إتسعت دائرة الخلاف بين السويد وإسرائيل بسبب التقرير الذي نشرته مؤخراً صحيفة افتون بلادت حول إختطاف صبية فلسطينيون وإستئصال إعضاء من إجسادهم لزرعها في إجساد مرضي إسرائيليون..

اتسعت الدائرة بأكثر مما كانت تتوقع تل أبيب :

فمن ناحية رفض رئيس الوزراء السويدي فريدريك رينفيلت ( 24 الجاري ) مطالبة حكومة نتنياهو لحكومته بإدانة المعلومات التى نشرت..
ومن ناحية ثانية قال الصحفي دونالد بوستروم الذي نشر التحقيق في مقابلة مع B.B.C. ( 25 أغسطس ) أنه عرف بالوقائع من موظفي الأمم المتحدة بالضفة ثم تقصاها هو شخصيا حيث quot; تتبع قصة 52 شاب فلسطينى قتلوا رمياً بالرصاص ونقلت جثثهم إلي مركز أبو كبير للتشريح، بعدها أعاد الجنود الإسرائيليون الجثث الي القري الفلسطينية حيث تم دفنها تحت تهديد اسلحتهم quot;..


التقرير دفع إسرائيل إلي إتهام السويد بالصمت حيال محرقة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية.. ووفر مساحة واسعة لوزير خارجيتها لكي يصب جام غضبه عليها وعلي نظام حكمها مطالباً نظيره بضرورة إستنكار ما جاء في التقرير.. وهددت وسائل إعلامها بإمكانية إلغاء زيارة وزير الخارجية كارل بيلدت لإسرائيل.. هذا بينما كلف إيهود باراك المسشار القانوني لوزارة الدفاع بدراسة إمكانية رفع دعوى quot; قذف وتشهير quot; ضد الصحفي السويدي..

الجدير بالإشارة هنا أن الصحفي بوستروم قال في مقدمة تحقيقه أن ما يدونه عبارة quot; إتهامات يطرحها الفلسطينيون ولست أنا، لكن بسبب خطورة الموضوع لا أملك كصحفي أن أسمع وأخفي ما سمعته، خاصة اذا كنت قد تتبعت جزء منه quot;.. واجب الصحفي هو الذي يحدد مسار قلمه، اما إسرائيل فتحركها محاولات إبتزاز جعلت وزير خارجيتها ليبرمان يخرج عن طوره ويوجه إدانات للصحفي ولوزير خارجية بلده..

هذا التعنت العنصري إضطر البعض أن يبادر بتذكير إسرائيل بأنها بعد قيامها أعلنت أنها تعتبر الدبلوماسي السويدي راؤول فلانبيرج quot; صديق الأمة اليهودية quot; وقلدته لهذا السبب شهادة تقدير إعترافاً منها بما قدمه من خدمات quot; إنسانية جليلة quot; بعد إحتلال المانيا للمجر، حيث نجح بتكليف من دولته في إنقاذ الألآف من أرواح اليهود الذين كانوا علي وشك الفناء علي يد قوات الإحتلال والغزو النازية..

الثورة الإسرائيلية ضد الصحفي دونالد بوستروم ترتكز علي أن ما ورد في تحقيقاته quot; ليس إنتقادات شرعية وإنما هي فرية عبيثية لا أساس لها من الصحة في دولة ديموقراطية تتمتع بحرية الرأي كإسرائيل quot;، وهي هنا لا ترد علي الحقائق وإنما تتهرب منها.. وتطالب بإعتذار من الجهات الرسمية، وهي التى ترفض مثل هذه المطالب بحجة أن مجتمعها يملك مقومات التعبير الحر وهي لا تتدخل فيما يراه أو يقتنع به.. وتندد بموقف السويد من المحرقة، بينما يشهد التاريخ للسويد بانها لولا مساهمتها الإيجابية للقي مئات الألآف من اليهود حتفهم بعد احتلال المانيا النازية للدنمارك والمجر..

السويد ترفض التدخل في كل ما له صلة بحرية التعبير، وكذلك تدعي إسرائيل.. لكن الفرق أن ما نشره الصحفي بوستروم في صحيفة افتون بلادت وأشار علي جانب مهم من تفاصيلاته في المقابلة التى أجرتها معه الإذاعة البريطانية موثق، وقد لاحظ موظفي الامم المتحدة !! مما جعلهم يلفتون نظره إليه فتتبعه ونشره.. أما حرية التعبير في إسرائيل ففي معظم الأحيان تستغل لخدمة أهداف عنصرية وإستعمارية..

حكومة السويد التى تترأس الإتحاد الأوربي في الفترة الحالية ( يولية / ديسمبر ) لها موقف واضح وصريح من ممارسات القوات المسلحة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين العزل في الضفة والقطاع !! وكانت من بين الدول التى رفضت مقولة quot; أن الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقاً في العالم quot;.. رفضت الإبتزاز ولم ترضخ له، حتى أنها وصفت إمتعاض سفيرتها في تل ابيب quot; مما نشره مواطنها الصحفي quot; بأنه يُعبر عن رأيها الشخصي.. وقال الناطق بلسان وزارة خارجيتها quot; إن ما قالته السفيرة إليزابيث بورسين جاء بصفة شخصية quot; وأكد في أكثر من مناسبة أن التقرير الصحفي quot; لا يستدعي الرد، لأنه في نهاية المطاف عمل إعلامي نُشر وفق محددات حرية الإعلام في السويد quot;..

الأزمة الحالية بين إسرائيل والسويد ليست دبلوماسية بالمعني السياسي المتعارف عليه، بل هي في رأي أزمة إبتزاز بكل المقاييس..

فالدبلوماسية الإسرائيلية تعرف مسبق أن نظيرتها السويدية ليس من عادتها الإعتذار عن ما تنشره وسائل علام بلدها، وليست من المدرسة التى تميل إلي إصدار بيانات تكذيب في هذا الخصوص.. ولكنها ndash; الدبلوماسية الإسرائيلية - لا تتورع عن ممارسة أسوأ أساليب الإبتزاز علي زعم أن الحق معها، بينما الأكثرية من المراقبين المنصفين حول العالم يعرفون العلاقة العضوية بين تجارة الأعضاء في داخلها و فضيحة عمدة نيوجيرسي الذي إستقال في نهاية شهر يولية الماضي علي خلفية قضية فساد وتجارة أعضاء عن طريق شركة تقوم بغسيل الأموال بين نيويورك وتل ابيب..

وليس ببعيد محاولة الإبتزاز التى تعرض لها بابا الفاتيكان إبان زيارته الأخيرة لإسرائيل، حين أزاحوا الستارمتعمدين عن إنضمامه لحركة الشبيبة الهتلرية عام 1941.. بسبب بعض تصريحاته التي لم تأت علي هوي المؤسسة العسكرية، الأمر الذي يُبرهن علي نزعة إبتزازية متأصلة يُصر غلاة الصهاينة علي رفعها كسيف مسلط علي الرؤوس..

استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]