بشير أتالاي، وزير الداخلية التركي، المكلف بمتابعة ملف quot;القضية الكرديةquot;، نشر مشروع حزب العدالة والتنمية فيما يخص quot; الإنفتاح الديمقراطيquot; في مؤتمر صحفي عٌقد في العاصمة التركية أنقرة نهاية شهر آب الماضي. أتالاي تلى ملخصاً عن تحركاته واتصالاته خلال الفترة الماضية، واعداً بمزيد من الخطوات quot;الإنفتاحيةquot; في البلاد. لكن وزير

الجزء الثاني

الداخلية، وهو يتحدث عن الإصلاحات في القضية الكردية، لم يشر لامن قريب ولامن بعيد في كل كلامه، إلى هذه القضية، ولم يسم الكرد بالإسم ولو لمرة واحدة. كل ما قاله أتالاي كان تعويماً ضبابياً لم يخرج عن كيليشه quot; الإنفتاح الديمقراطيquot; وتحقيق مزيد من quot;الإصلاحاتquot;. ورداً على سؤال لأحد الصحفيين فيما يخص إشراك حزب العمال الكردستاني في مراحل الحل والحوار معه، قال أتالاي بأن الحكومة تهدف للقضاء على حزب العمال الكردستاني، وإن هذا الأخير لن يلقي من حزب العدالة والتنمية إلا الحرب ومزيداً من العمليات العسكرية. وبهذا القول الساطع المبين، تكون حقيقة مشروع الحزب الحاكم في quot; حل القضية الكرديةquot; قد ظهرت جليّة، وبات واضحاً إن هذا المشروع يقوم على توسيع الحرب والمزيد من الرهان على سياسة الحسم العسكري.

حزب العدالة والتنمية أطلق عنواناً على مشروعه فيquot; حل القضية الكرديةquot; فكان في البداية quot; الإنفتاح الكرديquot; ومن ثم، وبعد إلتئام مجلس الأمن القومي التركي( MGK)، وصدور إعتراضات من الجيش، تحول هذا quot;المشروعquot; إلى quot; الإنفتاح الديمقراطيquot; فقط.

الجنرال إلكر باشبوغ رئيس هيئة أركان الجيش التركي أشار إلى quot; الخطوط الحمراءquot; للجيش، رافضاً بشكل قاطع التحاور مع حزب العمال الكردستاني وإحداث تغييرات في الدستور تعترف بالقومية الكردية في البلاد، داعياً الحكومة إلى عدم جعل اللغة الكردية لغة رسمية، بل quot;رفع بعض العقبات أمام الأفراد الراغبين في تعليمهاquot;. كما رفض باشبوغ التفاوض مع الزعيم الكردي الأسير عبدالله أوجلان أو قبوله quot;ممثلاً عن الجانب الكرديquot;. جعبة رئيس الأركان لاتحمل سوى الحرب والعمليات العسكرية إذن. ماقاله باشبوغ لايخرج عن الخطوط الرئيسية للسياسة التي رسمها بعد إندحار قواته في معارك (زاب) أمام المقاتلين الكرد في شباط 2008. باشبوغ وبعد تلك الهزيمة دعى الحكومة إلى محاربة حزب العمال الكردستاني ثقافياً وإقتصادياً وإجتماعياً، موضحاً بان quot; الوسائل العسكرية لن تنجح وحدها في النيل من الإرهابquot;. وحزب العدالة والتنمية، ومنذ إفتتاحه محطة ( TRT 6) الناطقة باللغة الكردية وإستدراجه لبعض المثقفين/المرتزقة الكرد للعمل فيها، إنما يسيرعلى نهج الجيش ونهج قائده إلكر باشبوغ. هناك الآن خطط عن إعادة الأسماء الكردية للقرى والمدن في كردستان، وفتح بعض الأقسام التي تدرّس اللغة الكردية في الجامعات التركية، وغير ذلك من الخطوات التجميلية، أما quot;الإعتراف الدستوري بالكرد والحوار مع حزب العمال الكردستاني واطلاق سراح أوجلانquot; فلن يحصل أبداً.

