يسعد اليمن بزيديّه و حوثيـّه وإسماعليّه وإماميّه وشافعيّه وسلفيّه وصوفيّه وعلمانيّه!

يشد الواقع اليمني إهتمام الإعلام العالمي. ومع الوقت يزداد الرأي العالمي إطلاعا بخصوصياته وشئونه الداخلية. فالمشهد السياسي في اليمن يثير عدة أسئلة حول مسار مكوناته المذهبيّة المتباينة وقدرتها على تفكيك وحدته. ولكن دعنا عزيزي القارئ نبتدئ بقراءة نص منشور في موقع quot;المجلس اليمنيquot;. نص كتبه زيدي. نص يوجز ببلاغته العفوية عمق الطائفية اليمنيّة الراهنة:

quot; كنا عايشين في خير (زيدية و شافعية) لا تعصب و لا كره. نصلي في مساجد اهل السنة ولا نسأل هل هي سنية و لا شيعية.............أهم شئ نصلي. اناس تسربل في الصلاة و آخرون يضمون ولا أحد يكفر حد،أهم شئ بأنهم بيصلوا ويذكروا الله...... بالأمس فتحت الصفحة الأخيرة في المجلس الإسلامي و حزنت كثيراً على الحال الذي وصلنا فيه. المواضيع مختلفة تماماً وأعجبني موضوع يترحم فيه كاتبه على quot;ابن عثيمينquot; (عالم من علماء السلفية السعودية) ويترحم على أحد علماء الشيعة. مواضيع تحمل تاريخ 2000 م.. ماكانش في لابن لادن ولاقاعدة... افتحوا الصفحة الأخيرة من المجلس الإسلامي و شوفوا أين كنا و فين أصبحنا. آخ عليكِ يابلاديquot; انتهى النص.

بعد أن حكم الأئمة الزيديـّون اليمن لمدة تقارب 1073 عاما قام quot;الجمهوريونquot; من عام 1962 بتحرك عسكري نجح من إسدال الستار على حكم الأئمة. بعدها انقسمت اليمن إلى شمالي وجنوبي. شكل الزيديّون قرابة 50% من تعداد اليمن الشمالي ومع وحدة اليمنيتين تراجعت نسبتهم إلى 30% في وسط غالبية سنيّة في يمن يقدر سكانه ب20 مليون نسمة.

في 1994 أي بعد أربع سنوات من وحدته نشب قتال قاده الشماليّون. ولشحن همّة المقاتلين استعانت quot;صنعاءquot; بخطاب إعلامي سلفي نمّط الجنوبيين داخل صورتين 1) بأنهم علمانيون لا دينيون أو 2) متصوفة منحرفون. بعد أن تحقق لها النصر، نست صنعاء إغلاق صنبور إعلامها هذا. وباستمراره بدا وكأن هناك تحالف بين صنعاء السياسي و السلفيّة الدينيّة. وعندما قام الخطاب التـّطهُري السّلفي يعالج ما يعده انحرافات الزيديّه لم يعد واضحا أكانت السّجية السلفيّة النـّاصحة هي من يثيره أم صنعاء؟

نعم كل الفرق الإسلامية وبدوافع الرغبة في النصح تشرّع وتمارس حراكها الاجتماعي. لكن كيف ومتى ونوعية أدوات النصح تضل محل تساؤلنا. هناك أنموذج سلفي أجاد فن التـّحاور والنصح دون أن يتنازل عن سلفيته وهو أنموذج الشيخ محمد ناصر العَبودي. ولكن لسبب مجهول لا نجد من يروج له. بالمقابل تبرز شخصية الشيخ مقبل الوادعي اليمني (رحمه الله). استطاعت سلفيّة الشيخ مقبل من خلق قطيعة بينه وبين المعتدلين كما أنها روجت لفكر عدم التحاور مع quot;الحكوماتquot; بنعتها بالكفر وبتحريم التعامل معها. على نقيض هذا التوجه شاعت سلفيّة قائمة على نموذج quot;أسمع وأطيع دون مسائلة وتصويب من أطيعquot;. نسبت السلفيّة السمع طاعويّة إلى نفسها الصلاح وادعت لعقود مضت أنها هي quot;البطانة الصّالحةquot; التي يحق لها دخول البلاط السلطاني وممارسة النصح لهم. وبدون وجود قنوات اتصال مع جماهيرها لتمثيل همومها وبدون إحاطة علم جماهيرها بكيفية اختيارها لمحاور النصيحة أو عن مدى تجاوب السلاطين له، مارست quot;البطانة الصالحةquot; عملها. هكذا أستخدم حديث quot;السمع والطاعةquot; الشريف (وهو حديث ينصح الأمة بالالتزام في إطار نظام الدولة) لغاية أخرى وهي منع المسلمين من ممارسة النقد الكلامي الهادف إلى تقويم أخطاء السلطان. جرّاء ذلك عطل السمع طاعويّون أداة التصويب القوليّة الكلامية المستندة إلى الحديثين quot;كلمة عدلquot; و quot;كلمة حقquot; الشريفين والتي كان يفترض أن يمارسه كل فرد (وعدم اقتصارها على نخبة البطانة الصالحة) من أجل أن يتعلم أرقى أنواع الجهاد وضبط النفس ألا وهو تصويب الحكومات الجائرة بأسلوب حضاري من داخل منظومة quot;السمع والطاعةquot;.

