لا بد ان يعترف المرء القويم بان العراقيين ومنذ 2003 ما زالوا يعانون من المآسي والمرارة والأحزان في مجمل سير حياتهم اليومية، وانهم اصبحوا لا يعيرون اهمية عن معرفة الجهة المسؤولة عن قتل هذا او اختطاف ذاك ولا عن الجهة المسؤولة عن التفجيرات بالعبوات او بالمفخخات، فذاك يفترض ان يكون من واجبات الحكومة المسؤولة عن امن وسلامة ورعاية شعبها، نعم فالعراقيون الأبرياء سئموا وشبعوا من تصريحات المسؤولين والتي في غالبيتها لا غير صادقة ولا حقيقية فالعراقيون اصبحوا وفي ظل الديمقراطية التوريطية قد اقتنعوا بانهم حتى وان تكلموا فلا اهمية لهم، لا بل اصبح ليس من واجبهم معرفة من يقف وراء اثارة العنف والجريمة في عراق ديمقراطية التوريط سواء كانت وراءها دول او مجموعات ارهابية او تنظيمات بعثية مجرمة او من ميليشيات تابعة للاحزاب الطائفية والعنصرية الحاكمة، وانما اصبح واجبهم الاستماع لما تصرح به الحكومة كذب كان ام دغدغة عواطف، وطبعا جميعنا يعلم مالذي سيلاقيه المعترضون!


الغريب ان اعضاء الحكومة او البرلمان يتبادلون التهم كما يشاؤون وينتقدون الواحد ضد الأخر ويكشفون اسرار وفساد بعضهم البعض ولكننا لا نرى اي تعديل في مساراتهم بل نراهم في اليوم التالي مبتسمين وكأن شيئا لم يكن، ولا اريد هنا ان اذكر اسماء محددة ولكني اود الاستناد الى البعض من اعضاء البرلمان العراقي الذين فضحوا من امتلئت كروشهم بالسحت الحرام والذين ما زالوا مستمرين في حشوها دون اي مسائلة، فهل نظر هؤلاء الح.......الى حال الجياع من العراقيين بسبب البطالة الواسعة التي نتجت جراء عدم كفاءة القائمين على حكم الشعب العراقي وخاصة من الناحية المالية والمعاشية، هل نظر هؤلاء الى مأساة المهمشين من الأقليات القومية والدينية وغيرهم ممن ينتشرون في أنحاء العراق من الشمال الى الجنوب وقد هربوا من الجوع والعنف الطائفي بحثا عن لقمة العيش وعن من يحميهم من أذى المتخلفين والمشعوذين والخارجين عن القانون وقد وجدوا كل ذلك الأمان في كردستان العراق لأن الكردستانيون سبقوكم في احترام اصحاب الأرض الأصلاء من ابناء هؤلاء الأقلية واحتضنوهم وقدموا لهم يد المساعدة بل واكثر، فتحية لأهل كردستان، هل تدركون بان سبب كل عذاباتهم وعذابات العراقيين عموما ناتجة بسبب سياساتكم التمييزية ايها المتخلفون، لقد اجبروا العراقيون بهجر دار سكنهم بل وحتى الوطن.

هل نظر هؤلاء الحكام الى محافظات العراق والى حال مواطنيها البؤساء الذين يبحثون عن الصمون في المزابل، هل نظر هؤلاء الى مستوى مؤسسات التربية والتعليم والصحة وعن اشكال وجوه وكفاءات من عين ليديرها، لقد اصبح العراق من دول ما قبل القرون الوسطى بعد ان كان العلماء والمثقفون وكما يوصفون باعمدة الوطن فاعلين ويسعون للارتقاء بالعراق الى العلى، اما اليوم فلا مكان لهم في عراق العنف والطائفية والفساد rsquo; لقد تعرض المئات منهم الى التصفية و التهجير.

ولأننا ما زلنا بصدد مآسي العراقيين فان الصحفيين الحرفيين وهم شريحة من ابناء الشعب العراقي والذين كانوا الوحيدون الذين ينقلون حقيقة ما يجري في العراق الى العالم، فقد تعرض العشرات منهم للقتل او الترهيب وآخرها كان مشهد طرد الصحفيون من جلسة البرلمان العراقي الخاصة حول تفجيرات الأربعاء الدامي الذي طال وزارتي الخارجية والمالية ودور المواطنين الأبرياء وذلك وحسب ما صرح به المطرودون لمنعهم من اظهار الحقيقة، فالى متى سيبقى العراق ينزف دما والى متى يختبأ الفاشلون تحت عباءة الديمقراطية والتي لا يؤمن بها مروجيها اصلا.

