في الثلث الأخير من القرن المنصرم، كان وضع الكرد في سوريا، أقل معاناةً من وضع الشعب الكردي في كل من: تركيا - العراق ndash; إيران، حيث أوقف العمل بالمرحلة الثانية من مشروع الحزام العربي، والذي كان يهدف لترحيل الكرد من مناطقهم الحالية الى مناطق أخرى، وتم غضّ النظر عن بعض النشاط السياسي والثقافي الكردي، وأفسح المجال للاحتفال بالعيد القومي للكرد نوروز، وتشغيل الآلاف من المواطنين الكرد في مؤسسات وشركات الدولة، وأصبحت العاصمة السورية ملاذاً لقيادات المعارضة الكردية، العراقية، والتركية, وقد كان مأمولاً أن تكون الحكومة السورية سبَاقة في اتخاذ إجراءات عملية لمعالجة أوضاع كردها في السنوات الأخيرة، قبل غيرها من الدول التي يتواجد فيها الشعب الكردي، نظراً لتوافر العديد من المقدمات الصحيحة، التي كان يمكن البناء عليها بدءاً من سياسات الانفتاح النسبي التي اتبعت حيال الكرد، من جانب الرئيس الراحل حافظ الأسد، ومن ثم إيلاء الرئيس بشار الأسد اهتماماً بمحافظة الحسكة، تجلى في زيارته لها عام 2002، وتأكيده أثناء اجتماعه مع فعاليات اقتصادية واجتماعية من المحافظة، بان الأكراد مواطنون سوريون، ويحق لهم ما يحق لغيرهم، وإن الإحصاء الاستثنائي خطأ ارتكب، وإن الاستمرار فيه خطا أكبر، ونقل عنه تأكيده ذلك في اجتماع القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية في الشهر العاشر، من العام نفسه، وتصريحات بأن القومية الكردية جزء أساسي من النسيج الوطني السوري والتاريخ السوري، ولا بد من حل مسألة الإحصاء الاستثنائي، وهو ماأعلنه في خطاباته لاحقاً بقوله:quot; إن معالجة هذه القضية قد حسمت والمسالة فنية بحتةquot; كما أوصى المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم المنعقد في حزيران عام2005 بحل هذه القضية، وعلى صعيد الحكومة، فثمة مشاريع عديدة خصصت بها محافظة الحسكة للتنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وفي عام 2006 استقبلت السيدة د. نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية وفداً من قيادة الحركة الكردية في سورية، تبعتها بلقاء وفد من المثقفين الكرد، وبحثت معهم مسالة الإحصاء، وتم التوافق حول الإجراءات اللازمة لحلها، وفي هذا السياق تجمع معظم القوى الوطنية ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في سورية داخل السلطة، وخارجها، على ضرورة إيجاد حل للقضية الكردية في سورية، وفق أسس وطنية وديمقراطية، ويشترك معهم في هذه الرؤية معظم الأحزاب الكردية في سورية، لأنها تنطلق من الأرضية الوطنية السورية، وتسعى لتمتين الوحدة الوطنية، وقوننة الحياة العامة، وإصدار قانون للأحزاب السياسية، وتقر بأهمية استقلالية قراراتها السياسية، وخصوصية نضالها القومي، وبعدها الوطني السوري، و تضع في صلب أهدافها المحافظة على السلم الأهلي، وتعتمد خيار التغيير الديمقراطي السلمي التدرجي في البلاد، بالتعاون والتنسيق مع القوى الوطنية الأخرى.
نقول: على الرغم من توافر كل الإمكانات اللازمة، لحل هذه القضية الوطنية، (والتي لها تداعيات مهمة لتمتين النسيج الوطني، وتعزيز الوحدة الوطنية)، فإن الجهات المعنية في الحكومة لم تترجم أياً من التوجهات الايجابية المذكورة، أعلاه، حيال الكرد في سورية، الى خطوات عملية، تهدف لإنصافهم، ولا تزال غير مكترثة بذلك وبالأجيال اللاحقة من الكرد التي تجبل بالمعاناة والمرارة، وتصر هذه الجهات على التشبث بالمنطلقات الأيديولوجية والادراية والتصورات التي كانت سائدة في مرحلة زمنية، حيث اعتبرت الكرد مجموعات لاجئة، لاحق لها بالجنسية، أوغيرها، من الحقوق القومية، وهذه الأطروحات بمعظمها سقطت وتآكلت نتيجة للتحولات الثقافية والفكرية التي حدثت في المنطقة، والعالم، لمصلحة حقوق الإنسان والمواطنة.
