تمهيد

نعم هي ذكريات وانطباعات شخصية تعود لفترة دراستي الجامعية،قبل اكثر من عشرين عاما، ورغم خصوصيتها، لكنها جزء من تاريخ بلد هو العراق ومدينة هي quot; اربيل quot; وجيل التهمت الحرب جله،وتدوين لحقبة مرّة هي سني الحرب العراقية الايرانية، وديكتاتورية واجهزة قمعية، تنظيمات سياسية سرية، وتمرد وحركات ثورية مسلحة وغير مسلحة، يسارية واسلامية وقومية كلها في مدينة quot; اربيل quot; من كردستان العراق.


دافعي لكتابتها هو التدوين التاريخي لسببين.. الاول: لان جيلين ممن عايشوا هذة الفترة قد انقرض جلهم بسبب الحرب والقمع،والثاني هو ان ذاكرة البشر قصيرة تنسى او تتناسى بسرعة ولادري قد يخرج علينا جيل شبابي بعد سنين يتوهم ان ماعشناه في تلك الفترة كان نعيما واننا فرطنا بحقبة ذهبية..!
ولكي لاننسى ونتعلم مما حدث لابد من التدوين.

من السليمانية الى اربيل

في العام 1980 تقرر السلطة نقل جامعة السليمانية التي تأسست عام 1967 الى اربيل وتسميها quot; صلاح الدين quot;.
كان القرار سياسيا بحتا،معاقبة المدينة المتمردة،وحرمانها من اهم صرح ثقافي وعلمي فيها،وبالتالي السيطرة على حركة الطلاب ومظاهراتهم المعترضة على نظام الحكم آنذاك.
وبدلا من حرم جامعي واحد يضم اسم الجامعة،تلجأ السلطة احترازا لمنع تجمع الطلاب بعدد كبير،تلجأ الى توزيع اقسامها ببنايات متباعدة عن بعضها تتوزع اجزاء المدينة،وتفرض تشددا كبير في زيارة طلبة قسم ما لقسم آخر..! أي عزل المجاميع الطلابية عن بعضها.


اوائل الشهر العاشر من عام 1986 يحمل القروي حقيبته ويتجه الى مدينة تبعد اكثر من 400 كم عن اقرب مدينة تجاور قريته،للتسجيل كطالب جديد،كان ذهابه بعيدا والى قسم اللغة العربية على مضض،كان يمني نفسه باحدى جامعات بغداد،او قسم آخر،خصوصا انه حصل على معدل درجات عالي نسبيا 84.5% في القسم العلمي،ولكن السلطة تخصم منه 5% من المعدل بقرار آخر،جائر ليس له علاقة بالنظام التعليمي،الغرض منه عدم اعطاء الطلبة فرصة للرسوب والتأخر عن الالتحاق بالجامعة وانهائها ومن ثم الالتحاق كجندي في ايام الحرب.


قبل ذلك كانت السلطة قد قررت منح 5% على المعدل لرئيس الاتحاد الوطني للطلبة،بل واكثر من ذلك يحق لمن كان ابوه شهيدا في quot; قادسية صدام quot; ان يختار القسم والجامعة التي يرغب بغض النظر عن معدله.


وبعد رحلة ست ساعات في الباص يصل الى مدينة quot; اربيل quot; وكعادة القرويين حين يدخلون المدينة quot; فاتحينquot; تتعطل كل حواسهم عن التفكير والفعل والتركيز،وتعمي بصيرتهم quot; رائحة الكبابquot;، وبعد ان يحفظ quot; حيثياته quot; بسيخين كباب quot; اربيلي quot; يتوجه متوازنا شيئا ما.. ليبيت ليلته في ارخص فندق،اقتصادا لقحط الايام القادمة كما علمته القرية.


يستيقظ نشطا ومبكرا كما اعتاد الساعة الخامسة فجرا، فرحا بزيه الجامعي، ينزل من الفندق ولاشيء غير حركة الجند الذاهبين والعائدين من جبهة quot; حاج عمران quot; آنذاك،يدخل الى مطعم سيعرفه كثيرا يقدم quot; شوربة العدس مع الخبز بسعر رخيص،ليس هنالك من هو بزي مدني سواه،يرقبه صاحب المطعم والجند باستغراب،ثم يتجاهلونه،وبعد ان يفرغ ويحتسي quot; استكانينquot; قدحين من الشاي،يغادر المطعم ويعود ادراجه الى الفندق خوفا،اذ بدت المدينة غريبة له...!!


قرابة السابعة صباحا استقل باصا متوجها الى منطقة quot; منتكاوة quot; حيث كليته ليسجل بها كطالب جديد..!
عند مدخل الكلية شاهد منظرا لن ينساه طوال حياته....ثلاث دبابات توجه سبطانات مدفعيتها اتجاه باب الكلية..!
يدخل الى الحرم الجامعي،واسفل درج الطابق الثاني للبناية،تكومت اكداس عتاد الجند..!!، فيما صور القائد تغطي كل الجدران وشعار كبير خط يقولquot; للقلم والبندقية فوهة واحدة quot;.