ربما لا جديد تحت الشمس..
وربما لا يحلم أحدنا بالجديد، ما دامت تتكرّر أليه صور الماضي، محمولاً على أكتاف عولمة طوت تحت ردائها رداءات فرّت منها الفلسفات، وصار بها الأيدلوجيات مفتضحة.

أقول.. ربما لم أقل جديداً في ما كتبته قبيل أيام،ولأني لا ماضي لي خارج القول المكتوب،سأحيل القارئ الكريم مع بداية هذه الأسطر إلى اقرب قول سابق..وأريد ككاتب أن أفتخر بتحقيق سبق فيه.وما أقسى أن يتحدث الناس عنك بسبق القول..وأنت تشعر إن هذه الكلمات قيلت من قبل، ولكن quot;الناس نيام..إذا ماتوا انتبهواquot;..رحم الله هذا الصوفي،ورحمه وأنا أزج بإشراقته وبه في مقال سياسي، سيثقله صدى الشتائم أسفل ما يتبعه من تعليقات..
إذن بم سأفتخر؟!


أفتخر بأني وبعد سويعات من حريق الأربعاء،كتبتً صرخة ودونتها في عيون من اطلعوا عليها ساعتها،وبقي لنفسي هاجس المنشور على الورق،فهو الأبقى،وربما هو دليل السبق؛ أن تكون كلماتك في يدك على ورق صحيفة؟.
ولكن مهلاً..أليس دليلاً أن يكون لك من الشهود من طالع ما كتبت، ليكون دليلاً أكثر من ورق الصحيفة؟.

بعد سويعات من حريق الأربعاء كتبت تلك الصرخة، وكمن يخبر عن حريق في ليلة ساكنة، كانت صرخة يريد لها من يطلق عنانها،أن تمر على نوم كل سامع بالقلق كلّه.

بعد ساعات من حريق الأربعاء ورماده، كتبتُ عن من يقف خلف إشعال ذلك الحريق، وقلت :quot; ثمة من يريد للإرهاب في العراق أن يكون عنقاء نارِ، كلما اقتربت ساعة موتها، أضرَمتِ النار في عشّها لتحترق، وتبعث من جديد. وليس الربط بين هذا البعث وبين ما حدث في العراق يوم الأربعاء 19-آب ببعيد عن البعث كحزب (ناري) عاشق للتجديد عبر الحرائق والمغامراتquot;.


وأثبتُ عبر الوقائع التي تحيط الحدث وقتها،ما يشير إلى البعث وسوريا في ما حصل ببغداد..

قلتُ قولي بينما كان المالكي في دمشق يهمّ بالعودة إلى بغداد.
قلت إن أي مسؤول عراقي سيطالع كتابتي سيعرف مدى غضبي على حكومته، فالمقال لا يخلو من النقد اللاذع لها، وهو نقد وجدت له ما يدعم شجاعة القول فيه، بشجاعة صحيفة رسمية ستنشره بعد حين، مع إشارة إلى تاريخ نشره في موقع إيلاف الإلكتروني.

قلت إنquot; بعث الإرهاب! quot; قادم من سوريا ولمن يريد أن يعرف الآلية الكيفية لهذا لاستنتاج،عليه أن يطّلع على المقال،منتبهاً لسيل شتائم موجهة لي فيه،وليتأكد من خلال الردود بأن البعث حاضر في أكثر الردود، وعلى أي كتابة تدافع عن أهل العراق،وليبصر مرارة أن يعود البعث الدموي quot;كاتباًquot;وquot;معلقاًquot;.

ولكن لا ضير ما دامت القافلة تسير،وما دمنا نستطيع أن نشير إلى صفحات ما كتبوه سابقا،دماً،ورعباً،كان لهم فيه اتساع أرضنا قرطاساً..فالبعثيون متثاقفون، ويعلمون كيف يحرّف الكلم عن مواضعه،ويعلمون كيف ينادوا وبالأدب الموهوم رفعةً، مثلما في حضرة ديكتاتورهم، ليسهل عليهم أن يجعلوه يقول:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم

وسيصبح كاتباً يروي لهم كقائد ضرورة،سيرة ملك يتعرف إلى زبيبة،ويسرد على لسانها الرواية،التي تُتداول مطبوعة في بعض البلدان العربية،تحت عنوان ؛رواية لكاتبها( سادس الخلفاء الراشدين..)،وتتبادلها الأيدي الآثمة،مسبحّةً بحمد هذره،المنشور كصحائف نور حريق أشعل المناهج والصحف والكتب الأدبية في العراق لثلاثين عاماً..