في محاذاة ذلك، حدثت وتحدث تغييرات حقيقية، وجوهرية، في التحالفات الإقليمية وفي المواقف من القضية الكردية على صعيد المنطقة، حيث باتت تركيا التي كانت تمانع في أي حل لها، تبادر للحوار مع حزب المجتمع الديمقراطي، وفعاليات كردية من المجتمع المدني، لوضع حد للعنف في المناطق الكردية، ومنحهم بعضاً من حقوقهم القومية، عبر المزيد من الانفتاح الديمقراطي عليهم تعزيزا لدولتها وهويتها الوطنية وأصبح الكرد في العراق شركاء حقيقيين في بناء الدولة العراقية، ومؤسساتها وفق منظور ديمقراطي وتعددي، ويتمتع الكرد في إيران بهامش من حقوقهم الثقافية، ويزداد الاهتمام بهم من قبل أوساط واسعة من القوى الحاكمة، وأوساط الرأي العام في إيران
وهنا تتبادر للذهن، استفسارات عديدة، حول الجدوى من إبقاء الكرد في سورية ضمن دائرة الإلغاء والتهميش، والمزيد من السياسات التمييزية المطبقة بحقهم، وعدم الاعتراف بهم، ومن المستفيد من ذلك؟. فالسياسة الإقليمية التي كانت تستهدف الكرد، قد ولت، وفشلت كل الإجراءات في إقصاءهم وإلغائهم من المشهد الوطني، بل إن مستلزمات لملمة الحالة الوطنية، وفي سياقها أعلن السيد رئيس الجمهورية بأن الكرد جزء من النسيج الوطني السوري، وان من حقهم مساواتهم مع غيرهم من المواطنين السوريين، وتطالب معظم الفعاليات السياسية والمدنية السورية بإيجاد حل لقضيتهم، والدستور السوري ينص في مواده: الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين والسابعة والعشرين على أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات، ولكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وينظم القانون ذلك، وعلى أن الحرية حق مقدس، وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية، وتحافظ على كرامتهم وأمنهم.
وعلى صعيد العلاقات الدولية، فإنه، وكلما كانت حقوق الإنسان والأقليات مصانة في البلاد، فإنها ستعزز وتقوي موقعها في المنظمات الدولية والإقليمية، لأن مواثيق حقوق الإنسان باتت ذات صفة عالمية، وتخصص لها بنداً في العديد من اتفاقات الشراكة بين الدول، مثل: الشراكة الاورو- متوسطية، واتفاقات منظمة التجارة العالمية، وثمة جهات تراقب مدى التزام الدول بهذه العهود والمواثيق واحدث مفوضية سامية لحقوق الإنسان تابعة لهيئة الأمم المتحدة.
لقد آن الأوان لتناول الشأن الوطني، وفق منظور حضاري، و التفرغ لبناء الدولة- الأمة سورياً ونشر ثقافة تعبر عن ذلك والكف عن التشكيك بالولاء الوطني لكرد سوريا، لأن هذه الإدعاءات الباطلة، لاتخدم سوى أصحاب الرؤية القصيرة، المتمترسين في خنادقهم، وينظرون للواقع من وراء نظاراتهم الخاصة بهم، ووفقاً لمصالحهم فقط.
ويبقى السؤال: إذا كانت كل الظروف جاهزة لحل القضية الكردية في سورية، فما الذي يمنع السيد رئيس الجمهورية من البدء بمعالجتها، وفقاً لصلاحياته الدستورية في إطار تعزيز الوحدة الوطنية ؟.
هل هي مرتبطة بثقافة الحزب الحاكم، والتي لا تعترف بغير العنصر العربي؟ أم بمسألة الديمقراطية، وحقوق الإنسان في البلاد عموماً؟ أم بالوضع الإداري غيرالقادرعلى معالجة مثل هذه القضايا على صعيد الدولة؟ أم لاعتبارات أخرى لاندري بها...؟....لكننا في الحصيلة نعتقد بان هذه القضية مرتبطة بنسبة لايستهان بها من المجتمع السوري، وحلها يصب في خانة وحدة المجتمع، وتماسكه، بعيدا عن أية اعتبارات أخرى.
- آخر تحديث :
التعليقات