كتب إلي أحد القرّاء المحترمين يقول بالنص.. quot; أما ادعاءك بانهيار النظام الراسمالي العالمي فهو ادعاء خطير يتناقض مع الماركسية اللينينية التي تتبناها وله انعكاسات نظرية و سياسية خطيرة على فكر و ممارسة كل من قد يقول به، افرادا و مجموعات، تجلى بعضه من خلال مواقفك انت من الحرب الامبريالية على العراق ومن العدوان الاسرئيلي الاخير على لبنان وموقفك من حزب الله ودوره في تلك المواجهة مع اسرائيل هذا على سبيل الذكر لا الحصر. وهي مواقف مخزية لا تليق بماركسي لينيني حقيقي، الا اذا خان او فقد عقله quot;


مثل هذا الرأي الفج فيما أكتب يتبناه كثيرون ممن لهم علاقة بالسياسة بل إن بعضهم يوافق على أن النظام الرأسمالي العالمي قد انهار فعلاً لكنه بذات الوقت لا يتردد في أن يشجب موقفي quot; الخياني quot; من quot; الإمبريالية quot; الأمريكية وحربها على العراق وعلى حزب الله. هؤلاء القوم لا يدركون بأنهم باتوا مؤدلجين سياسياً حتى غدوا فقراء في العلوم السياسية بعد أن فصلوا السياسة عن التطور الاقتصادي والاجتماعي. وأسأل قارئي المحترم أعلاه عمن فقد عقله، أهو من يقول بانهيار النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي ويقدم أدلته على ذلك أم أولئك الذين لا يميزون بين السياسة الأمريكية عندما كان الدولار الأميركي يساوي غراماً واحداً من الذهب وسياستها اليوم وقد غدا غرام الذهب يساوي 30 دولاراً أميركياً!؟ حتى وإن كان هذا الفرق نابعاً من قرار سياسي وليس من علّة اقتصادية فهو فرق بين سياستين مختلفتين لا يميز بينهما المؤدلجون سياسياً. ظل هؤلاء المؤدلجون أسرى أطر سياسية ثابتة طيلة إنشغالهم السياسي لعشرات السنين (1945 1975) حتى غدا تحصيلهم السياسي منبتاً تماماً عن الأوضاع الإقتصادية ووسائل الإنتاج رغم أن معظمهم يعلم جيداً أن الدرس الماركسي الأول يقول أن السياسة، والتي هي أدب الصراع الطبقي، إنما هي وليدة وسائل الإنتاج ؛ تتغير وسائل إنتاج المجتمع فتتغير سياساته النافذة بحكم الضرورة، ضرورة التطابق.