على غرار احتقان الوضع السياسي العام وكردة فعل على السمع طاعويّة ولدت سلفيّة متوترة أباحت استخدام السلاح. بمثل هذا الحدة في التعامل مع الآخر قامت سلفيّة الشيخ مقبل بنقد الزيديـّة بقسوة شديدة وأمام هذا الحصار المذهبي\الثقافي تشكل ردة فعل الحوثيين. يدعي الحوثييون أن أتباع مذهبهم يتعرضون إلى عقاب اقتصادي كما أن مذهبهم يتعرض للانقراض والذوبان نتيجة مخطط تنفذه صنعاء. على غراره تحرك الشيخ بدر الدين الحوثي بمساندة أبنية الشيخ حسين بدر الدين الحوثي (ت 2004) والشيخ عبد الملك بدر الدين الحوثي على عدة محاور أهمها استخدام السلاح اعتقادا منهم بقدرته على المحافظة على خصوصيتهم المذهبية.

الحوثيين فقط %25 من إجمال أتباع المذهب الزيدي وهو لا ينطق بلسان كل الزيديين لقيام خطابه على شتم الصحابة. الزيديّة تتبع نهج مؤسسها الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ت 298هـ) والمؤمن بثقافة التصالح مع المذاهب. بإتباع نهج سب الصحابة فرّغ الحوثييون الزيديّة من مشروعه الرامي إلى التصالح مع الفرق الإسلامية وأقحموه في ساحة الصراع والتقاتل بين المذاهب. كما أنهم خرجوا على موقف الإمام quot;العباس بن الحسينquot; الذي رفض تلك الإماميّة الصفويـّة التي روج لها السيد يوسف العجمي (1747) الشاتمة للصحابة كما أنه رفض سلفيّة الإمام الهاشمي الصنعاني (ت 1768) المتشددة. الحوثيّة تقتدي باليمنيين من تلامذة السيد يوسف مثل الشيخ رزق بن سعد الله بن محمد (ت 1778 م) والشيخ علي الجلال، والشيخ علي النهمي والشيخ يوسف بن الحسين والشيخ الحسن الهبل وغيرهم. وحاليا عندما تحاول الحوثيّة الحصول على دعم من بقايا الإمامية الصفويّة الشـّتامية فإنها تخرج على نهج الإمام الخميني الملغي للإماميّة الصفويّة بتجديده للإماميّة العلويـّة (إثنى عشرية غير شتاميّة) من خلال مجموعة من فتاويه التـّصالحيّة التقريبيـّة بين السنـّة والإماميّة الإثنى عشريـّة.

موضوع حرمان الحوثيين من قدرتهم على ممارسة معتقداتهم شيء ولكن مبدأ الخروج على الحاكم quot;المنحرفquot; شيء آخر لأنه عقيدة زيديّة مركزية ولا ينفع السلاح معها. وأذكـّر الأطراف في القيادة اليمنيـّة التي تؤيد الحل العسكري بهذا البيت: أوْرَدَهَا سَعْدٌ وسَعْدٌ مُشْـتمِلْ *مَاهكَذَا يا سعدُ تُورَدُ الإبل. لا يمكن للسلاح من حل المشاكل. أعطوا الحوثيين فرصة الخروج على quot;الفسادquot; الذي يرونه موجودا في النظام من خلال إعادة إيمان الحوثيين بقدرة الوسائل الديمقراطية على تحقيق تغير في اليمن. أعطوهم الفرصة لتأسيس أحزاب قادرة على العمل. أشركوهم في حراك سياسي وثقافي حقيقين. هذا أصلح من تجاهل النقد الحوثي للنظام وأنجح من نهج قصف النفاثات.

ختاما أناشد الشيخ العلامة عبدالمجيد الزنداني، الحبيب علي زين العابدين الجفري، الشيخ محمد العبودي، آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله بعدم ترك الأمة فهي بحاجة إليهم وحري بهم أن يشكلوا لجنة للوساطة وحل المشكلة