بعد احداث الأربعاء توقع العراقيون بان شيئا مهما سيعلنه السيد المالكي حيث ظهرت في الأفق خيوط بسيطة عن من يقف وراء التفجيرات واعمال العنف الأخيرة، ولكن ومع الاسف فان رئيس الوزراء لم يستطع كسب ثقة الشارع العراقي بل ظهر في كلمته وكأنه لا يملك القدرة على كشف المتورطين الفعليين بالرغم من معرفته بالمجرمين الحقيقيين، اليس من مصلحته وهو على ابواب الانتخابات ان يكسب ثقة الشعب من خلال كشف القتلة ومن يقف وراءهم بشكل واضح ودقيق والابتعاد عن التعميم، اننا لا نريده كبعض من الحكام العرب حيث ينفردون ويخفون الحقيقة عن شعوبهم، ويبدو لنا بان ما سرب من معلومات الى السيد المالكي من قبل مستشاريه او المحيطين به حول ما جرى في الأربعاء الدامي لم يكن دقيقا حيث ظهر ذلك جليا من خلال كلمته الغير واضحة، وهذا يؤكد بان المحيطين بالسيد المالكي غير كفوئين ولا يملكون حرصا لا على المالكي ولا على الوطن والشعب، وانهم غير مستعدين للمجازفة بكراسيهم انهم انتهازيون، وبما اني قد ذكرت مفردة الانتخابات والتي اتمنى ان نرى من نتائجها بروز وجوه جديدة تحقق لشعب العراق الحرية والرفاه وتبعده عن التخندق الطائفي او الحزبي، الا ان المتابعين للشأن العراقي ينظرون عكس ذلك حيث يشيرون الى ان الطائفيون والعنصريون المشاركين في حكم العراق منذ 2003 ولحد يوم الانتخابات القادم فانهم باقون في سدة الحكم، بمعنى ان ما نراه من تغيير في اسماء كتلهم او احزابهم وما نشاهده من اصطفافات وتشكيل كتل باسماء وطنية وبعناوين وشعارات براقة ووطنية والتي تشير جميعها الى رفض الطائفية والتوجه لخدمة العراقيين فانها تمثيلية سياسية رخيصة تتعلق بالانتخابات ولا تتعدى كونها ضحك على الذقون كما يقول احد الباحثين ويضيف... لا اعتقد بان هناك انسجام بين منهج الطائفيين والعنصريين وبين منهج الديمقراطية، اما من يقول بانه قد تخلى عن طائفيته او توجهاته القومية العنصرية وانه سيلتزم بمنهج الديمقراطية الحقيقية وخدمة الشعب العراقي فهو غير صادق.


نحن أمام ديمقراطية يمكن أن نسميها quot; ديمقراطية التوريط quot; حيث يتورط بها السياسي غير المحمي ويتورط بها ايضا الكاتب والصحفي والمثقف بشكل عام، حين يعتمدونها بحسن نية حين يشيرون الى مراكز الاخفاق في سير العملية السياسية، ولكي اوصف هذا التورط علي ان اصف جوهر هذه الديمقراطية التي ابتلي بها العراق، { ان هذه الديمقراطية تعني ان الجميع لهم الحق في أن يكتبوا وينتقدوا ويتحدثوا بما يشاؤون سواء باتجاه المسؤولين على سير العملية السياسية او باتجاه الفساد والفلتان الأمني، وان الحكومة والأحزاب وتوابعهم والذين يروجون لهذه الديمقراطية يفعلون وينفذون ما يشاؤون وبما يحقق لهم المكاسب }، هذا هو الاستنتاج حيث ان من يعترض على سير العملية السياسية الخاطئة ويحاول طرح البدائل والحلول فانه وبرأي الحكومة والأحزاب وتوابعهم يشكل خطرا عليهم، لا بل ويشكل خطرا على سلامة ديمقراطيتهم التوريطية، وعند ذاك عليه مواجهة القدر الذي قد يحمل له رصاصة لا يعرف موعد قدومها ولا يعرف مصدرها، او ينتظر لقاء اطفاله في معتقل.


ان من ينظر الى عراق اليوم سيرى الكارثة بعينها، حيث يغزوه اليوم لملوم من عشرات الأحزاب وعشرات الميليشيات وعشرات التنظيمات وعشرات التكتلات وعشرات السفارات وعشرات الفضائيات، بل سيرى شتى انواع الاسلحة وانواع المخدرات، واصبح لكل واحد من هؤلاء برنامج يومي سواء كان لتنفيذ جريمة سرقة او عملية سطو وقتل او تهجير او تفجير هنا او هناك، ان الفلتان الأمني القائم اليوم على ارض العراق يشترك في تنفيذه الكثيرون من المجاميع والعصابات وذلك بسبب غياب الدولة والقانون، فقد تواجدت على ارض العراق مخابرات دول عديدة لها مصالح في العراق وامتلئت ارض العراق بمئات الأحزاب والتجمعات والميليشيات منهم....تنظيم القاعدة و البعثيين ومنظمة بدر وجيش المهدي والحرس الثوري وفيلق القدس الإيراني والأمن السياسي السوري والسعودي والكويتي والبشمركة وغيرها العشرات من تنظيمات الأحزاب الدينية والقومية والمحلية وحتى الدولية...كل هؤلاء متواجدون على ارض العراق وبيدهم المال والسلاح والسلطة، ولا يدري العراقي البسيط من هو المجرم ومن هو البرئ بينهم، ولا يمكنه التمييز بين العدو وبين الصديق، ولحد هذه اللحظة لم يستطيع احد من قادة العراق او احد المسؤولين في الوزارات والمؤسسات الأمنية ان يشخص بشكل مباشر اي شخص او اي جهة فجرت او قتلت او هجرت او افسدت في العراق منذ 2003 ولحد هذه اللحظة، لان الجميع كما يبدو مستفيدون ومشتركون في الاغتنام، ويعتقد البعض بان سبب عدم الكشف عنهم يتعلق بسياسة quot; واحد يتستر على الآخر quot;.....ان حماية القاتل او السارق او التستر عليه عمل غير قانوني ولا وطني ولا اخلاقي ولا يرضي الله، فاين حدود الدولة واين حدود القانون واين حدود السياسة واين حدود الاخلاص والوفاء واين واين واين الحدود... وهل لحب الوطن ولحب الشعب حدود..


اكاديمي مستقل