يستهجن قارئي المحترم قولي بانهيار النظام الرأسمالي رغم أنه يعلم تماماً أن تفكيك النظام الرأسمالي العالمي كان الهدف الأول لمشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية (الأممية الثالثة 1919) وكل من مشروعي مار كس (الأممية الأولى 1864) وإنجلز (الأممية الثانية 1889). وهل قال ماركس أو إنجلز أو لينين بأبدية النظام الرأسمالي، وأنه نهاية التاريخ كما يقول فوكوياما، حتى يتجرأ صاحبنا على القول بأن القول بانهيار النظام الرأسمالي مخالف للماركسية اللينينية!؟ عجيب أمر هؤلاء القوم!! هؤلاء المؤدلجون سيساسياً والذين لم يعد لهم أدنى علاقة بعلوم الإقتصاد السياسي، ناهيك عن الماركسية ؛ يفوتهم أن عالم اليوم بكل أشكال الحياة فيه وبمختلف شروطها، بما فيها العلاقات الدولية وعلاقات الإنتاج، إنما هو النتيجة غير المتوقعة وغير المحسوبة لمشروع لينين. صحيح أن المشروع انهار بحكم الصراع الطبقي داخله قبل أن ينقل البشرية إلى العبور الإشتراكي لكن هذا لا يعني أن سائر الحقائق الماثلة اليوم على الأرض ليست من تداعيات المشروع اللينيني الإشتراكي وتطوره إلى ما وصل إليه بقيادة اللينيني الأول والبولشفي الفذّ جوزيف ستالين، كما لا يعني أن شرط انهيار النظام الرأسمالي هو عدم انتكاس العبور الإشتراكي. الهدف الأول الذي طرحه لينين لمشروعه التاريخي كان تفكيك النظام الرأسمالي في العالم وقد تحقق ذلك قبل ما يزيد على ثلاثة عقود. قادة الدول الرأسمالية سابقاً أدركوا ذلك لكن شيوعيينا و quot;يسارييناquot; المؤدلجين سياسياً اللاماركسيين لا يعترفون بهذه الحقيقة البلجاء. بل إن كبار المنظرين البورجوازيين من مثل مدير كلية الاقتصاد في لندن ومنظر حزب العمال البريطاني أنطوني جيدنز (Antony Geddins) طالبوا ببناء نظام سياسي اجتماعي يتجاوب مع نمط الإنتاج الفردي (Individual Production)، النمط اللارأسمالي السائد اليوم في كافة البلدان المتقدمة، نظام ميزوه عن النظامين الاشتراكي والرأسمالي ووصفوه بالطريق الثالث (Third Way) أي لا رأسمالي ولا إشتراكي. قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي بل كلنتون الثانية بأسابيع قليلة في العام 1999 إجتمع في لندن وراء أبواب مغلقة ليومين متتاليين كل من الرئيس الأميركي، بل كلنتون، ورئيس مجلس الوزراء البريطاني أنطوني بلير، ورئيس مجلس الوزراء الفرنسي، ليونيل جوسبان، والمستشار الألماني غيرهارد شرودر، وخرج كلنتون بعد يومين ليؤكد للصحفيين الذين أثارت فضولهم السرية المطبقة للإجتماع بأن المجتمعين استمروا طيلة يومين يبحثون عما يمكن أن يشكل أساساً يقوم عليه نظام (الطريق الثالث) لكنهم لم يجدوا شيئاً.


