ما جرى ويجري في إيران من صراع بين أجنحة النظام، والذي بلغ فيه الأمر حدا تجاوز كل توقعات المراقبين، لا سيما من كان منهم يعتقد ان هيبة المرشد الأعلى للثورة والنظام (آية الله) علي خامنئي سوف تكون محصنة من أي مساس كونها فوق كل الخلافات، فقد خسر هؤلاء المراقبون توقعاتهم حيث فاتهم ان هيبة المرشد مستمدة من تمسكه بالمبادئ والشعارات التي يرفعها النظام والتي تؤكد على ان المرشد هو راع لجميع الأجنحة و الأطياف السياسية دون تمييز بين هذا الطرف أو ذاك ممن يؤمنون بولايته ويقرون سلطته وفق ما نص عليها دستور الجمهورية الإيرانية . إلا ان المرشد لم يكن منصفا أو حتى محايدا في مواقفه من الأحداث بل انحاز وبكل قوة و وضوح الى جناح المعسكر الذي يتزعمه الرئيس احمدي نجاد الذي قاد عملية وصفها الجناح الآخر من النظام بـ quot; عملية الانتخابات الانقلابية quot; والتي ارتكب فيها الانقلابيون أبشع الأعمال التي تجاوزت حد اعتقال رموز المعارضة وقتل المتظاهرين في شوارع المدن الإيرانية الى القيام بالانتهاكات الجنسية ضد النساء والرجال من المعترضين، وكانت ساحة هذه الانتهاكات قد جرت في ما عرف بمعتقل quot;كهريزك quot; سيئ الصيت الذي أجبرت رائحته النتنة السلطات القضائية على إغلاقه ومحو آثار الجرائم التي ارتكبت فيه نتيجة لبشاعة تلك الجرائم والانتهاكات . ولكن مع ذلك بقي المرشد مصرا على تأييده لمعسكر الانقلابيين، ولهذا كان من الطبيعي ان يطعن في هيبته، بل أكثر من ذلك فهناك من دعا الى عزله عن منصبه لضعفه وخنوعه أمام معسكر الحرس الذي قادة العملية الانقلابية، هذا اولا، ولعدم قدرته على التمييز بين الضحية والجلاد ثانية.
مواقف المرشد الانحيازية الذي قادت ولأول مرة منذ 30عاما من تاريخ حكم رجال الدين في إيران الى كسر هيبة الولي الفقيه، قد دفعت بالكثير من المراجع ورجال الدين الكبار الى اتخاذ مواقف وإصدار بيانات حملت انتقادات صريحة للمرشد ومنددة بالعملية الانقلابية التي حصلت برعايته و أدت الى شرخ كبير في النظام لم يسبق لها مثيل من قبل . وهذا التذمر من قبل المرجعيات الدينية كان من الطبيعي ان يلاقي صداه عند المرجعيات الإيرانية والشيعية الأخرى أيضا، لاسيما في حوزة النجف التي تعد مركز المرجعية الشيعية العليا المتمثلة بشخص (آية الله) علي السيستاني الذي تعرض مؤخرا الى ضغوط كبيرة من قبل بعض المراجع الدينية في إيران اجبر فيها على التدخل بعد ان هدد الكثير منهم بترك إيران والتوجه الى العراق للإقامة في النجف ، وهذا طبيعي يشكل مبعث قلق للسيستاني الذي بعث بصهره و وكيله quot; جواد الشهرستاني quot; الى قم و اجتمع بأبرز مرجعياتها أمثال (آيات الله) المنتظري والصانعي و الأردبيلي وغيرهم ، و استمع الى وجهات نظرهم حول ضرورة تدخل السيستاني للتأثير على مرشد الثورة خامنئي .
السيستاني الذي استمع الى تقرير صهره ومحتواه هذا التقرير من خطورة على مستقبل نظام رجال الدين في إيران قام، ولأول مرة حسب مصادر مقربة من احد المرجعيات الدينية والسياسية الكبرى في قم، بتوجيه رسالة شديد اللحن الى خامنئي، وأكدت تلك المصادر ان الرسالة أرسلت الى خامنئي بواسطة رئيس السلطة القضائية السابق (آية الله) محمود الشاهرودي الذي يعد من المقربين الى خامنئي .
المصادر المطلعة أكدت ان رسالة السيستاني تمحورت حول نقطتين رئيسيتين، الأولى تتعلق بالأحداث الجارية في إيران التي أضعفت هيبة المرشد و أثارت خشية المرجعيات الدينية من تنامي سلطة العسكر على حساب سلطة رجال الدين وهيمنتهم على البلاد . هذا اولا، و النقطة الثانية تتعلق بالحوادث و الانفجارات التي شهدها العراق مؤخرا، حيث أشارت بعض الأدلة على وجود أصابع للحرس الثوري ndash; فيلق القدس تحديدا - في تلك الأحداث، لاسيما من جهة السلاح والمال الذي قدم لدعم تك الأحداث . لهذا يبدو ان هناك من اقنع (آية الله) السيستاني بان عليه ان ينبه علي خامنئي بان العراق يجب ان لا يكون درعا للأحداث الداخلية في إيران و ان لا يصار الى إشعال المزيد من الفتن بين السنة والشيعة في هذا البلد،والتي يعمل الحرس الثوري الإيراني على تقويتها .
وعلى هامش هذه الرسالة فقد أشير أيضا الى موضوع نية عددا ملحوظا من المراجع الكبار في قم بالهجرة الى النجف،وهو ما دفع بعض المصادر الإعلامية الإيرانية المعارضة الى اعتبار الانفجارات الأخيرة في بغداد و الإعلان عن اكتشاف 13 صاروخا إيراني الصنع في البصرة وغير من الحوادث الأخرى،جميعها تهدف الى أظهار العراق بلد غير مستقر امنيا وهذا ربما يثني المرجعيات الإيرانية عن تنفيذ تهديدها بالهجرة الى النجف .
المهم في الأمر ان المرجع الأعلى تدخل، وبغض النظر عن نوع وحجم هذا التدخل، إلا ان ما هو معروف لدى الجميع حينما يتدخل الكبار لمعالجة أمر ما فان هذا يشير الى حجم الأمر أو الحدث،ويشير تدخل السيستاني أيضا quot; ان الموس وصل اللحية quot; كما يقول المثل العامي .


كاتب احوازي