غريب والله هذا السجال البريطاني الليبي حول صفقة الافراج عن عبد الباسط المقرحي رجل المخابرات الليبي السابق المدان في قضية تفجيرات لوكيربي!
فالحكومة البريطانية تنفي اي علاقة لها بالاتفاق الذي تم بين ليبيا واسكتلندا للافراج عن الرجل المصاب بالسرطان على اساس ان قرار الافراج عنه اتخذه القضاء الاسكتلندي لأسباب انسانية. وسيف الاسلام القذافي يؤكد ان الافراج تم في اطار صفقة للتبادل التجاري مع بريطانيا تم خلالها السماح لشركتي شل وبريتش بتروليوم البريطانيتين بالتنقيب عن النفط في ليبيا بعد غياب دام 30 عاما.
ومن المؤكد أن رد الفعل الامريكي العنيف على اطلاق سراح المدان في تفجيرات لوكربي هو السبب في هذا السجال الذي حاول فيه كل طرف القاء المسئولية على الطرف الآخر. فقد وجهت الولايات المتحدة انتقادات شديدة اللهجة لكل من بريطانيا واسكتلندا مؤكدة ان المقرحي كان ينبغي ان يقضي مدة عقوبته كاملة في سجنه باسكتلندا من اجل تحقيق العدالة لضحايا لوكربي ومعظمهم من الامريكيين.
كما طالبت في نفس الوقت بوضع الرجل تحت الاقامة الجبرية في ليبيا مهددة بأن العلاقات الامريكية الليبية سوف تتأثر إذا تم التعامل في هذه القضية على اساس ان ليبيا أحرزت نصرا أو حدث لقاء بين القذافي والمقرحي.
ومن الواضح أن الافراج عن المقرحي جاء تتويجا لجهود مكثفة استهدفت تحسين العلاقات البريطانية الليبية وسط انباء عن توقيع عقود جديدة في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية ونقل التكنولوجيا والطائرات والمعدات العسكرية.
وقد كان توقيع شركة بريتش بتروليوم البريطانية على عقد للتنقيب عن النفط مع الجانب الليبي قيمته 900 مليون دولار في عام 2007 بمثابة أول مؤشر على قرب التوصل إلى تسوية بين البلدين في قضية لوكيربي.
وليس سرا ان الحكومة البريطانية كانت تخشى من ان تؤدي وفاة المقرحي في سجن جرينوك الاسكتلندي لحدوث انتكاسة في علاقاتها مع ليبيا الغنية بالنفط والغاز والتي يقدر انتاجها من النفط باثنين مليون برميل يوميا سوف تصل الى ثلاثة ملايين برميل في عام 2010.
وفي ظل الرغبة المشتركة في تطوير العلاقات الثنائية وقع الجانبان البريطاني والليبي اتفاقا يسمح بتبادل السجناء بين البلدين في عام 2008. صحيح ان هذا الاتفاق تعذر استخدامه قانونيا في الافراج عن المقرحي بسبب استئناف قدم لاعادة محاكمته لكن سحب الاستئناف سهل لوزير العدل الاسكتلندي اتخاذ قرار الافراج لأسباب انسانية.
وعموما سواء كانت بريطانيا شجعت أو ضغطت أو غضت الطرف في هذه الصفقة، فالمؤكد ان اسكتلندا أنجزت ماكانت بريطانيا ترغب فيه،وهو التخلص من هذه القضية بكل ما يحيط بها من ألغاز!
فرغم مرور 22 عاما على تفجيرات لوكيربي مازال السؤال مطروحا : كيف يمكن لشخص واحد أن ينفذ عملية تفجير طائرة بان امريكان فوق لوكربي عام 1988 والتي راح ضحيتها جميع ركاب الطائرة البالغ عددهم 270 شخصا بالاضافة الى 11 شخصا في منطقة الحادث دون ان يكون معه شركاء آخرون؟!
ويبدو أن الحقيقة لن يعرفها احد، فالافراج عن المدان الوحيد في هذه القضية أثار شكوكا حول حكم الادانة الذي أصدرته بحقه محكمة اسكتلندية عقدت في هولندا عام 2001، في حين اعتبره البعض استخفافا بمبادئ العدالة وأسر الضحايا .
وخلاصة القول ان الاعتبارات السياسية والاقتصادية لعبت دورا بارزا في الافراج عن المقرحي، فلو كانت الاعتبارات الانسانية تحكم العلاقات بين الدول لما رأينا في عالمنا كل هذا القبح والاجرام والوحشية!