الاسلام يتحدى، کتاب قرأته في نهايات السبعينيات لمؤلف هندي يدعى وحيد الدين خان، کما أتذکر وکان يسعى للربط بين الآيات القرآنية و المسائل العلمية و حتى التأريخية، و ظهر جليا أن المؤلف قد صرف جهدا کبيرا من أجل أن يوصل القارئ الى الاهداف التي يبتغيها. ورغم ان القرآن حاله حال أي کتاب سماوي لم يأت اساسا لإثبات نظريات علمية أو حتى يفسر أحداثا تأريخية وليست مصداقيته مرتبطة بهکذا مسائل، وانما جاء من أجل غاية تبشيرية و رسالة معنوية تهدف فيما تهدف الى توفير المزيد من الارضية الصالحة لکي يبلغ الانسان مرحلة مناسبة من التکامل، لکن الحماس و الاندفاع بل وحتى الجهل المفرط بالدين الاسلامي ذاته احيانا، دفعت و تدفع بالکثيرين الى ربط سر عظمة و قوة القرآن و مصداقيته بظواهر علمية و تأريخية محددة وهو لعمري خطأ فاحش.


وإذا ماکانت مسألة التبشير و الدعوة للدين واحدة من المسائل الجوهرية التي تسعى إليها العديد من الاديان، لکن إنخراط الناس في هذا الدين أو ذاك لايعني وحتى لايعطي الحق لأي کان بأن يضع ذلك معيارا تفاضليا لقوة و مصداقية هذا الدين أو عکسه بالنسبة للأديان الاخرى.


أتذکر في صباح باکر من صيف عام 1973، حيث کنت أغط في نوم عميق أيقظني و بإسلوب فظ و جنوني قريب لي کان مهووسا الى درجة فظيعة بالمسائل المتعلقة بإنتشار الدين الاسلامي و دخول النصارى و اليهود في الاسلام وقد تصورت وقتها أن مصيبة کبيرة قد وقعت، لکنه بادرني والفرحة تکاد تقفز من بؤبي عينيه: لقد أصبح ليوبولد فايس النمساوي مسلما و غير اسمه الى محمد أسد!! ولاأتذکر من کان فايس هذا و ماذا کان يمثل أو يعني دخوله للاسلام، لکن الذي همني أکثر من کل ذلك ان المسألة لم تکن بحاجة الى هکذا حماس مفرط. قريبي هذا، وبعد عقود من المضي على هکذا منهج و نمط غريب، إنتهى أمره بالانضمام الى احدى الفصائل المتطرفة و قضى نحبه وهو مؤمن بأنه على حق.


اليوم، ونحن نعيش عصر التيارات الدينية المفرطة في التطرف، ومجتمعاتنا بأمس الحاجة الى المزيد من الانفتاح و التنوير و الاخذ و العطاء و الابتعاد قدر الامکان عن الانغلاق و التقوقع و التطرف، نرى أو نقرأ أو نسمع هنا و هناك ثمة أنباء عن الشخصية الفلانية(المسيحية)أو(اليهودية)...الخ تتعلق بکونه قد مات مسلما أو أنه أضمر إسلامه لسبب ما أو ان الفنان المسيحي الفلاني قد مثل الشخصية الاسلامية الفلانيـة وهو لايجوز برأي(بعضهم)، والغريب أنه وللأسف البالغ فإن هناك شريحة کبيرة لانبالغ إذا قلنا انها تشکل القاعدة وليس الاستثناء تنتشي طربا لمثل هکذا أنباء وکأن في الامر سر أو مغزى نصر أو فتح مبين!


ميشيل عفلق، أو ابو محمد بحسب ما تزعم مصادر بعثية عراقية، قد أصبح مسلما ولست أدري هل أنه قد صار مسلما أثناء(الحملة الايمانية)للرئيس الاسبق الراحل صدام حسين أم أثناء جلسة عمل في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراکي؟! ورغم أن هنالك ثمة إختلاف في المسألة من اساسها بل وحتى يشکك البعض بمصداقية اسلمة عفلق(لما يشاع عن شخصيته الغريبة و الانطوائية) حتى وان أعلن ذلك امام الملأ من رفاقه البعثيين، فإننا ومن باب فرض المحال ليس بمحال، حتى لو وثقنا بالمسألة أشد الوثوق فإنها ليست بقضية ذات أهمية لکونها لاتضيف شيئا ما للاسلام مثلما انها لاتنتقص شيئا من الديانة المسيحية، ونفس الامر ينسحب على المطربة الراحلة ليلى مراد التي کانت يهودية و يقال أنها أصبحت مسلمة و ماتت على الاسلام، لکن لنا ملاحظة حول الموضوع وهي اننا نعتقد أن عظمة و قوة الاسلام لاتتجلى في أسلمة عفلق أو ليلى مراد أو أي کان بقدر مايتجلى في بقائهم على أديانهم معززين مکرمين في بلاد المسلمين وان مجرد إبداء الفرح و الغبطة الشعبية بهکذا ظواهر کفيلة بإثارة مشاعر التوجس و الريبة لدى الاقليات الدينية غير المسلمة في العالم الاسلامي ودفعها للإحساس بأنها باتت معرضة لغزو من جانب الاکثرية المسلمة.


في المانيا، هنالك أکثر من 4000 الماني يعلنون اسلامهم سنويا، وهناك أيضا مساجد تبنى و کنائس تغلق ابوابها وهاتان الظاهرتان تبعثان أيضا فرحا غامرا في نفوس العديد من اولئك الذين يفکرون بطريقة إنغلاقية و جبرية ، لکن في نفس الوقت هنالك أيضا أعدادا جديرة بالملاحظة من المسلمين(من جنسيات مختلفة و لاسيما الايرانيين)الذين يغيرون دينهم و يتنصرون من دون إثارة أية صخب أو جلبة ولدينا معلومات بخصوص هذه المسألة سنسعى لنشرها في تحقيق صحفي مستقبلا. ونعتقد ان سبب الاختلاف في رؤية و موقف الجانبين للقضية يعود اساسا الى عامل الوعي الحضاري الذي وللأسف الشديد تفتقد إليه مجتمعاتنا الشرقية بشدة حيث مازالت تعيش في وهم الامة الافضل من دون عمل أو إنجاز حضاري أفضل تقدمه للانسانية.