتيجة الحرب الحاسمة في الأفق القريب بكل جلاء ووضوح، ولم تشارك في الحرب إلا لتأخذ نصيباً من الغنائم، كما أشار الرفيق ستالين في محادثات بوتسدام في يوليو 1945، كما لنا أن نفهم تجاهل مأثرة إعادة البناء السوفياتية في حين طوابير الجوع ظلت منتشرة في أوروبا الغربية وبريطانيا حتى في الخمسينيات بالرغم من المساعدات الأميركية الهائلة التي صُبّت عليها بموجب مشروع مارشال، لنا أن نفهم كل ذلك لكننا لا نفهم بحال من الأحوال تجاهل المراجعين لكل هذه الحقائق المفصلية. المراجعون وهم ماركسيون وشيوعيون، كما يعلنون، يتجاهلون مآثر تاريخية كبرى حققها الحزب الشيوعي السوفياتي بقيادة ستالين !! ليس من تفسير لذلك سوى أن الإقرار بهذه الحقائق التاريخية من شأنه أن يحول دون امتلاك أدنى حجة للمراجعة. إنها برهان مفحم على صحة الماركسية اللينينية التي ظلت تنير الطريق لقائد الثورة الاشتراكية العالمية الرفيق اللينيني الفذ جوزيف ستالين.


ندعو إلى الشطب الكلّي والنهائي لسائر المراجعين من شتى الصنوف والأحجام ودونما تردد وبغير وخزة ضمير ليس اعتماداً على كل المعايير السابقة أو أي منها على أهميته المطلقة والحاسمة في هذا الشأن بل على التجاهل المشبوه بل المحيّر من لدن شتى صنوف المراجعين والمجددين للماركسية، تجاهلهم التام والمطبق للردة التي ارتدها خروشتشوف بالنيابة عن الطبقة الوسطى، عن العسكر والفلاحين، على الماركسية اللينينية طيلة قيادته للحزب الشيوعي السوفياتي 1954 1964. في خطابه السري الشهير غير المجاز من قبل المكتب السياسي للحزب، كما هي الأصول، الذي ألقاه في الجلسة الإضافية غير المقررة في المؤتمر العشرين للحزب 1956 هاجم خروشتشوف ستالين بعنف غير متوقع واتهمه بإدارة الدولة بواسطة البوليس السري وبدكتاتورية فردية مطلقة وهو ما يعني بالضرورة أن الدولة السوفياتية لم تكن دولة دكتاتورية البروليتاريا وأن النظام السوفياتي تبعاً لذلك لم يكن نظاماً اشتراكياً. لم يتأخر خروشتشوف بعدئذٍ في إلغاء دكتاتورية البروليتاريا وبقرار رسمي من الهيئة العامة للحزب. ما تعلمناه من ماركس وإنجلز ثم لينين وستالين أن دكتاتورية البروليتاريا هي الإشتراكية ؛ فإذا كانت الاشتراكية هي محو الطبقات كما اعتاد لينين أن يكرر فمن يستطيع أن يمحو الطبقات غير دكتاتورية البروليتناريا؟؟ كل السياسات التي انتهجها خروشتشوف وخلفاؤه 1954 1991 كانت مغايرة تماماً للمبادئ اللينينية التي انتهجتها الدولة السوفياتية بقيادة ستالين 1917 1954. خلال 37 عاماً أقام لينين وخليفته ستالين النظام الإشتراكي الذي عرفناه في الإتحاد السوفياتي، وخلال 37 عاماً هدم خروشتشوف وخلفاؤه النظام الإشتلراكي كما شهدنا 1954 1991. لا يمكن أن يجهل المراجعون وأدعياء التجديد كل هذا وهو ما يجعلنا واثقين من أن هؤلاء القوم ليسوا أقل عداءً للإشتراكية من الرأسماليين، وما دعاواهم للمراجعة إلا للتخريب، تخريب مسيرة البروليتاريا الثورية في محو الطبقات.

فـؤاد النمـري

www.geocities.com/fuadnimri01