تكاد لاتخلو ساحة سياسية من مجالس السياسة العربية ومؤسسات عسكرية في العراق والكويت وبضمنها أكاديميات عسكرية أو مدنية، من تَرقب ماسيؤول اليه الصراع الخفي الذي يدور وراء الكواليس للحالة المُزرية التي أوصلتها الأجهزة الأمنية والأستخبارية للمسؤولين في الدولتين وصعوبة أستيعاب ملفات تخص الوضع العام على حدود البلدين الذي كان ومازال يسود مناطق معينة منذ غزو العراق للكويت عام 1990 والتوتر والشكوك والأدعاءات والمؤمرات التي تُغذي حال البلدين منذ عام 2003.
فما هو العمل لو عادت عمليات عمل عسكري متسرع على الحدود تحت ظروف قد تدفع أليها المؤسسة العسكرية في أحدى البلدين بتحريض من قوى أستشارية في الداخل والخارج؟ وماهو العمل لو أتخذَ أي جانب خطوات ميدانية لتحسين مواضعه حدودياً للمناطق المُختلف عليها تحت راية سل سيف القوة التأديبية لأظهار الوطنية الحقة؟. هذا ماتتناقله الأوساط الكويتية والعراقية في الداخل والخارج وتتوضح لها يوماُ بعد يوم، وحشية الأحتلال العراقي للكويت من جهة وصلافة مطالبات الكويت من جهة أخرى.
ما يدور من تحليل داخل حلقات أجتماعات ذات نصيب من المسؤولية يصيب المراقب بالغثيان لِما سيحدث غداً أو بعد أسابيع أو أشهر من الان، وأن مايصل حلقات شرب القهوة والشاي من معلومات مُسربة تُغذَى بمعلومات نصفها صح ونصفها خطأ Second Hand Information هو الجزء اليسير مما يتدارس في الخفاء ويجري تقييمه فعلاً بين قوى القرار السياسي والعسكري في البلدين.
الساحة السياسية العراقية والكويتية يسودهما أضطراب، ولعل كلمة أضطراب هي الكلمة المناسبة لِما يجري داخل المؤسسات العسكرية في البلدين أيضاً. وقد تدور في مُخيلة بعض القادة أِن فقدوا صوابهم وتقمصتهم روح الشر والأجرام والوطنية الهشة، أفتعال حادث يرتكبه ضابط أحمق بتحريك قطعة عسكرية أو أنتشار قوة على أرض مُحرمة تؤدي بشكل أو آخر الى أشتباك غير محسوب النتائج، قد يوقع الطرفان من جديد في فخ الصدام العسكري المحتمل بتحريض من مستشارين أجانب أو قوى مظلمة تتسابق على نهش سيادة البلدين الشقيقين.
أن الأوساط الأستخباراتية الأمريكية التي توصل خلاصة النزاع الخفي الحالي بين البلدين وتنقل تفاصيله الى الرئيس أوباما اولاً بأول، لا يمكن فهم (بعض دوافعها الأستخباراتية المُلفقة) وتصويرها المشوه عند رفع توصيات لايمكن الأعتماد عليها بعد تحليلها الدقيق. ولاشك بأن بعضها يخدم مصلحة (لاتصب أساساً في مصالح البلدين الجارين). وفي حالات أخرى يكون في الأمكان (فهم دوافعها) عندما تخدم مصالح الأطراف الثلاثة (العراق الكويت والولايات المتحدة) وتعالج الأزمة بمسؤولية والحث على أتخاذ مجموعة قرارات قد تكون ذات قيمة في درء الخطر الواضح البيان و معالجة الأزمة بذكاء وتأني وحكمة.