قادة كبرى الدول الرأسمالية سابقاً يؤكدون أن النظام القائم في بلادهم لم يعد نظاماً رأسمالياً إلا أن الشيوعيين المفلسين اللاماركسيين تحديداً لا يوافقونهم على هذا!! ويأتي أحد هؤلاء ليقول لي أنني خائن أو فاقد لعقلي لأنني وافقتهم على ما قالوا بل كنت قد سبقتهم بالقول في كتابي quot; أزمة الإشتراكية وانهيار الرأسمالية quot; الصادر في العام 1992. التحقق من حقيقة انهيار النظام الرأسمالي لا يحتاج إلى فطنة خاصة أو ذكاء كبير. النظام الرأسمالي وفقاً للتشريح الماركسي إنما هو إتجار بقوى العمل البشرية عن طريق تحويلها بعد شرائها بوساطة أدوات خاصة إلى ثروة بشكل سلع تستبدل في السوق ؛ وعليه فإن معيار تقدم أو تخلف نظام الإنتاج الرأسمالي هو مقدار كمية العمل البشري أو أعداد العمال المشتغلين فيه. المعلومات المتوفرة اليوم تقول أن أعداد العمال العاملين في الإنتاج الرأسمالي انخفضت خلال الربع الأخير من القرن العشرين بنسبة 30% في بريطانيا، وبنسبة تقارب 40% في الولايات المتحدة الأميركية. رب من يقول أن انخفاض أعداد العمال لا يعني مباشرة انخفاضاً في الإنتاج الرأسمالي وذلك نظراً إلى تطور أدوات الإنتاج ؛ لعل هذا القول صحيح تماماً لكن الصحيح أيضاً بل وما هو أكثر صحة منه هو أن التراكم الرأسمالي يتأتى من قوى العمل المستخدمة وليس من كمية الإنتاج، كما أن الإنتاج الرأسمالي لم يعد يسد احتياجات شعوب البلدان الموسومة بالرأسمالية فتضطر حكوماتها إلى الاستدانة كي تفي باحتياجات شعوبها، وهو ما يعني مباشرة أن نظام الإنتاج السائد في هذه البلدان لم يعد هو النظام الرأسمالي المنتج للثروة. كيف للدولة الموصوفة بأنها حصن الرأسمالية الإمبريالية، الولايات المتحدة الأميركية، تضطر لأن تستدين يومياً حوالي ثلاثة مليارات دولاراً من العالم لتفي باحتياجات شعبها المعاشية، هذا عداك عما تسرقه عن طريق الدولارات المزيفة وهو أضعاف ما تستدين !؟ كيف لأكبر دولة رأسمالية إمبريالية تعجز حتى عن كفالة عملتها الوطنية، والتي هي أهم عنصر من عناصر السيادة !؟ لو أن زمر ممتهني السياسة المفلسين استطاعوا الإجابة على هذه الأسئلة المفصلية الكبيرة لبرهنوا أنهم ما زالوا الأبناء الأوفياء لطبقاتهم، أما إن لم يستطيعوا، ولن يستطيعوا، فلن يكونوا إلا الممتهنين المفلسين للسياسة وعليهم إذّاك أن يقرّوا بأن الدول الرأسمالية الإمبريالية سابقاً لم تعد لا رأسمالية ولا إمبريالية حالياً. لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال بأن هذه الدول والولايات المتحدة بشكل خاص لم تعد تنهب الشعوب ؛ لقد تفاقم نهبها لكن ليس من خلال العلاقة الإمبريالية بين الدولة المحيط والدولة المركز، ليس من خلال الإنتاج الرأسمالي كما كان عليه الحال في السابق. على مختلف زمر المفلسين سياسياً أن تعترف والحالة هذه بأن مثل هذه العلاقة الجديدة لا تقبل بحال من الأحوال خطابها القديم الطافح بعبارات التحرر من الإمبريالية والاستقلال الوطني والرأسمالية الغربية. مثل هذه العبارات جرى عليها التقادم ولم تعد تعني شيئاً ؛ لقد فقدت مدلولاتها منذ عشرات السنين.


