أحرزت ليبيا في يوم واحد هو العشرون من شهر أغسطس الحالي، مكسبين علي قدر كبير من الأهمية.. الأول تمثل في نجاح مفاوضاتها لإطلاق سراح سجينها عبد الباسط المقرحي من سجنه في اسكتلندا، والثاني إعتذار الرئيس السويسري في طرابلس عن الخطأ الذي أدي إلي إعتقال نجل الزعيم الليبي قبل أكثر من عام في جنيف..
قد تختلف أو تتفق مع النظام الحاكم في ليبيا.. وقد تؤيد او تعترض علي نهج الزعيم الليبي وممارساته السياسية، لكن هذين المكسبين لا يمكن لأي منصف إلا أن يشهد لطرابلس بالقدرة علي توظيف أورقهما لتحقيق مصلحة من ورائهما علي طول الخط..
بالنسبة للإفراج عن المقرحي كانت مواقف الطرفين البريطاني والليبي سجال، حتى أدلي وزير العدل الاسكتلندي ببيانه الذي أعلن فيه إطلاق سراح المقرحي لأسباب إنسانية.. رفضت برطانيا منذ عام 2005 مقترحات ليبية عدة بدأت بطلب الافراج عنه كلية ثم تنوعت بين نقله إلي سجن في بلد إسلامي أو إلي سجن في ليبيا نفسها.. وردت الجهات المختصة بأنها لا تضمن تنفيذ عقوبة السجن عليه بالكيفية المنصوص عليها إن هو نقل إلي أي من المكانيين لخشيتها من أن يتعاطف البلد الإسلامي مع السجين أو أن يُفرج عنه في بلده بعد قضاء فترة قصيرة لا يُعتد بها..
وقع الطرفان في شهر مايو الماضي إتفاقية تبادل سجناء ومكافحة إرهاب وتنسيق معلومات، وقالت بعض المصادر أن الإتفاقية مقصود بها المقرحي علي وجه التحديد.. وبعد موافقة الجهات التشريعية هنا وهناك عليها دخلت الإتفاقية حيز التنفيذ وأصبح من حق ليبيا أن تطالب بتفعيل بنودها، وكان أن طبقت عليه..
إلي جانب الإتفاقية القضائية، عملت ليبيا علي تكثيف النظر ناحية الجانب الإنساني لرجلها والمتمثل في تكيف مطلب الافراج عنه لإسباب إنسانية بعد ثبوت إصابته بمرض سرطان البروستاتا.. وكان من الطبيعي أن يقرر هذه النقطة فريق طبي بريطاني واسكتلندي..
قال البروفيسور كارول سيكورا أخصائي الأورام الذي زار السجين الليبي خلال شهر يولية الماضي في تقريره الذي قدمه لوزارة العدل الاسكتلندية quot; إنتشر المرض في جسمه، نعتقد انه لن يعيش سوي فترة قصيرة جداً quot; وأوصي quot; بضرورة إتخاذ قرار عاجل بشأن مستقبله قبل حدوث مزيد من التدهور في حالته الصحية quot;..
لم تكتف وزارة العدل الاسكتلندية بهذا التقرير وإنما ناقشت فريق المحامين عن المقرحي في فرص سحبه للإستئناف الثاني الذي كان يستعد لتقديمه مندداً بالإجراءات الأمنية التي شابها الكثير من الأخطاء والتى شكلت الأرضية التى أدين في ضوئها..
ولما استوثق رجال القانون من التقرير الطبي، وقام المقرحي بسحب الإستئنااف.. أصدر وزير العدل قرار الإفراج عنه..
إعترضت أطراف كثيرة.. أسر ضحايا في اسكتلندا وأسر ضحايا في أمريكا، وإعترض البيت الأبيض ووزارة الخارجية، لكن الرجل ركب الطائرة وعاد إلي وطنه..
ما يهمنا هو ما بدأت تتكشف عنه توابع قرار الإفراج عنه..
القرار في حد ذاته لا تشوبه شائبة قانونية، لكن يشوبه علاقة إستجابة لضغوط بريطانية!! وهناك من يقول ان المنفعة البريطانية سبقت الإخلاق والقانون.. فقد أعلن الزعيم الليبي وهو يستقبل المقرحي أن خطوة الافراج عنه ستنعكس إيجابياً علي علاقات بلاده ببريطانيا وعلاقته هو بها!! سيف الإسلام القذافي لم يُنكر أن قضية المقرحي كانت حاضرة في كل أتصال وقع بين بلاده وبريطانيا، أثيرت في إيطاليا لما تقابل القذافي مع رئيس الوزراء البريطاني وأحتلت المرتبة الأولي عندما دخل البلدان في المرحلة الأخيرة لمستقبل علاقتهما التجارية وحجم التبادل الإستثماري وحاجة بريطانيا من النفط الليبي..
لا أحد ينكر أن ليبيا كانت بارعة عندما استخدمت كل أوراقها المالية والإستمثارية والنفطية لهدف الإفراج عن رجلها، طالما وجدت الطرف الذي يتسجيب..
أما إعتذار هانس رودولف الرئيس السويسري في طرابلس أثناء زيارته الرسمية لليبيا فكان، برغم عدم الاهتمام الكافي به من جانب وسائل الاعلام، المكسب الثاني عالي الصوت الذي أضاف ثقل جديد لأوراق اللعب الليبية في الساحة الأوربية..
في شهر يولية 2008 إضطر هانيبال نجل الزعيم الليبي إلي سداد مبلغ نصف مليون فرنك سويسري (حوالي 312 الف يورو) مقابل الإفراج عنه بعد إحتجازه علي أثر شكوى تقدم بها خادمان كانا يعملان عنده وعند زوجته في شقتهما بجنيف..
الإحتجاز لمدة يومين للمشكو في حقه وزوجته، تم بناء علي إدعاء من جانب الخادمين بسوء المعاملة.. وبعد الإفراج غادر الزوجان جنيف..
بعد الحادث بعدة أسابيع قامت طرابلس بوقف شحنات النفط التي تزود بها سويسرا وسحبت من بنوكها ما قيمته خمسة مليارات يورو، وأوقفت العمل ببرنامج التعاون بين البدلين وفرضت قيود علي حركة الشركات السوسرية في ليبيا..
قيل في وصف ردود الفعل الليبية الكثير.. أنها غير اخلاقية، متعارضة مع المواثيق، لا تتوافق مع القانون الدولي.. الخ.. لكن لا النظام الليبي الحاكم تراجع عنها ولا أصدر الزعيم الليبي أمراً بالتخلي عنها..
بشرت وزيرة الخارجية السوسرية مشلين كاملي الشهر الماضي بقرب إنفراج الأزمة القائمة بين بلدها وليبيا، عندما أكدت موافقة الطرفين علي عقد لقاء بين هانس رودولف ومعمر القذافي quot; بهدف إحتواء الأزمة القائمة بين البلدين quot;..
وها هو الرئيس السويسري يعلن (20 أغسطس) من طرابلس أثناء زيارته الرسمية لها إعتذاره عن ما تعرض له ابن القذافي في جينف.. وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الليبي البغدادي علي المحمودي quot; أقدم إعتذاري إلي الشعب الليبي علي قيام شرطة جنيف بإعتقال دبلوماسيين ليبيين في شكل ظالم quot;..
لا نناقش هنا قول البعض أن النقود صوتها عالي، ما يهمنا في المقام الأول هو كيفية الإستفادة من أوراق اللعب المتاحة وتلك التى في جيب الخصم!!..
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا
التعليقات