أسئلة كثيرة تبادرتْ الى ذهني عند الأطلاع على مجموعة معلومات لا يمكن التقليل من قيمتها عند تحليل معانيها، لأنها ليستْ أستقراء لمعلومات ثانوية القيمة لا يمكن تحديدها، أو النظر أليها على أنها أختلاف في وجهات نظر، فمنها:
أن بعض الوحدات العراقية اصبحت اكثر تردداً في المشاركة في واجبات مشتركة مع القوات الامريكية، في وقت تتدارس وزارة الدفاع الأمريكية طلب الحكومة العراقية الرسمي وتقييمه، لتزويدها ب 36 طائرة مقاتلة من طراز ف ndash; 16 فالكون وأجهزة رادارية لطائرات مراقبة long range radar (LRR).
ومن ناحية أخرى، الفهم الموضوعي لأنتهاء تسليم صفقة طائرات هورنيت F-18 الأمريكية وأتمام أستلام الكويت لكل الدفعة وهي 40 طائرة ودخولها في الخدمة الفعلية، معظمها في السرب التاسع والسرب الخامس والعشرين في قاعدة أحمد الجابر الجوية.
وينظر المراقبون الى الجانب الأمني والأستراتيجي عند الأخذ بنظر الأعتبار دوافع تكديس السلاح وشراءه بهذه الطريقة. فالكويت لم تكن يوماً دولة ذات تاريخ عسكري تقليدي معروف وهيكلية قواتها العسكرية تعتمد على الأستشارة الأجنبية، وبالتخصيص الأستشارة الفنية والأدارية الغربية، ومساحتها الكلية 17,800 كم2 وتحاذيها السعودية دون مطامع أرضية فيها وتقدم لها الدعم اللوجستيكي والسياسي بموجب أتفاقية الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي. ويعيش في الكويت أكثر من مليونين من السكان المسجلين كعمالة أجنبية بالأضافة الى أكثر من 850 ألف من أصول هندية وأسيوية لايحق لهم الخدمة في القوات المسلحة أو الوظائف الحساسة، كما أن الكويت لها أتفاقيات عسكرية مع الولايات المتحدة والطائرات الأمريكية الهجومية التي تعاقدت الكويت عليها بالأضافة الى 16 طائرة هيليوكبتر من طراز أباتشي،العالية التكاليف، مُستخدمة من البحرية الأمريكية و قواعدها المنتشرة في الخليج وخزين من طائرات هورنيت F-18 الهجومية تقوم بدورياتها الروتينية البحرية ومراقبة السواحل من على ظهر حاملات الطائرات في الخليج.
فالتهيؤ والأستعداد القتالي والتسلح العسكري ليس له أي منطق أو تفسير أستراتيجي حتى وأن وجد تعليل ساذج نسمعه بين الحين والأخر. والكويت أيضاً، كدول عديدة أخرى هي دولة تجارية تعتمد في دفاعها وأمنها على نظرية الحماية والدفاع المشترك المعقودة مع الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون. فهل يُعقل أن تُبذّر دولة أموالها على مشتريات السلاح وهي التي تتباهى في أعتمادها على قوة الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي لحماية أقليمها وتدفق نفطها؟ أم أن الغرض قد يكون مبيتاً لدفع الأزمات الى درجات الخطر وتصعيد أجواء التوتر التي لامجال لها أن تُفهم أو تنحصر ضمن الدول المجاورة لحدودها الأقليمية؟
مساحة العراق، من ناحية أخرى، هي 437,072 كم2 وتحاذيه دول على جانب كبير من القوة العسكرية والسطوة والمصالح والمطامح الأقليمية للسيطرة. و قوته العسكرية لاتتناسب حجماً وبعداً وتقنياً معها.