أما بالنسبة إلى موقفي من الحرب الأميركية على العراق في العام 2003، ومن الحرب الإسرائيلية على حزب الله المسنودة من قبل أمريكا في العام 2006 فالحقائق الثابتة لا تسمح بحال من الأحوال بالوقوف إلى جانب صدام حسين أولاً أو حزب الله من بعد. وفيما يلي تفصيل لبعض هذه الحقائق المفصلية..

الحرب على العراق

في مناقشات مجلس الأمن حول احتلال العراق للكويت غير المبرر في العام 90 إقترح السوفييت مسودة مشروع يقضي بانسحاب العراق من الكويت مقابل إعلان الكويت جمهورية ديموقراطية مستقلة، دون عودة عائلة الصباح إليها، وامتلاك العراق لحقل الرميلة النفطي، وهو سبب الخلاف في الظاهر، بالإضافة إلى إلغاء ديون العراق للكويت والتي تزيد على عشرة مليارات من الدولارات. ما أفشل المشروع آنذاك ليس هو معارضة بريطانيا القوية له بل معارضة العراق الأقوى لاستغراب الجميع وقد أصر على أن الكويت هي المحافظة العراقية رقم 19. وفي مناقشة الموضوع مع عقيد في جيش صدام وتذكيره بقوى الحرب الأميركية وأن أميركا كدولة عظمى لن تسمح لنفسها أن تنهزم في مواجهة العراق، أكد العقيد بكل صلافة أن العراق يستدرج أمريكا إلى الحرب وهو يريد الحرب بذاتها ؛ وأخيراً بدا العقيد العراقي صادقاً فيما قال. النظام العراقي هو من استجلب الجيوش الأميركية إلى الكويت وشرق الجزيرة العربية، وليخوض حرباً انهزم فيها هزيمة مذلة وأرغم بعد مائة ساعة فقط من المواجهة على أن يوقع في خيمة صفوان اتفاقية وقف إطلاق النار عوضاُ عن صك استسلام لم ترغب به أمريكا من أجل أن يظل صدام على رأس السلطة كي يقاوم المد الشيعي المتزايد آنذاك. ومن جملة الالتزامات التي ترتبت على صدام بموجب اتفاقية وقف إطلاق النار التخلص نهائياً من كافة أسلحة الدمار الشامل سواء كانت ذرية أو كيماوية أو ميكروبية وقد عهد بتنفيذ ذلك الإلتزام لمفتشي الأمم المتحدة. فشل نظام صدام في الإيفاء بهذا الإلتزام وحتى بعد مضي عشر سنوات رفض مفتشو الأمم المتحدة أعضاء اللجان المتعاقبة بأن يوقعوا تقريراً يقول بخلو العراق من أسلحة الدمار الشامل وهو ما وفر سنداً قانونياً للولايات المتحدة باستئناف الحرب على صدام. صحيح أن دافع أمريكا الحقيقي للحرب لم يكن هو عدم خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل بل كان ما يسمى بالمشروع الأميركي في الشرق الأوسط الجديد الذي أخذت به أمريكا بعد أن تعرضت لعدوان همجي اقترفه ارهابيون أفرزتهم بيئات قمعية في مجتمعات شرق أوسطية تحكمها سلطات دكتاتورية طاغية ليس لها أدنى علاقة عضوية بنسيج مجتمعاتها بل إن الولايات المتحدة نفسها هي التي كانت قد دعمت مثل هذه السلطات في السابق. بعد حادثة البرجين رأت الولايات المتحدة أن تأخذ بسياسة quot; الفوضى الخلاقة quot; التي أساء قراءتها المؤدلجون سياسياً وهي التي تعني ترك مفاعيل القوى في المجتمعات الشرق أوسطية أن تأخذ كل مجالها الحيوي وتخلق بالتالي السلطة الجديدة المتجاوبة مع هذه القوى، أي خلق الرباط العضوي بين السلطة الحاكمة من جهة ونسيج المجتمع من جهة أخرى. وهكذا تصور المحافظون الجدد في الإدارة الأميركية الجديدة، ومعظمهم من اليساريين سابقاً، تصوروا أنهم عن طريق الفوضى الخلاقة يمكن أن تقوم عوضاً عن دول الشرق الأوسط التي كانت قد رسمت خارطتها القوى الاستعمارية دول ديموقراطية تنبثق السلطات فيها من شعوبها والقوى الحية فيها. مثل هذا النمط الليبرالي من التفكير ميّز المحافظين الجدد وإدارة بوش الإبن وهو لم يكن غريباً على إدارة بل كلنتون التي نادت بدورها بالديموقراطية وحقوق الإنسان وتحرير المرأة في الدول العربية والإسلامية.


الأفكار الليبرالية هي أفكار مثالية لا تنتسب إلى الواقع على الأرض ولا تتحقق بشكل من الأشكال، إلا أن هذا لا يجعلها أفكاراً استعمارية معادية لطموحات الشعوب كما يصفها المؤدلجون المفلسون سياسياً الذين غالباً ما يتورطون في الدفاع عن أعدائهم مثلما دافعوا باستماتة عن عدو الشعب العراقي رقم واحد، صدام حسين. إدانة الحرب الأميركية على العراق كحرب استعمارية هي إدانة كاذبة تكذبها قرارات مجلس الأمن ومناقشات مجلس الشيوخ الأميركي وضغطه المتزايد لتقصير مدة الإحتلال وأخيراً المفاوضات حول اتفاقية الإنسحاب الكامل من العراق حيث طالبت الحكومة العراقية بتأخير الإنسحاب عكس الأمريكان الذين أصروا على تبكيره. لقد أنفقت الولايات المتحدة على حربها على العراق ما يزيد عن ألف مليار دولاراً وهو المبلغ الذي لا تستطيع أن تسترده حتى لو استعمرت العراق استعماراً مباشراُ لمائة عام. ما يتوجب الإشارة إليه في هذا المقام هو أنه يمتنع على هؤلاء المؤدلجين سياسياً الإعتراف بخطأ موقفهم لأنهم لو فعلوا لفقدوا كل وظيفة لهم وخسروا بالتالي كل أرصدتهم السياسية التي ابتنوها لآنفسهم وكلفتهم جهود العمر.


