من أبرز مفارقات quot;المشهد السياسي السوريquot;، عدم قدرة المعارضات السورية،أو على الأقل بعض هذه المعارضات التي تتشدق بالديمقراطية،على تحمل أو تقبل وجود معارضين لها داخل أوساطها وبين صفوفها،لهذا نجدها تتعاطى بطريقة لا ديمقراطية مع quot;الأقلية السياسيةquot; لديها.وكأن مجرد الانتساب الى quot;نادي المعارضةquot; يعطي المنتسب شهادة quot;حسن سلوكquot; في الوطنية والديمقراطية وفي الأخلاق السياسية، ويضعه فوق النقد والشبهات.لا شك،أن ظاهرة التناقض والتعارض بين الشعارات الديمقراطية المعلنة والممارسات العملية ليست بجديدة او غريبة على حياتنا السياسية وعلى أحزابنا السورية،تلك الموجودة في صف الموالاة والمعارضة معاً.اذ،كثيراً ما تتلاقى هذه الأحزاب مع النظام الشمولي اللاديمقراطي في طريقة التعاطي والتعامل مع الرأي الآخر وفي الموقف من الحريات الفكرية والسياسية.وسط هذا المشهد السياسي المتناقض تبرز quot;المنظمة الآثورية الديمقراطيةquot;التي انضمت،بعد تردد وسجال داخلي امتد لشهور،الى ائتلافquot;اعلان دمشقquot; للتغير الديمقراطي، الذي تأسس في تشرين الأول 2005 وضم غالبية قوى المعارضة(العربية والكردية والآشورية)في الداخل السوري،انضمت اليه رغم تحفظها على الفقرة الخاصة بـquot;الاسلامquot; الواردة في وثيقة الاعلان.

سنوات عديدة مضت على تجربة المنظمة الآثورية مع المعارضات السورية،أثبتت على أنها غير قادرة على تحمل أعباء ومسؤوليات هذه الخطوة السياسية، التي أملتها عليها، كما على غيرها من الأحزاب والتنظيمات،الظروف السياسية،الداخلية والخارجية، التي كانت تمر بها سوريا حينذاك.وقد اتضح جلياً بأن هذه المنظمة الآشورية، التي خرجت حديثاً من قوقعتها الى الفضاء الوطني السوري،عاجزة عن الارتقاء بأدائها الحزبي وتطوير خطابها السياسي ليكون بمستوى مستلزمات العمل المعارض ومتطلبات الحراك الديمقراطي.فبعد انضمام المنظمة الآثورية الى جبهة المعارضات السورية كان من المفترض بها أن تنخرط أكثر فأكثر بالشأن العام و أن يتمحور خطابها السياسي حول الممارسات القمعية للسلطة وانتهاكات حقوق الانسان الآشوري والسوري،وأن تعزز حضورها السياسي والفكري على الساحة السورية للتعريف بالأبعاد الوطنية للقضية الآشورية، لكن هذا لم يحصل.اذ،بقيت المنظمة منغمسة في مشكلاتها الداخلية وغارقة في سجلاتها وجدالاتها العقيمة تدور في حلقة مفرغة.أما اليوم وقد تغيرت تلك الظروف والأوضاع التي أحاطت بسوريا،وبعد حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت نشطاء وقيادي الأمانة العامة quot;لاعلان دمشقquot;،على أثر انعقاد مجلسه الوطني في كانون الأول 2007،بدت المنظمة الآثورية وكأنها تراجع حساباتها السياسية وتعيد النظر بموقفها من الانضمام الى جبهة المعارضة.ومن المتوقع أن تحسم خيارها السياسي في هذه القضية،أكثر قضايا الخلاف بين الآثوريين، في مؤتمرها العام الاستثنائي المقرر عقده قريباً جداً.


