ربما لايهمهم كثيراً ما يحدث للبلد من عواصف القتل و سفك الدماء، أو الرعب المميت الذي يصحب الإنفجارات الدموية في المدن العراقية، لأنهم، كما يبدوا للمواطن العادي في الشارع و الباحث عن لقمة العيش، غير مبالين أصلاً لما يتعرض له البلد، منذ سنوات، رغم كل الوعود التي يطلقونها و التي تَعِد المواطن دوماً، دون نتيجة!، بأن الحالة الأمنية المتردية ستشهد إنفراجاً و نهاية و أن العراقيين سينعموا أخيراً بالأمان و الطمأنينة و السلام.


عنيت هنا طبعاً الكثير من المسؤولين في وزارتي الداخلية و الدفاع اللتين تتحملان، قبل أي جهة أخرى رسمية أو غير رسمية، مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية في المدن العراقية و عدم تمكنهم حتى الآن، رغم الميزانيات الضخمة و النفقات اللامحدودة التي تصرف على مؤسساتهم الأمنية و العسكرية و المخابراتية، من فرض الأمن في المدن و حماية أرواح المواطنيين الأبرياء من إعتداءآت الأرهابيين و مراميهم الخبيثة.


المشكلة الأساسية في بلدنا، العراق،هي، قبل أي الشيء، مشكلة علقية و وأخلاقية تتعلق بمنظورنا للمناصب و تصرفنا مع المواقع الرسمية التي نحتلها في الدولة، فالمسؤولين عندنا للأسف لايفهمون حتى الآن مغزى و مفهوم المسؤولية و إلا أستقالوا الكثير منهم من مناصبهم، واحداً بعد الآخر، مع كل أخفاق أمني مُسبب لموت العشرات من المدنيين كما حصل في هذا الشهر الدموي المعنون عند البعص ب ( 11) سبتمبرالعراق؟


لنسأل الآن إذنً: من المسؤول يا ترى عن حياة العامل الذي يغادر بيته في الصباح الباكر لتأمين لقمة عيشه و عيش أولاده مراهناً على الحكومة بأن توفر له الأمن، بينما حين يَحن العودة الى البيت تجد أسرته نفسها أمام جثمان ملطخ بالدماء و الباروت؟ من المسؤول عن حياة الطالبة التي تفكر بمستقبل زاهر واليوم الذي تتخرج فيه من الجامعة حاملةًً شهادة عملية لتتوظف في دائرة حكومية بينما تجد نفسها بعد ساعات قليلة جداً مرمية و مقتولة في الشوارع على يد الملثمين أو بتفجيرات القوى الظلامية و الأرهابية؟


لا مراء من أن هذه نماذج وجيزة من الأسئلة التي لم تجد جواباً حتى الآن طالما تتعاقب في العراق قوافل الموت و الخراب و الدمار و سفك الدماء، هذه هي الأسئلة التي على النائب في البرلمان العراقي أن يوجهها الى الحكومة أولاً لا أن يقف الى جانبها فقط لأن بعض من المسؤولين في الدولة هم من أبناء حزبه!. لمَ لا يسأل النواب في البرلمان أنفسهم مثل هذه الأسئلة و سؤال جدوى وجودهم في مثل هذه المؤسسة الديمقراطية التي تتمثل إحدى وظائفها في مراقبة الحكومة و أداءها و مدى تنفيذها للمهام الموكل عليها و المسؤوليات التي تقع على كاهلها تجاه البلاد و العباد؟ قولوا لنا ما معنى لبقاءكم على الكراسي متقاضين بأسمها رواتب خيالية بينما الناس محرومين من أبسط الحقوق إلا و هو حق العيش البسيط بسبب إنعدام الأمن؟ ما فائدة التمظهر بمظهر ممثل الشعب و النائب عن حقوقه بينما الشعب يعيش حياة تافهة يعصف عليها شتى المآسي و الويلات بحيث أصبح عاجزاً حتى عن التفكير بحقوقه المسلوبة؟


هل أنتم على علم، يا سادة و سيدات مجلس النواب، أن نسبة البطالة في البلد لاسيما بين الشبيبة ترتفع يوما بعد يوم الى نسب مخيفة؟ وهل تعلمون أن البطالة هي من أخطر الظواهر التي يمكن أن تجند شبابنا بأفكار و آيديولوجيات وعقائد متطرفة تغرق البلد في نهر العنف و بحر الدماء و الجرائم و الظواهر الإجتماعية الخطيرة؟ هل أنتم سعداء لهذه الدرجة بحيث لاتبالوا حتى بمعاني و بديهيات ما تمليه عليكم مواقعكم و مسؤولياتكم الوطنية تجاه المواطنين؟ هل تعتقدون أن الشعب سيقبل منكم هذا الى أبد الآبدين أم سيقلب الدنيا عليكم رأساً على عقب يوما ما و يحيلكم الى اللاعودة؟


يؤفسنا حقاً أن نلاحظ أن مغريات الدنيا و التمسك الأعمى بالمناصب و المواقع تشلل الى هذا الحد روح المسؤولية و الوطنية لدى المسؤولين في بلدنا أن كانوا في الحكومة أو مجلس النواب، كما يؤسفنا أن يكتفي هذا الأخير، في تعاطيه مع الأمستجدات الأمنية الخطيرة الأخيرة، بالوقوف على الأمر دون أتخاذ أية إجراءآت حقيقية تجاه المسؤولين في الدولة لاسيما في الحكومة. كنت أتوقع من البرلمان أن يقيل العشرات من المسؤولين و أن يقوم بإستدعاء رئيس الحكومة الى البرلمان للمساءلة و المحاسبة غير أن الحقيقة كانت شيئاً آخر لا ما كنا نتوقعها.. و هذا ما يحزن المرء و يؤكد له تفاهة معنى بقاء مسؤولينا على الكراسي مع هذه الأزمات الأمنية المفعمة بالعنف و الموت و الدمار..!

* رئيس تحرير مجلة ( والابريس) ndash; كردستان العراق