التطور الطبيعي وحتى الثوري للمجتمعات الشرق أوسطية لا يتفق بالطبع مع سياسة الفوضى الخلاقة quot; الثورية quot; التي يراها المحافظون الجدد أنها ستبني الشرق الأوسط الديموقراطي، ولنا من العراق خير مثال على ذلك. نعترض على سياسة الفوضى الخلاقة لسببين ؛ أولهما هو أنه إذا كانت الولايات المتحدة قد مكنتها قواتها المسلحة من إحداث الفوضى في العراق أي تحرير مختلف القوى الإجتماعية والشعبية من مختلف الروادع، فليس ثمة قوى قادرة على إحداث الفوضى في البلدان الأخرى المحكومة بسلطات قمعية طاغية لا تجروء أية قوى شعبية على مواجهتها، سلطات تسخّر كل موارد البلاد لحماية أمن سلطتها ؛ وثانيهما هو أن أدوات الإنتاج لم يكن لها أثر يذكر في التقسيم الطبقي للمجتمع نظراً لتخلفها ولذلك تشكلت القوى المختلفة في المجتمع بفعل التمايز الإثني أو الديني أو اللغوي الأمر الذي لا يساعد على بناء الاستقرار الإجتماعي النسبي الذي يميز الديموقراطية الليبرالية.


ما يلزم التوقف عنده بأناة في مثل هذه المقاربة هو الدول التي ساهمت بثورة التحرر الوطني بقيادة البورجوازية الكبيرة من أجل بناء اقتصاد وطني مستقل. هذه الدول التي وجدت نفسها في طريق مسدود مع انهيار المعسكر الاشتراكي أضحت فريسة سهلة لعصابات المغامرين من البورجوازية الوضيعة. اختطفتها هذه العصابات وشكلت فيها الدولة العصابة (Closed Circle) المنبتة كليّاً عن المجتمع، تغتصب السلطة والثروة. معظم دول الشرق الأوسط هي من هذا الطراز المحكوم بالاغتصاب والطغيان كما في العراق وسوريا واليمن وفي مصر والسودان وفي ليبيا وتونس والجزائر. الغياب التام لآي مشروع اجتماعي تقدمي لا يساعد في تشكيل أية قوى اجتماعية قادرة على الإطاحة بحكم العصابة المتسلطة. نشير إلى كل هذا لنؤكد أن المعركة التي يؤججها ممتهنو السياسة المفلسون وتصل حد الإرهاب الأعمى ضد ما يسمى بالمشروع الأميركي للشرق الأوسط إنما يصب في النهاية في طاحون الدفاع عن حكم العصابات ونهب الشعوب العربية من قبل عصابات اللصوص والمغامرين التي لا تفتقد كل شرعية فقط بل وتفتقد أيضاً كل مشروع اجتماعي تنموي.