بكلمة أخرى، العراق محاط، بشكل عسكري استفزازي، من دول لها مصالح ومطامح شرسة أن صح التعبير، وهذه الدول (تركيا وأيران) لها تأثير كبير على أمنه وسيادته وسياسته الداخلية والخارجية، وساهمت في تأكل أمنه الوطني وتدهوره في السنوات الأخيرة، في نفس الوقت، ولايمكن له معاداتها أو التغاضي عن مراقبة تحركاتها العسكرية وما تمارسه من أدوار لاتتوافق مع مصلحة العراق العليا. وبدراسة الجوانب الجيوبوليتيكية وأرتباطات العراق النفطية والمائية والتجارية والضغوط التي تمارس عليه، فأن خلاصة كل ذلك يعطي للمظاهر السياسية العامة لأي حكومة عراقية دوراً وطابعاً خاصاً مميزاً لثوابت وطنية تجبرها على تجهيز القوات المسلحة كخيار إستراتيجي لامفر منه وربط سيادة الدولة بالتسلح النوعي وأستمراريته.
النقطة الأخرى ذات العلاقة هي أن الأستشارات القانونية التي تعتمد عليها الحكومة الكويتية في مطالباتها بإرتمائها في أحضان المكاتب الأستشارية الحقوقية التفويضية في لندن ونيويورك، أنها لم تُدرِج بالضرورة جوانب قانونية وتاريخية وطوبغرافية سليمة من الوجهة القانونية (كما رأينا في الحجج التي أوردها بعض أساتذة العلوم السياسية التقليديين)، فيما أذا لاحقتها الحجج القانونية الدولية المساندة لأحقية العراق في مطالبات تاريخية ترجع الى ماقبل الغزو العراقي للكويت (وبعده). كما يتضح أيضاً وجود اتجاهات وتيارات مختلفة تحاول ترقيع الأزمة بكلمات جوفاء، ترمي الأزمة من جديد، على كاهل وساطة الجامعة العربية التي هي في رأيي، عاجزة عن الفعل. كما أني أظنُ بأن أستمرارية سياسة الصمت والترقب وأهدار واردات العراق بالطرق الاجرائية الأبتزازية التي لجأت أليها الكويت في التسعينات من القرن الماضي وما تلاها بعد عام 2003 لن تكون خاتمة المطاف، ولن يكون أستمرار التعويضات المختلف عليه، في صالح الشعب الكويتي أو العراقي وجيرانهما في المنطقة على المدى القريب أوالبعيد. ولعل واجب سد الثغرات والتصدع الذي أصاب مقتلاً من البلدين يحتاج لكلمة مسؤولة موثّقة شريفة وشجاعة يسبقها الفعل لتُنهي الأزمة قبل أستفحالها ووصولها الى الصدام.
ليس غريباً أن أقلية قليلة العدد تدركُ مغزى تلكؤ المفاوضات العراقية الكويتية وتعثرها المتعمد وخطورة الأستمرار في طريق أعاقة الجهود المبذولة لحل المشكلة الكامنة التي قد تنفجر في أي لحظة وتخرج من أطارها المرسوم لها في الأوقات العصيبة. ومن المؤسف أن الدولتين لهما مؤسسات تقاوم التغيير وتدفع بالأمور بعجالة وتعصب، ينهي مسؤوليها تصريحاتهم بالأشارة الى أن هذه المطالبات هي ماقررته الأمم المتحدة وليستْ الكويت ومطالبات أخرى لانهاية لها ولاتقبل الحلول العملية لأي لجان فنية أِلا حين يتم فرضها من الخارج، وحينها يرضخ ويتراجع الرأس المتصلب.
