من الواضح إن معركة كسر العظم بين حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي و النظام السوري قد وصلت لمرحلة جديدة و لمنعطف حاسم، كما دخلت كل الجهود الإقليمية و العربية لإذابة الجليد بين الطرفين في عمق فوهة نفق مظلم لا إمكانية فيه لأية إضاءة من نوع ما، خصوصا بعد فشل لقاء إستانبول الأخير وهو فشل مركب تداخلت فيه عوامل و مستجدات و عناصر إستمرارية جديدة للأزمة و بما يهدد بتصاعدها و تحولها لحرب إستنزاف حقيقية بين النظامين!

لا نقول ذلك على سبيل المزاح أو التهويل الإعلامي؟ من خلال وقائع محددة فثمة معلومات متسربة من أوساط النظام السوري تشير إلى تلقي نظام دمشق معلومات ووثائق و تفاصيل إستخبارية حول نشاط إستخباري عراقي مضاد قيل أن المستشار السابق للأمن القومي العراقي موفق الربيعي خلفه وهو نشاط يتعلق بوجود خلايا إستخبارية عراقية مرتبطة بالمخابرات المركزية الأمريكية تمارس نشاطها في دمشق؟ و تشير تلك المعلومات أيضا إلى تسلم دمشق قوائم بأسماء عدد من العراقيين الحاملين للجنسية الأمريكية الذين يشاركون في ذلك النشاط و قد تلقى الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا ملف أمني كامل من أحد القوى السياسية العراقية قبيل رحلته الأخيرة لتركيا!

ومن الملاحظ أن غالبية القوى السياسية العراقية سواءا في السلطة أو المعارضة تقف بالضد من رغبة رئيس الوزراء العراقي بالتصعيد و اللجوء للتدخل الأممي أو إعتماد خيار المحكمة الدولية الذي يبدو أنه الخيار المفضل للسيد نوري المالكي الذي بات يرفع سيف دون كيشوت و يلوح به وحده بعد أن تخلى أقرب حلفائه عنه و خصوصا أهل الإئتلاف المجلسي الذين يرتبطون بعلاقات وثيقة للغاية مع نظام دمشق ليسوا على إستعداد أبدا للتفريط بها بل أنهم إستغلوا ما حصل من أجل تصفية حساباتهم الإنتخابية و السلطوية مع المالكي الذي يخوض اليوم حربا شرسة على مختلف الجبهات يبدو من ملامحها العامة أنها حرب إرادة وطنية و إقليمية لا تسير حسبما تشتهي الأهواء المالكية فالنظام السوري ليس على إستعداد للتراجع أو إبداء المرونة إزاء المطالب المالكية بتسلم البعثيين و المطلوبين، وهذا النظام لجأ أيضا للهجوم المعاكس المضاد من خلال المعلومات التي وصلته عن نشاط إستخباري عراقي في سوريا أو من خلال توثيق التعامل مع الأحزاب العراقية الموجودة في السلطة كجماعة المجلس الأعلى أو التيار الصدري أو أحزاب التوافق و الوفاق و بقية التشكيلات التي لنظام دمشق معها صولات و جولات و علاقات تخادم خاصة حان أوان تفعيلها بوجه السيد نوري المالكي الذي يتعرض اليوم لأكبر تحدي سياسي في حياته بعد أن قطع كل الجسور مع النظام السوري، وهي قطيعة لن يغفر ذلك النظام خطيئتها للمالكي و الذي كان مجرد لاجيء في الشام لا يلفت الأنظار و لا الإنتباه في ظل زحمة الوجوه القيادية السابقة للمعارضة العراقية السابقة!

و في ظل حالة الخذلان الواضحة التي يعانيها المالكي و التي جاءت متوافقة مع الحملة الإنتخابية الشرسة لإنتخابات أوائل العام القادم البرلمانية الفاصلة فإن فرصة النظام السوري في الهجوم هي أكبر من واسعة و متاحة و تمتلك عناصر قوتها و دفعها المستندة أساسا لحالة الشقاق و النفاق العراقية المتأصلة تاريخيا و المتجذرة حتى النخاع في النسيج العراقي العام، المالكي يقاتل وحده و ظهره مكشوف أمام كل الهجمات و برغم كثرة تصريحاته و ندواته و توضيحاته إلا أن ذلك لا يغنيه شيئا و لا يضيف لعناصر سلطته أي قوة مضافة، فقد تورط الرجل ورطة حقيقية في أوحال الشقاق العراقي، وجميع الفرقاء بمن فيهم الحلفاء الطائفيون يحاولون اليوم حصار المالكي و عزله تمهيدا لإسقاطه و إبعاده عن رئاسة الوزراء خلال الدورة الإنتخابية القادمة و خصوصا السيد عادل عبد المهدي نائب الرئيس العراقي الحالي و المنافس القديم على المنصب.

التحالف الكردي بدوره لن يحزن لرحيل المالكي بل على العكس ستتهلل أساريره، فموقف الرئيس جلال طالباني في رفضه للتصعيد مع دمشق كان هو الأساس في الحملة السورية المضادة، ولا نتردد عن القول بإن إسقاط نوري المالكي قد أضحى اليوم واحد من أهم ملفات السياسة السورية تجاه العراق و المهمة المقدسة لنظام دمشق الإستخباري، خصوصا و إن ذلك السعي يتجاوب مع الطامحين بخلافته، فهل سينجح المالكي في جهوده لردع الإرهاب القادم من دمشق؟ أم أنه سيغرق في خلاقات المستنقع العراقي و التي منه ينطلق نظام دمشق في تصفية حساباته مع خصومه؟ الجواب معروف و سترسمه أحداث الأيام القادمة!!.

[email protected]