الحرب على حزب الله

نظراً للإفلاس المادي والنظري للبورجوازية الإيرانية فقد بدأت ثورتها في العام 1979 بمد شيعي ظل محبوساً فيما مضى متبنياً بعض المفاهيم الثورية بالشكل من مثل quot; الدفاع عن المستضعفين في الأرض quot; وهو الشعار الذي يستبطن إنكار دور البروليتاريا الطليعي في الثورة ومثله شعار quot; ثورة الجياع quot;. المد الشيعي تجسد في جنوب لبنان حيث أغلبية السكان من الشيعة بظهور الإمام موسى الصدر والهالة الشعبية التي أحيط بها وقيام حركة أمل بقيادته التي حشدت داخل أطرها السواد الأعظم من طائفة الشيعة. بعد أن تورطت حركة أمل في مخطط حافظ الأسد الصهيوني في تصفية قوات منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان طلب الخميني من جميع العناصر الموالية له الانسحاب من أمل التي تحارب الفلسطينيين بالنيابة عن حافظ الأسد وتشكيل حزب خاص بهم وهكذا صدر البيان التأسيسي لحزب الله في العام 1985. لئن غدت حركة أمل حزباً سورياً (أسدياً) بنسبة 90% فإن حزب الله تأسس منذ البدء حزباً إيرانياً أو فريق اعتراض ومقاومة متقدماً للحرس الثوري الإيراني بنسبة 100%. يخطئ من يظن للحظة أن حزب الله حزب لبناني يدافع عن السيادة اللبنانية. لو كان الأمر كذلك لوافق على الشرط الإسرائيلي منذ أمد بعيد القاضي بالانسحاب الإسرائلي الكامل من الأراضي اللبنانية مقابل التفكيك التام لمليشيات حزب الله المسلحة وتحول حزب الله لحزب لبناني سياسي. عدم قبول حزب الله بالشرط الإسرائيلي له معنى واحد فقط وهو أن هدف مليشيا حزب الله ليس هو تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة. حزب الله لا يدافع عن السيادة اللبنانية كما يدعي بل يدافع عن وجوده كقوى مسلحة معادية متواجدة على الحدود الإسرائيلية. كل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان إنما تتم في مجرى مواجهة تواجد حزب الله على الحدود ولذلك تبرر إسرائيل اختراقها اليومي للأجواء اللبنانية خرقاً لقرار مجلس الأمن 1701 لمراقبة تهريب الصواريخ لحزب الله من سوريا الذي هو بالمقابل خرق لنفس القرار. من المؤكد أن لحزب الله أهدافاً خطيرة تتجاوز لبنان وتخاطر بمستقبل الشعب اللبناني. في الثاني عشر من تموز 2006 إدّعى حسن نصرالله بأن مسلحي حزبه تجاوزوا الخط الأزرق الدولي ودمروا ملالة اسرائيلية وخطفوا جنديين وقتلوا سبعة آخرين من أجل تحرير الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية. نصرالله كان يعرف جيداً أن أسيراً لبنانياً واحداً فقط لدى اسرائيل هو سمير القنطار لا غير وكان يعيش في سجن خمسة نجوم يتعلم حتى درجة الدكتوراه ويقرأ الصحف ويشاهد التلفزيون ويتصل بأهله بالتلفون ويعطي أحياناً تصريحات صحفية معادية لإسرائيل؛ هذا كله يعرفه نصرالله جيداً، ويعرف جيداً بالمقابل أيضاً أن هناك أكثر من أربعمائة سجين لبناني في سوريا وقد ضاع كل أثر لهم في غياهب سجون حافظ الأسد حتى أسماءهم فقدوها دون أن يتفوه حسن نصرالله بحرف واحد في الموضوع.

تجاوز رجال نصرالله الخط الأزرق لم يكن لتحرير سمير القنطار كما ادعى نصرالله بل كان لأمور أخرى في حسابات إيرانية خاصة حيث أن نصرالله نفسه كان قبل أيام فقط قد تعهد على طاولة الحوار اللبناني ألا تقوم مليشياته بأية عمليات خلال ذلك الصيف. مقابل تحرير القنطار تكبد الشعب اللبناني 1200 قتيل وخسائر بقيمة عشر مليارات دولار. واليوم يرفض حزب الله أن يتعهد بألا يقصف إسرائيل بصواريخه البالغة 80 ألفاً في حال قصفت إسرائيل المفاعلات النووية في إيران وهو ما يعني أنه يترتب على إسرائيل أن تدمر لبنان كاملاً قبل أن تشرع بقصف المفاعلات الإيرانية. وهكذا فإن حزب الله يرهن مصير لبنان والشعب اللبناني بسلامة المفاعلات النووية الإيرانية ؛ فأي حزب لبناني هو هذا الحزب!!؟ شعوب إيران نفسها لا تقبل بمثل هذا الإرتهان فما بالك بشعب لبنان!؟ لئن عز في لبنان من يحرره مما يشكله حزب الله من أخطار حقيقية على مصيره فلن يكون مطلوباً من أبناء لبنان الشرفاء أن يدافعوا عن حزب الله وحتى بوجه العدو الإسرائيلي.


المنافقون من أدعياء العروبة وخطباء اليسارية يوجهون كل انتباه أهل البيت إلى العدو الخارجي. يواصلون الصراخ الحاد فلا يعود أهل البيت يأخذون حذرهم من العدو المميت القاتل داخل البيت. لن ينجح أهل البيت في مواجهة العدو الخارجي طالما داخل البيت عدو يمنع الحياة على أهله.

www.geocities.com/fuadnimri01