تباينت الآراء و تضاربت بخصوص التفجيرات الدامية التي طالت العاصمة العراقية بغداد و رفعت أصابع الاتهام بإتجاه أکثر من عاصمة محددة، و رغم ان حکومة السيد نوري المالکي سعت بکل إمکانياتها من أجل الايحاء بأن زمام المبادرة الامنية مازال بين يديها و أعلنت بأنها قد ألقت القبض على منفذ العملية، لکن هذا الاعلان(المخنوق)خرج ميتا و غير مقنعا للعراقيين قبل العالم الخارجي و أثبت مجددا بأن الاجندة و الايادي الخارجية مازالت تمتلك مساحة غير عادية من أرضية اللعب على الحلبة العراقية وان تلك الغفوة التي إغتنمتها حکومة السيد المالکي يبدو أنها کانت مجرد إستراحة محارب لتلك الايادي.


التفجيرات التي هزت بغداد و کل القوى السياسية العراقية، حملت من دون شك آثار بصمات عمل إستخباري بالغ الاتقان و الدقة لکنه للأسف ليس هذه المرة من صنع أمريکي أو إسرائيلي(کما يحلو للکثيرين أن يعلنوا و يصوروا)، وانما کان عمل منظم بکل معنى للکلمة بين مجاميع إستخبارية محددة ليست لها مصلحة محددة في إستتباب الامن في العراق وکانت الرسالة واضحة المعنى و المضمون لأکثر من طرف عراقي(سيما الشيعية و الکوردية منها تحديدا)، رسالة تؤکد على أن السياق الذي باتت الامور تسير في أضوائها لم يعد يلائم العديد من العواصم وانه يجب إعادة نظر في مجمل العملية السياسية العراقية ومن اساسها و إعادة ترتيب القوى.
هذه الرسالة القوية التي قطعا ستتبعها رسائل قوية أخرى لن تکون أربيل بمنأى عنها فيما لو لم تتخذ إحتياطاتها اللازمة من العاصفة(الاستخبارية)الهابة على العراق تحت جناح(القاعدة و المقاومة العراقية) وان هذه الرسالة تلمح أيضا الى ان الوقت مازال باکرا و غير ملائما لکي يرسو الوضع السياسي والامني على مثل هذه الشطآن التي يرتجيها الساسة الشيعة و الکورد وانه هناك الکثير من الاشواط الطويلة التي في إنتظارهم من غير الوقت الضائع.


ولئن سعت قوى سياسية محددة لإلقاء تبعات العمل الارهابي هذا على طهران و الايحاء بأنها مازالت تمسك بزمام المبادرة في بغداد، لکن ليس هنالك من دليل أو إثبات قطعي و جازم على أن العملية من صنع إيراني، لکن قطعا ليس بالامکان الجزم أبدا بأن طهران لم تکن تعلم بما سيحدث وهو في حد ذاته إشارة الى ثمة صفقة غريبة من نوعها يبدو أن الاطراف الاقليمية قد ترسو عليها أخيرا و يکون الخاسر الاکبر فيها الکورد و من بعدهم الشيعة، صفقة ستمنح فرصة کبيرة للنظام الراديکالي في إيران کي يکسب ضمانات البقاء لأجل غير مسمى، أما العواصم الاخرى المتربصة بالعراق فسوف تسعى من وراء ذلك لخلط الاوراق مجددا و إرجاع النظام السياسي في العراق الى وضعية تتلائم و تتماشى(على الاقل)مع الوضعية السائدة في المنطقة، لکن السؤال الکبير هو: هل بمقدور هکذا تفجيرات من کبح جماح عقل جمعي بات يهيمن على الشارع السياسي العراقي نفسه و توجيهه بالسياقات المرجوة؟ إنه مجرد سؤال لکن تبدو الاجابة عليه ليست صعبة بل وصعبة للغاية!