رغم تشدق الآثوريون الجدد بالديمقراطية، لكنهم لم يستوعبوا بعد دور ووظيفة المعارضة الداخلية في ترسيخ الممارسات والأفكار الديمقراطية داخل المنظمة وفي المجتمع الآشوري.وعوضاً من أن يستفيدوا من الرأي الآخر في تقويم الأداء السياسي لمنظمتهم،عملوا على تمييع قضايا الخلاف واختزالها الى مجرد خلافات شخصية،مستخفين بمطالب رفاقهم المستاءين من الوضع القائم والمحتجين على انتهاك دستور منظمتهم.وبدلاً من أن يكتب هؤلاء دفاعاً عن شركائهم في quot;اعلان دمشقquot; المعتقلين في سجون النظام، سارع البعض منهم،في مقدمتهم مسؤولهم السياسي،وبموازاة حملات السلطات الأمنية على النشطاء والكتاب السوريين الخارجين عن نهج النظام،الى شن حملة شعواء على النشطاء الآشوريين السوريين المعترضين على تخلي الآثوريون الجدد عن الأفكار الديمقراطية التي نشأت عليها المنظمة الآثورية وعن الثوابت القومية والوطنية التي تأسست لأجلها،وذلك خلافاً لما هو منتظر ومطلوب منهم في هذه المرحلة التي تتطلب تعزيز حضور quot;القضية الآشوريةquot; كقضية وطنية على الساحة السورية. تجدر الاشارة هنا الى أن ومنذ انضمام المنظمة الآثورية لجبهة المعارضة لم يصدر عنها موضوعاً سياسياً واحداً مفيداً للقضية الآشورية،ولم نقرأ لها حتى مقالاً عن قمع الحريات وانتهاكات حقوق الانسان الآشوري والسوري.


وكمحاولة من القائمين على المنظمة الآثورية للتغطية على اخفاقاتهم السياسية على الساحة السورية ذهبوا الى الشمال العراقي والتقوا مع بعض القيادات الكردية العراقية.وكأن حل quot;القضية الآشوريةquot; في سوريا يمر عبر quot;اربيلquot; عاصمة ما بات يعرف بـquot;كردستان العراقquot; الذي ضم غالبية المناطق التاريخية للآشوريين.وقد ظهرت المنظمة الآثورية في هذه التحركات المشبوهة كطرف كردستاني داعم ومؤيد للأجندة والسياسات الكردية في العراق عموماً و تجاه الآشوريين والمسيحيين خصوصاَ،رغم رفض قوى آشورية ومسيحية عراقية أساسية للأجندة الكردية.من دون أن يعي الآثوريون الجدد المضاعفات السلبية والكبيرة لتفريطهم بالحقوق المشروعة للآشوريين في مناطقهم التاريخية، على القضية الآشورية، ليس في العراق فحسب وانما في سوريا ايضاً. ولصرف أنظار الشارع الآشوري المستاء من مواقفهم التي مست مشاعر الكثير من الآشوريين،كتب المسؤول السياسي في المنظمة الآثورية الديمقراطية سلسلة مقالات تهكمية مثيرة للفتن في المجتمع الآشوري،يتهجم فيها على الأقلام الآشورية الوطنية،محرضاً على أصحابها.وهو لم يجد اية حراجة بوصفهم،في احدى مقالاته، بـquot;ذبابات تستحق القذف بالحذاءquot;.


حقيقة،أنه لأمر يبعث على الحزن السياسي أن تكون أوضاعquot;المنظمة الآثورية الديمقراطيةquot;، أحد أقدم التنظيمات الآشورية في سوريا،بهذا السوء،وقد مضى على تأسيسها أكثر من نصف قرن، ويتراجع رصيدها الجماهيري ليقتصر على بعض العائلات المستفيدة منها مادياً،بطرق وأشكال مختلفة(مع بعض الاستثناءات القليلة جداً).وما يزيد من ألمنا السياسي،عجز هذه المنظمة الآشورية،في زمن الكمبيوتر والانترنيت وثورة الاتصالات، عن اصدار جريدتها الحزبيةquot;نشروquot;،رغم أنها شهرية،لا يتجاوز عدد صفحاتها اصابع اليد الواحدة(صدر آخر عدد 177في كانون الأول 2008).في ضوء هذا،أرى أنquot;المنظمة الآثورية الديمقراطيةquot;هي اليوم أمام مفترق طرق:اما العمل الجاد على تصحيح أوضاعها الداخلية، والعودة الى الثوابت القومية والمبادئ الوطنية،وتنقية الأجواء الآشورية المسمومة جراء حملات التضليل على الكتاب والمثقفين الآشوريين والتبرؤ منquot;ثقافة الحذاءquot;، أو الركون لمنطق المواجهة السياسية والفكرية مع النخب والفعاليات الوطنية الآشورية السورية.

سليمان يوسف يوسف

آشوري سوري..مهتم بقضايا الأقليات
[email protected]