وزير الداخلية التركي، وخلال الكشف عن خطة الحكومة في quot; الإنفتاح الديمقراطيquot;، أشار إلى الآلام والمآسي التي مرت بتركيا طيلة 25 عاماً الماضية، ووعد بوضع نهاية لكل هذه الآلام. والوزير التركي يقصد بكلامه عن quot;فترة الآلام والمآسيquot; كفاح حزب العمال الكردستاتي والحرب التي أعلنها من أجل الدفاع عن هوية وحقوق الشعب الكردي في اقليم كردستان الشمالية. فالقضية الكردية كانت ميتة وجاء حزب العمال الكردستاني وأحياها، واعلن عن تعبئة عامة وقفت إزائها الدولة التركية، وكل مؤسساتها وعلاقاتها الدولية المتشعبة، عاجزة تماماً. ولم يفلح الجيش التركي مع كل حملات الحرب الكبيرة في قمع ثورة الكردستاني الشعبية. إذن فالقضية لاتٌحل إلا بالحوار بين طرفي المشكلة. بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني. وأي كلام آخر هو لغو لاطائل من وراءه. وأية محاولة أخرى لحزب العدالة والتنمية في quot;إستحضارquot; أكراد آخرين وتسويقهم كممثلين عن الشعب الكردي، لن تنجح. الشعب الكردي إنتخب حزب المجتمع الديمقراطي( الذي يوصف بانه الجناح السياسي للعمال الكردستاني) في الإنتخابات البلدية الأخيرة، حيث حصل هذا الحزب على أغلبية الأصوات في ولايات كردستان الشمالية، لذا فهو الممثل الرسمي للكرد في أي حوار قادم مع الدولة التركية ومؤسساتها فيما يخص حل القضية الكردية.

حزب العمال الكردستاني ندد بمشروع العدالة والتنمية الجديد واعتبره معادياً للكرد ولحركتهم التحررية. وقد أعلن الحزب عن تمديد العمل بفترة وقف اطلاق النار الى نهاية شهر رمضان، بعد ان كان قد أعلن عنها أول مرة في منتصف شهر نيسان الماضي. كما طالب الحزب الدولة التركية برفع يدها عن مشروع quot; خارطة الطريقquot; الذي وضعه أوجلان وسلمه لسلطات جزيرة إيمرالي في 20/08/2009، وهو مشروع يحمل آراء ورؤى أوجلان في حل القضية الكردية.

قوات الجيش التركي ماتزال تشن العمليات العسكرية الضخمة ضد قوات حماية الشعب( الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني) والأيام القليلة الماضية شهدت مواجهات بين الجانبين أسفرت عن مقتل 9 جنود أتراك وإستشهاد 6 مقاتلين كرد. من جهة أخرى استأنفت قوات الشرطة والإستخبارات التركية عملية إعتقال كوادر وقيادي حزب المجتمع الديمقراطي، فقد شهد الإسبوع الماضي حملة أمنية كبيرة طالت 10 قياديين من المجتمع الديمقراطي( بينهم دمير جليك، رئيس حزب السلام والديمقراطية، وهو الحزب البديل الذي أسسه الساسة الكرد، تحسباً لقرار من المحكمة التركية العليا بحظر حزب المجتمع الديمقراطي)، كما طالت الحملة نشطاء ميدانيين في منظمات المرأة والشباب التي تقول السلطات التركية بأن لها علاقات تنظيمية مع حزب العمال الكردستاني.

