قولوا لااله الا الله تفلحوا، نداء أطلقه نبي الرحمة و السلام المصطفى في بدايات دعوته المبارکة لدينه الحنيف، هذا النداء الذي جسد واحد من أهم أصول الديانة الاسلامية(التوحيد)، برغم ماکان يحمله من مضمون عميق المعاني و الاهداف، لکنه في نفس الوقت طرح و بصورة بالغة الروعة لمفهوم الشفافية في الاسلام.


قولوا لااله الا الله تفلحوا، جملة قصيرة و واضحة ماان يستمع اليها المرء حتى ويجد شئ ما في أعماقه يتجاوب مع هذا النداء السماوي و يتفاعل مع معانيه الاخلاقية و الفلسفية الحميدة التي تقوده الى دروب التکامل و الوصول الى مفترق الرضا الالهي. لم يطرح الرسول الاکرم وهو الذي(ماينطق عن هوى)نداءا معقدا يحتوي على غريب و حوشي الالفاظ وانما خاطب قومه والانسانية المعذبة من خلفهم بکلمات غاية في الشفافية و الوضوح ولم يکن هدفه من وراء ذلك سوى بلوغ شغاف القلوب و أعماق النفوس و العقول وبهذه الجملة البسيطة المتکونة من بضعة کلمات زلزل عروش الملوك و الاباطرة و أسس لحضارة عربية اسلامية ساهمت في إغناء الفکر الانساني و تشذيبه بأفضل الصور و أجملها.


اليوم، ونحن أمام مفترق بالغ التعقيد و الضبابية حيث باتت الامور تلتبس احيانا حتى على أناس من أهل الذکر، نجد أن العلة الاساسية تکمن في نقطة هامة و حساسة وهي ان الخطاب العام الموجه هو خطاب نخبوي يتضمن نبرة و مضمونا ليس في وسع أي کان أن يفهمه و يستوعبه، وهو امر للأسف ساعد على غياب الوعي الديني بمفهومه الحقيقي الناصع و ساهم في تواجد و حتى تعشعش أفکار و مفاهيم غريبة و بعيدة أشد البعد عن روح الاسلام و جوهره إذ بدلا من الدعوة الاسلامية السمحاء العقلانية المنطقية الهادئة للعالم، طغت دعوة همجية متطرفة سوداء هدامة تتسربل في ظاهرها بدثار الاسلام فيما تخفي في بواطنها کل أسس و معاني معاداة و محاربة الاسلام.


ان هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق. حديث نبوي شريف يحمل أسمى المعاني و انبلها و يبين حقيقة مهمة جدا يجب علينا دوما الانتباه و الوقوف عندها، إذ يأمرنا خير الانبياء و الرسل بأن نتمهل في التفقه بديننا الحنيف وهو لعمري امر يحمل في طياته الکثير من الاهداف و الغايات السامية حيث انه إضافة الى حثه المسلم أو المسلمة على عدم الاستعجال في طلب العلم و ضرورة أن يستوعب مايتلى أو يطرح عليه، فإنه يطرح هدفا آخرا يتجلى في ضرورة ان يتحاشى المتفقه من الانجرار خلف مفاهيم و أفکار تکون أحيانا أکبر من مستوى و طاقة تفکيره بل وحتى لو تمادى في التوغل بالدين( سيما من دون مرشد أو هادي)، فقد يصاب بما يشبه بسوفان فکري يدفعه في فضائات و مطبات هو في غنى عنها تماما فيضيع و يضيع غيره بإلتباس الامور على فهمه و ادراکه.


اننا اليوم بحاجة لخطاب ديني واضح و شفاف و سمح بإمکان أي مواطن بسيط أن يفهم مضامينه و خطوطه العامة ولسنا أبدا بحاجة الى خطاب مرکز نخبوي يجده المرء العادي امرا لايعنيه و غير موجه إليه بتاتا، ومثلما تستغل الجماعات الارهابية المتطرفة الاسلوب الشفاف لجر و إستدراج البسطاء من الناس، فإننا مدعوون للعودة الى النهج المحمدي الاصيل بالوضوح و الشفافية في مخاطبة الناس ولو عملنا بحرص و إخلاص و تفاني فإنه و بعون الله سبحانه و تعالى نتمکن من سد الطرق على تلك المجاميع التي تقوم بإستغلال الدين من أجل مآرب و أهداف مشبوهة.


*الامين العام للمجلس العربي الاسلامي في لبنان.