كل عام فيها كان جديراً بتسمية quot;عام الرمادةquot;.فلو كان المؤرخ بن كثير حاضراً بين يدي من يروي له الحكاية، لأسمى الأشياء بمدلولها في وصف كلّ يوم من سنوات رماد البعث..
فربما كانت بسبب اسوداد الأرض من بقايا حروب لم تترك جهة في الخارطة إلا وأخذت من سوادها،حتى أصبحت الريح تسفي تراباً كالرماد،وحتى استحالت فيه ألوان الناس لتضحي بلون الرماد،سنوات شحّ فيها المطر والندى..وأمتنع العشب.

وربما سيقول ابن كثير في كتابه الحديث quot;البداية والنهاية quot;.عن كلّ تلك الأسباب مجتمعة وهو يصف عنف المشهد الدموي.

وسيتهمه بعثيّون بذات التهمة التي وجهت إلى المؤرخ الطبري..بعثيّون فرّوا من عار الدم وأعراسه الضاجة بسعير الجمر..
جمرٌ كانت فيه المعركة عشيقة الجندي، المجهول،والمغروس في أقصى حدود الوطن، مشحوناً بطردهم المركزي..طرد يعجل بدورة الآلة لتقذف بالضحايا على حافات الحدود،أو خارجها بعيدا..
سأسمعه وأنا منهم( المبعدين) بعيداً بفعل الطرد ذاته..سأسمعه.. في quot;حديث الأربعاءquot; وبلغة أوضح من لغة طه حسين وهذا الكتاب الشهير..أسمعه وأنا أتذكر صديقا يحمل إنجليه في الحرب منادياً في السرّ وكأنه يخاطب الجميع، أو يخاطبني،عبر إنجيله quot;تذكّروا ndash; وأنت يا أيها الرجل - إن أنتَ الغبارُ،وغباراً سيجوزُ لكم العودة quot;..

وستكون المناسبة quot;أربعاء الرمادquot; يوم شروع المسيحي بصومه المتواصل 46 يوماً..
وكأنها هذه المرة جاءت في غير زمانها الإنجيلي، لتبدأ مع أربعاء رماد بغداد في موسم الصيام الإسلامي..رماداً أرتفع فوق جباهنا، وعفّرها بسواده،مختلطا بندم المسيحي في تلك الطقوس وهو يرسم على جبهته صليباً بالرماد..
ورغم إننا لا نحتاج إلا إلى قبلة على جبين كل مسيحي عراقي سيصرخ ببحة دجلة السمراء منادياً:..توبوا من دمنا بقلوبكم أيها القتلة..بالصوم والندب والبكاء،مزقوا قلوبكم لا ثيابكم..

اسمعه.. وتبكي لصمتي أم شهيد رضيع..
وأسمعه..وليس من مُعاد الكلام،ولكن مما يجعل للأحرف مَعاداً وحضوراً سرمدياً..
أسمعه..و يصموا ليفطروا بالدم،ضائعاً بين قبائل القنوات وعشائر الشاشات بأحسابها،وأنسابها، ببطونها -وبطون من تهزّ الخصر والوسط...
بأسلافها،وأفخاذ قبائلها،وأفخاذ من يستعرضن في حمّى هذا الشهر مفاتن العرب،وما افتتنوا به من دم طويل النزف..
نزف يشبه ما تتعثرُ في ظلامه الكلمات،لتبقى تقول..وأقول معها إني وبكتابتي القادمة،ربما،سأضيف جديدا، لم تفطن له الحكومة العراقية بعد،وبما يشابه فطنة القول والإشارة إلى العدو..بينما يصافحه شخص حكومي عراقي ولا يدرك إنه أشعل باليد الأخرى حريقاً ترك لبغداد أربعاء رماد لا ينسى..

لا أدري..ولكني أسأل: ألم يعد المالكي من سوريا بعد نشر المقال السابق بيوم واحد؟!.

إذا كان كذلك فليقرأ من هم في محفل حكومته ما أفكر به لأكتبه بعد قليل.
لأني أرى إن شمس العراق قد أشرقت على جديد في أربعاء رمادها.

===========
bull;quot; أربعاء الرمادquot;تسمية تطلق على أول يوم من زمن الصوم المسيحي،ترسم فيه إشارة الصليب بالرماد على الجباه،علامة على التوبة والندم.
bull;quot;أربعاء الرمادquot; قصيدة للشاعر ت.س.اليوت..(سبقني في الإشارة اليها في سياق أربعاء بغداد الكاتب الدكتور شاكر النابلسي)..وأضيف إن هذه القصيدة ترجمها في العراق الشاعر الكبير بدر شاكر السياب..وكان في لوعته ما يستحث الخير..ما مرّ عام والعراق بلا رماد..
والسياب كان يحتضر غريباً في الأربعاء..ولكنه رحل جسداً،ورماداً،في ظهيرة الخميس..وبينما تحترق بغداد في الأربعاء وأكتب عنها، لتموت كلماتي منشورة ً في الخميس الذي يلي الدم..


http://