مشروع حزب العدالة والتنمية يهدف إلى تصعيد الحرب ضد حزب العمال الكردستاني وفتح quot;آفاقquot; جديدة في هذه الحرب. وقد توقع دوران كالكان، القيادي في الكردستاني، أن تشن قوات الجيش التركي حملة عسكرية كبيرة تطال أراضي اقليم كردستان العراق، من أجل ترضية الجيش وكل من حزبي الحركة القومية والشعب الجمهوري المعارضين لأي خطوة إيجابية تجاه الكرد في البلاد. أما الحكومة فقد صعّدت هي الأخيرة من لهجتها وراحت تزايد على الجميع، حيث باتت تطالب الآن برأس حزب العمال الكردستاني ومقاتليه( كما طالبت قبلها جميع الحكومات السابقة وفشلت)، وهي ترفض رفع يدها عن مشروع quot; خارطة الطريقquot; الذي تقدم به أوجلان من أجل الحل الديمقراطي العادل، وتعهد بالإنسحاب من المشهد السياسي، في حال اهمال الحكومة للمشروع ولمبادرة وقف اطلاق النار الكردية الأخيرة. اوجلان قال بانه سوف يترك زمام المبادرة لقادة الحزب في الخارج ليقرروا مايرونه مناسباً. وكان الزعيم الكردي قد أشار الى بعض النقاط التي ضمّنها في مشروع quot; خارطة الطريقquot; وقال بان أي خطة حل يجب أن تكون شاملة quot;تعترف بكردستان وتركيا وطنين مشتركين للشعبين الكردي والتركيquot;. كما طالب أوجلان بتشكيل quot;قوات دفاع كردية في مناطق وولايات شمالي كردستانquot; وquot;اقرار صيغة حكم ذاتي موسعquot;، فضلاً عن quot;إعتراف الدستور التركي صراحة ودون مواربة بالهوية القومية الكرديةquot;.

القضية الكردية سترجع إلى المربع الأول مع خطة الحرب الخاصة التي يعتكف على إعدادها حزب العدالة والتنمية حالياً. حزب العمال الكردستاني لن يتخلى عن حقوق الشعب الكردي ولن يستسلم كما تطالب الدولة التركية. هو لم يستسلم في اشد مراحل الحرب، فكيف يستسلم في السلام؟. والتطورات الإقليمية تتجه في صالح الكردستاني الان. الولايات المتحدة الأميركية إنسحبت من المدن الكبرى في العراق، وهي تخطط لجدولة الإنسحاب الكلي الآن مما يخلق فراغاً في السلطة في بغداد سيستفيد منه الكل ومن بينهم العمال الكردستاني، وأكراد العراق يرفضون التحرك العسكري ضد قوات الكردستاني، وقد تجلى ذلك واضحاً في اللقاءات الأخيرة التي اجراها قادة حزب المجتمع الديمقراطي في اقليم كردستان مع كل من الزعيمين الكرديين مسعود البارزاني وجلال الطالباني. الأرجح أن الحرب والمواجهات ستستمر في ظل عزم الحكومة والجيش على النيل من حزب العمال الكردستاني وإضعاف حزب المجتمع الديمقراطي. والخطة التركية تقوم الآن على تقديم نماذج كردية مشبوهة وبعض القوى السياسية المجهرية لكي تعمل على تسويق خطاب الحزب الحاكم وسط أبناء الشعب الكردي. لكن المشهد السياسي في تركيا يقول شيئاً آخراً وملفتاً: هناك علاقة طرديّة بين سياسة العزل التركية حيال اوجلان، وشن المزيد من العمليات العسكرية ضد المقاتلين الكرد، وإطلاق حملات الإعتقال والترهيب ضد كوادر وقيادي حزب المجتمع الديمقراطي، وبين توجه مئات الشبان الكرد لقواعد الكردستاني والتطوع بين تشكيلاته العسكرية، وإرتفاع شعبيه حزب المجتمع الديمقراطي، وتضعضع ثقة المواطن الكردي البسيط بحزب العدالة والتنمية وبنوايا قادته، رجب طيب أردوغان وعبدالله غول!!.

طارق حمو
[email protected]