عبثاً يحاول السياسيون حل المشاكل الناتجة عن صراع وصدام الأديان عن طريق ما يسمى حوار الأديان.. فالأديان لا يمكن أن تتحاور بل هي وإلى الأبد في حالة صراع وصدام. وكان الأجدر بهم أن يشجعوا على حوار الأفكار بل وصدامها لأن الأفكار هي التي أنتجت لنا الحضارة الإنسانية التي نعيشها اليوم.
وقبل أن نقدم الدليل العلمي على صحة هذا الرأي دعونا نتفق أولاً أن نصوص الأديان هي ثوابت لا تخضع لعمليات التجزيء والانفصال أو النقد، وبالتالي لا يمكن لها أن تدخل فضاء الحوار ذو الطبيعة المتغيرة المرنة والذي يتصف بخاصية التنازلات ويخضع لعمليات التحليل والتركيب.
الدارس لعلم الأديان المقارن يؤكد أنه منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا والأديان في حالة تصادم مع بعضها البعض (حالة صدام الثوابت) فلم يحدث قط أن تنازل أي مؤمن عن جزء طفيف ـ ولو مثقال ذره ـ من ثوابت دينه أو معتقده لصالح الطرف الآخر، حتى ولو كان كليهما ينتميان إلى نفس الدين وذلك لأن حجر الزاوية لأي دين هو التسليم الكامل لما تعتبره كل جماعة أو طائفة الحق المطلق ولذلك فإن مجرد التفكير في حوار بين الأديان يكون مضيعة للوقت والجهد.
والأمثلة على ذلك تجدها بوضوح في علاقة المسلم الشيعي بالمسلم السني، والمسيحي الأرثوذكسي مع المسيحي البروتستانتي، واليهودي الإصلاحي مع اليهودي الأرثوذكسي أو ألسامري، وغيرها.... فما القول لو كانت الأديان مختلفة! ألا تدفعنا تلك الحقيقة الواقعية إلى تأكيد الرأي القائل أن العلاقة بين الأديان هي علاقة تصادمية.
وتصادم الأديان فيما بينها ناتج عن كونها نصوص ثابتة غير مرنة ولهذا السبب الأساسي تكون طبيعة تعاملها مع بعضها البعض طبيعة قوى تصادمية. هذا الاصطدام عادة ما ينتج عنه أما التدمير والفناء لثابت ديني على حساب الثابت الديني الآخر أو حالة تقهقر للثوابت الدينية المتصارعة كلها أو بعضها في اتجاه عكسي اعتمادا على قوى الدفع التي يمتلكها الثابت الديني مما يعني المزيد من الأصولية والسلفية والتطرف والعنف لكل الثوابت الدينية المتصارعة.
وكنتيجة حتمية للخوف من هذا الصدام تبدأ كل جماعة في البحث عن طرق الحماية والحفاظ على ثوابتها وذلك عن طريق فرض قوانين المنع الفكري في ماهية تلك الثوابت بهدف الحفاظ على الهوية.
صراع الأفكار واستنارة العقل من وجهة نظر فيزيقية
الأفكار ذات طبيعة متغيرة وقابلة للنقض والتحليل والتركيب.. والبشر جميعهم في حالة تفكير مستمر الفقير والغني العامل والعالم...الكل يبحث عن خريطة معرفية يحدد على أساسها موقعه في الحياة والكونِ الذي يعيش فيه. فهل الأفكار أيضاً يمكن أن تكون في حالة تصادمية؟
الأفكار عادة ما تتعامل بعضها مع البعض في فضاء الحوار الذي عادة ما يحسم الصراع لصالح جميع الأطراف بيد أن أفضل حالات صراع الأفكار هو حالة التصادم... إلا أن هناك فرق بين تصادم الأديان وتصادم الأفكار.
فالحالة التصادمية بين ثوابت جامدة تودي إلى الدمار بعكس صدام الأفكار الذي ينير العقول ويحررها لتصل بالبشرية إلى ما يمكن نسميه التعايش بين الأديان والعقائد المختلفة بألفة ومحبة منقطعة النظير. كيف نفسر هذا التحليل؟
تعلمنا في علم الفيزيقا أن الضوء طاقة مادية ينطلق من الذرة عندما تصطدم بذرة أخرى. فعندما يتم التصادم بين الذرات مع بعضها البعض تكتسب الالكترونات الطاقة الكافية لتنتقل إلى مستويات طاقة أعلى وعندها تصبح الذرة في حالة إثارة وهي حالة غير مستقرة فما تلبث أن تعود الالكترونات المثارة من المدارات ذات الطاقة العالية إلى مداراتها الأصلية وهنا ُتطلق الالكترونات أثناء عودتها كمية من الطاقة على شكل فوتونات ضوئية.
والأفكار أيضاً يمكن تشبيهها بالذرات تتصادم (تتحاور) مع بعضها البعض نتيجة تغير المكان والزمان والبيئة المادية وغير المادية التي يعيش فيها الإنسان. هذا الصدام بين الأفكار يحدث تغيير في مدرات بنات الأفكار حتى إذا ما وصلت إلى مداراتها الأصلية تنطلق كمية من الطاقة على شكل فوتونات ضوئية عقلية غير مادية تمتلك طاقة حركة عقلانية تكسب العقل طاقات الإبداع الحر غير المقيد فتنير للإنسان الطريق وتصل به إلى حالة الاستقرار والاتزان والأمان النفسي والجسدي والروحي، الأمر الذي يجعله في حالة وفاق وانسجام مع أخيه الإنسان بغض النظر عن معتقداته لأنه سيكتشف أن الحقيقة المطلقة موجودة عند كل سكان الأرض وأن كل إنسان يمتلك جزء منها وهنا يجد الإنسان نفسه بما يحمل من إبداعات فكرية واستنارة عقلية قادراً على التطوير والتحديث ليصل بالحياة إلى الأفضل.
إميل صبحي شكرالله
[email protected]
التعليقات