أخص باللوم أيضاً جهات برلمانية كويتية متزمته مجبولة بروح الأنتقام وتتنصل عن مسؤولياتها وحجم عطائها النيابي، وهي تدفع بالأزمة الى حافة الخطر والصدام دون وعي وأدراك للنتائج الوخيمة الضارة. أنها جهات الاستماع المرهف والسجود للجانب الأستشاري ألأجنبي الذي قد يُلحق بالمنطقة أضراراً تتجاوز الحدود الأقليمية، ولن يكون حينها، في وسع مجلس الأمن والغرب التعاطف مع الكويت دولياً مهما كانت المبالغ التي تُدفع لمكاتب الاستشارات ألأجنبية، كما أن الأمر قد يضع المسؤولون الكويتون كالشيخ جابر الصباح، وزير الدفاع، وحكومة الشيخ ناصر المحمد الصباح في موضع لايتسم بالواقعية والحكمة السياسية في ظروف عصيبة كهذه. وأظن أن المسؤولين في العراق والكويت يدركون هذه الحقيقة المرافقة للتفكير ومردوداتها الأجتماعية والنفسية على الشعبين الشقيقين ولايستطيعون أزالتها بسهولة، لكونها أجزاء مترابطة بالعادات والتقاليد وقيّم الوطنية رغم قساوتها على الجانبين.
أن من مصلحة الشعبين عدم الأستماع، لنواب الأثارة في مجلس الأمة الكويتي والمنتفعين في مجلس النواب العراقي، وعدم أعارة الأهمية لمقالات أولائك الذين يكتبون في وسائل الأعلام دون دراية أو خلفية، التي قد تكون من أثارها، تعميق الهوة بين البلدين وجرهما الى منزلقات خطرة وصدام جديد محتمل.

ولعل أبسط بداية لتفادي الخطوط الحمراء هو تشكيل لجنة حدودية عراقية كويتية مدنية من وزارات مختلطة لتتدارس الوضع المتأزم ومنع أنتشار خطوط الخطر. كما أنه من الأجدر قيام الكويت بمبادرات لأزلة كل أثار الأجحاف بحق الشعب العراقي وأزالة الخلاف بشأن التعويضات التي ماتزال ترهق الدولة العراقية الفتية والرجوع عن المناطق الحدودية التي جرى ترسيمها من شبكات لجان فنية معروفة ومشبوهة رافقتها هالة دعائية أعلامية، ساعدتْ في تسريع تأزم الوضع.
أن ألأشارات الكويتية المتكررة للمسؤولين العراقيين بأن الحل ليس في يدها وأن الطرف الذي وضع القرارات ضد العراق هو مجلس الأمن، والحديث العقيم عن الاسرى ورفات المفقودين الكويتيين، أصبحت من المواضيع التي لاتؤدي الى أي منفذ للحلول الدولية القانونية الحديثة. والعراق يفهم سبب الرغبة الكويتية للنوم على هذه القرارات وأطالة مفعولها وفعاليتها، مادامت النسبة النفطية التي يدفعها العراق مُرغماً مستمرة.
ومع أن ألأمين العام للأمم المتحدة دعا وناشدَ الكويت لأبداء المرونة وعدم التشدد بالنسبة لأطالة أمد الديون ورغم كون الجانب الأميركي يبذل جهوداً حثيثة لأفراغ الخطر وأحتواء نقمة القيادة العراقية العسكرية وحقد ضباط في القيادة الكويتية وطمأنة الجانبين بأن الأدارة الأمريكية ترغب في تثبيت ألأستقرار وأيجاد حلول مرضية للطرفين أِلا أن الظروف العامة لاتُبشر بالخير لقصر النظر السياسي والرؤية الثقافية السياسية للمسؤولين في البلدين وأمتناعهما عن فهم متغيرات العصر.
وأخيراً، أن المقصد الأنتقادي التحذيري هنا، موجه بشكل خاص الى نوايا المسؤولين في البلدين ودرجة حرصهم على مصالح الشعبين، لأن طرق أستماعهم للتوصيات الأجنبية الأستشارية التي يقدمها أليهم الصديق (المستشار الغربي الودود المُرواغ)، قد تكون المنزلق الجديد لكارثة أعظم.
فهل سيكون بالأمكان أن نحلَ مشاكلنا بأنفسنا دون اللجوء للسلاح!؟؟

[email protected]

ملاحظة : لأسباب تتعلق بأصول النشر، يرجى عدم الأقتباس دون الرجوع الى الكاتب.