كل المؤشرات تدل علي أن طريق اعلان تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري ازداد ظلاما ومتاهة بعد المؤتمر الصحفي الذي عقده الجنرال عون يوم 17 الجاري..
اصر الجنرال طوال حديثه الجماهيري علي أنه ليس من حق الرئيس المكلف إستبعاد من ترشحه كتلة 14 مارس لشغل منصب أي منصب وزاري، حتى لو لم يكن فائزا في الانتخابات النيابية الاخيرة وعليه ان يسلمه حقيبته الوزارية بلا تأخير او ممانعة!!..
الجنرال بموقفه الصلب هذا يشير إلي صهره جبران باسيل الذي يصر علي تسند إليه حقيبة وزارة المواصلات منوها جماهيريا بانجازاته، يعضده في ذلك حزب الله من زاوية انه لا يوجد نص في الدستور يمنع من توزير quot; الخاسرين الانتخابات quot;..
وبينما ينفي سعد الحريري حق القوي السياسية ان تفرض علي الرئيس المكلف من تشاء من مرشيحها لأن النص الدستوري النافذ في هذا الخصوص يحصر هذا الحق في المرشح لرئاسة الوزارة ورئيس الجمهورية فقط، يصر علي عدم احقية النائب quot; ساقط الانتخابات quot; في شغل الكرسي الوزاري..
لبنان كله بعد ثمانية اسابيع من تكيلف الرئيس ميشال سليمان لسعد الحرير بتشكيل الوزارة اللبنانية يعيش في محنة لم يتعرض لها من قبل.. هناك من يترحم علي الأيام التى كانت فيها سوريا حتى عام 2005 هي صاحبة الحسم في كل ما يتصل بتشكيل الوزارات اللبنانية.. وهناك من يفضل الرأي القائل بأن صيغة اتفاق الدوحة برعاية قطر تحتاج لجولة تصحيحية لكي يؤكد علي صيغة 15 ndash; 10 ndash; 5 التى اختلت بعد اخراج وليد جنبلاط وحزبه الاتشراكي التقدمي من التحالف الذي كان يجمعه مع كتلة 14 مارس..
لبنان يعيش في المجهول لأن كل قواه السياسية غير قادرة علي تحديد موعد إعلان تشكيلة البلاد الوزارية.. الجنرال عون أقسم بعيون صهره quot; لن تكون هناك وزارة من دونه quot;.. الرئيس المكلف يفضل التريث وعدم التصعيد.. وليد جنبلاط يرفض ان يدينه أحد ويتمسك بأن موقفه الارتدادي هو خطوة نحو الوسط.. رئيس الجمهورية ينتظر ان يعرض عليه سعد الحريري التشكيله في صيغتها النهائية لكي يقوم بدوره الدستوري..
لكن متي؟؟ سؤال يبدو انه سيبقي ndash; بكل أسف - بلا إجابة لفترة قادمة غير معلومة حتى لصناع القرار في لبنان..
لا أحد يهتم في لبنان كلها بحالة المواطن واحتياجاته الاساسية.. كلهم سعداء بموسم التصييف الذي مر في هدوء وانعش حالة البلاد الاقتصادية والخدمية ووفر فرص عمل لعدة ألآف من الشباب، خاصة وانه مر بلا منغصات من أي نوع.. الكل يتخندق مرة في مربع العروبة ومرة في ممر المقاومة ومرة بالعودة إلي اليسار، وكأن لبنان نسي في خضم معاركة الداخلية هذه القضايا أو هجرها..
كلهم يعرفون ان كل ما نادت به القوي السياسية قبل الانتخابات وبعدها، لا زال حبر علي ورق.. وكلهم يعرفون ان صراعاتهم وجريهم خلف الوزارات السيادية والخدمية لم يُطعم طوال الثمانية أسابيع الماضية مواطناً ولم يقدم له علاج ولا وفر لعائلته مكاناً في الغد.. كلهم سمعوا سعد الحريري وهو يرفض تشكيل حكومة quot; كيفما اتفق quot;.. وكلهم يتحدث في نفس الوقت عن تعديل دستوري وإعادة نظر في إتفاق الطائف، بل هناك من ينادي في وسط هذا الإحباط باعإدة النظر في صلاحيات رئيس الجمهورية!!..
تساءلت الكثير من التقارير الإوربية هذا الأسبوع عن معني تعطيل تشكيل حكومة لأكثر من ثمانية أسابيع في بلد يقال أنه نموذج للديمقراطية!! وفشلت بعضها في ايجاد علاقة ما بين هذا الوضع المأساوي وبين المطالبة بتحويل البلد إلي أرض للمقاومة والممانعة!! وكشفت وسائل إعلام فرنسية في أكثر من تغطية لها من داخل لبنان أن هذا الوضع لا يدعو للإستقرار الداخلي أو الإطمئنان الخارجي.. وأشار بعضها إلي أن حالة الإنتعاش الصيفية تخفي ناراً مستعرة تحت الرماد..
لا أحد ينكر مصطلح التعاطي السياسي الذي يتعايش منه وعليه المجتمع اللبناني، لكن هذه الحقيقة يجب ألا تنسينا أن الغالبية لا يقفون كثيراً أمام صيغ التشكيل الوزاري التى تتنقل من 10 + 10 + 10 إلي 15 + 10 + 5 ثم تتراتب علي مستوى 12 + 10 + 5 + 3، هذه الغالبية تريد حكومة اتحاد وطني تعبر بصدق عنها وليس عن المصالح الشخصية والحزبية والطائفية والإنتخابية مضافاً إليها الإقليمية والدولية!!..
هذه الصيغ التى تري الأكثرية الجماهيرية أنها قادت البلاد إلي المحن والكوارث والحروب، لم تعد تصلح لأنها هي التي عطلت تشكيل حكومتها الوطينة لأكثر من شهرين.. ونخشي أن يمتد أمد تعطيلها أسابيع أخري..
حالة لبنان المبكية تبين بجلاء أن ديمقراطية التحالفات إذ لم تجد من يساعدها علي الخروج من عنق الزجاجة المحشورة فيه، فربما إنكسر جدارنها.. لأن سجالاتها العقيمة لا تساهم في تعزيز استقرار المجتمع ولا تبشر بفك الحصار الذي يعيش فيه مواطنيه بين الظن واليقين..
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات