ldquo; إن لم تكن ماركسياً فلن تكون شيوعياً حقيقياً

وإن لم تكن شيوعياً حقيقياً فلن تكون ماركسياً ldquo;


في سبتمبر 1959 وقف نيكيتا خروشتشوف في الولايات المتحدة الأميركية يخطب برهط من كبار الرأسماليين الأميركيين ويتوعدهم قائلاً.. quot; سندفنكم قريباً !! quot;، غير أن الواقع جاء عكس ما توعد المأفون فسرعان ما دفنوه، ليس من خلال قيام الجنرالات السوفييت بالإنقلاب عليه في العام 64، وهم الذين كانوا قد أتوا به في العام 54، وليس من خلال الإنقلابات العسكرية المضادة في العديد من دول العالم الثالث المصطفة مع الإتحاد السوفياتي أيضاً، ولكن بانهيار المشروع اللينيني في الثورة الإشتراكية العالمية نفسه، الذي رعاه عظيم البلاشفة الرفيق جوزيف ستالين منذ العام 1922 حينما كانت الشعوب السوفياتية تبيت على الطوى، بكلمات لينين، وحتى العام 1953 بعد أن حقق الإتحاد السوفياتي ما عجزت الإمبراطوريتان الإمبرياليتان، بريطانيا وفرنسا، عن مجرد مواجهته إذ قام الإتحاد السوفياتي منفرداً بسحق ألمانيا الهتلرية حتى العظم ثم أعاد إعمار القارة السوفياتية بأجمل مما كانت عليه في فترة قياسية ؛ ذلك الانهيار الكارثي في العام 90 وقد عملت عليه قرارات الدول الرأسمالية الخمس الكبرى في رامبوييه 1975. ما نود الخلوص إليه من كل هذا هو أن خروشتشوف quot; الشيوعي quot; المتعصب لم يكن شيوعياً على الإطلاق رغم كل ما بدا منه من تعصب للشيوعية وذلك لأنه لم يكن ماركسياً ولو بدرجة مقبولة، بل كان العدو المميت للشيوعية بالفعل.


نتذكر دائماً السيرة الكريهة لهذا لأنها العبرة الأهم في الوقت الراهن للعمل الشيوعي. لكن ورغم أنها الأهم إلا أن سواد الشيوعيين في الأحزاب الشيوعية لم يعتبر بها وخاصة في مشرقنا العربي حيث يتواجد عشرات الألوف من quot; الشيوعيين quot; غير الماركسيين حقيقة بل هم من ذات طينة خروشتشوف العدو المميت للحركة الشيوعية. قبل أعوام قليلة دعيت لحضور محاضرة لأحد أدعياء quot;الماركسيةquot; النشيطين الذي ختم محاضرته بالاشتراط التالي.. quot; الماركسي الحقيقي هو الذي يعمل على قتل آخر يهودي في فلسطين quot; !! أي طراز من الماركسيين هو هذا الطراز الغبي والجاهل الموبوء بالعنصرية والفاشية !!

مئات آلاف الشيوعيين في شرق المتوسط،، إن في مصر أم في سوريا ولبنان أم في فلسطين والأردن أم في العراق، انضووا إلى الأحزاب الشيوعية في بلدانهم من أجل تحقيق هدف معروف ومحدد سلفاً ألا وهو استكمال مشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية وقد تجسد بقيام الاتحاد السوفياتي العظيم كأقوى قوة في الأرض، وهو المشروع الذي تقدم إليهم أساساً كثورة تحرر وطني تحقق فيما تحقق مصالح وطموحات البورجوازية بمختلف أطيافها. لولا وجود الإتحاد السوفياتي كأساس لا يتزعزع لقيام ثورة التحرر الوطني وما يتلوها من تنمية عامة، لولا كل هذا ما كان لأحد أن ينضم إلى أيٍ من الأحزاب الشيوعية العربية حيث لم تكن الطبقة العاملة قد تبلور تشكيلها وخاضت صراعاً طبقياً يشد من عصب طبقة البروليتاريا. هذا حقيقة يتوجب عدم إغفالها في كل بحث في تطوير العمل الشيوعي وتحديثه في المنطقة العربية.

اليوم وقد بتنا بلا اتحاد سوفياتي وبلا ثورة اشتراكية وبلا ثورة تحرر وطني، التي هي في الجوهر ليست إلا امتداداً للثورة الاشتراكية في محيطات المراكز الرأسمالية، فقد تمّ قطع فرع الشجرة الذي يقف عليه الشيوعيون اللينينيون وغدا سقوطهم أمراً مؤكداً لا يحتمل النقاش. أما أن يحاول هؤلاء quot; الشيوعيون اللينينيون quot; المجندون في مشروع لينين أن يوهموا شعوبهم بأنهم ما زالوا حيث هم فذلك ليس أقل من خيانة لشعوبهم بل لماركس ولينين بداية، فالنضال الشيوعي يستند أساساً إلى الواقع، أما الذين ينطلقون من الوهم والخيال فلن يغشوا إلا أنفسهم قبل شعوبهم. تجندوا في الفرق الشيوعية أصلاً لأجل استكمال مشروع لينين وتحقيق انتصاره عالمياً ففوجئوا وهم في غمرة القتال على الحدود بانهيار المشروع في المركز، فما جدوى القتال، ومن يقاتلون بعدئذٍ !؟ لقد احتل الأعداء العاصمة ووطدوا سلطانهم فيها وعليه فالأعداء على الحدود لم يعودوا أعداءً، إنهم في العاصمة، في القلب!


الفرق الشيوعية التي قاتلت طويلاً على الحدود بشكلٍ خاص دفاعاً عن مشروع لينين وانتصاراً له لم يعد لها عمل تقوم به. وليس بقاؤها في ذات المواقع وبذات السلاح إلا تضليلاً خبيثاً يقصد به إخفاء استبدال الوظيفة. لما تعذّر على هذه الفرق الاستمرار في العمل الشيوعي، في الانتصار لمشروع لينين بعد أن انهار في مركزه، فقد غدا تغيير الوظيفة أمراً لازباً كيلا ينفرط عقد الحزب ليصبح بعدئذٍ ليس خادماً للطبقة الوسطى والبورجوازية الوضيعة وحسب بل وللطموحات البورجوازية الفردية الدنيئة لقياداته أيضاً. الاستراتيجيا الرفيعة مثل استراتيجيا الحزب الشيوعي، الطليعة البروليتارية، تستدعي تاكتيكات رفيعة بالطبع، والعكس صحيح أيضاً فالاستىراتيجيا الدنيئة تستدعي تاكتيكات دنيئة.


بانهيار المشروع اللينيني توجب على الأحزاب الشيوعية التي استدعى المشروع تشكيلها أن تنحل وتختفي. مثل هذا الواجب أدركته بعض الأحزاب الشيوعية الصادقة مع نفسها فسارعت إلى تغيير اسمها كدلالة على تغيير استنراتيجيتها الشيوعية لتتبنى استراتيجية بورجوازية قلباً وقالباً فأصبح اسمها quot; حزب الشعب quot; كما في فلسطين، و quot; حزب الشعب الديموقراطي quot; كما في سوريا وثمة فئات واسعة في الحزبين الشيوعيين في لبنان والعراق تضغط لمماثلة اسم الحزب بوظيفته الجديدة والتخلي عن إسم quot; الحزب الشيوعي quot; إلا أن الفريق المخادع فيهما كان ما زال يحوز على الأغلبية.


بالهزيمة التي لحقت بالبروليتاريا في كومونة باريس مايو 1871 انهار مشروع ماركس في الثورة الاشتراكية فقام ماركس نفسه بحل الأممية الأولى في العام 1873 التي كان قد شكلها في العام 1864 للقيام بالثورة. وبانفجار الحرب العالمية الأولى 1914 ومشاركة كافة الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية الأوروبية باستثناء حزب البلاشفة الروس والسبارتاكيين الألمان في الجبهات المتحاربة وقتل بعضهم البعض، انهار مشروع إنجلز في الثورة الإشتراكية وتم حل الأممية الثانية في العام 1916 التي كان إنجلز قد شكلها في العام 1889 للقيام بالثورة. في العام 1918 تحالفت البورجوازية الروسية بمختلف أطيافها في جبهة متراصة وأعلنت حرب الإبادة على البلاشفة بدعم من مختلف عناصر الرجعية المحلية وقوى الامبريالية الدولية للحؤول دون استكمال الثورة البورجوازية (شباط 1717) بقيادة البلاشفة. نتيجة الحرب التي انتهت إلى القضاء التام على كافة القوى البورجوازية في روسيا لم توفر للينين أي خيار آخر غير الشروع بالثورة الاشتراكية العالمية وتشكيل الأممية الثالثة لتحقيق ذلك. بخلاف مشروعي ماركس وإنجلز فقد تحقق مشروع لينين على الأرض وأثبت جدارته وقواه الحيوية خاصة وأن قيادة عبقرية فذة استطاعت اكتشاف كل مكامن القوة فيه وتوظيفها التوظيف الأمثل ففاجأت كل قوى الرجعية والرأسمالية في العالم فكان أن سحقت أقوى دولة رأسمالية هي ألمانيا النازية بعد أن تمكنت هذه الأخيرة من تصفية أكبر إمبراطوريتين استعماريتين هما بريطانيا وفرنسا واستحوذت على كل الموارد المادية والبشرية في القارة الأوروبية. لدى رحيل عظيم البلاشفة جوزيف ستالين، مارس 1963، كان الإتحاد السوفياتي هو من يكتب الأمر اليومي في كل صفحة جديدة من تاريخ العالم.


اليوم ولبالغ حسرة الإنسانية انهار مشروع لينين. نختلف كثيراً في أسباب انهيار مشروع إذ ينكر الشيوعيون غير الماركسيين دور الصراع الطبقي في الانهيار بحجة متهافتة مضحكة تقول باستيلاء البيروقراطية على السلطة دون أن يسألوا أنفسهم عن طبيعة الفئات التي انقلبت على أولئك البيروقراطيين هل كان بوريس يلتسن يقود البروليتاريا ويحطم الدولة السوفياتية !؟ مثل هؤلاء quot;الشيوعيينquot; المخادعين لن يجرؤوا على البوح بالحقيقة طالما أنهم هم أنفسهم الذين صفقوا طويلاً لخروشتشوف وهو ينكر الصراع الطبقي ويلغي دكتاتورية البروليتاريا في مؤتمر الحزب الاستثنائي 1959. لكن بعد كل هذا التجرؤ على ماركس ولينين يقر هؤلاء المخادعون بانهيار المشروع اللينيني في الثورة الإشتراكية العالمية. يقرّون بالانهيار لكنهم لا يحلّون أحزابهم !! لماذا؟ الحجة التي تعلل بها أحد قادة هذه الأحزاب quot; الشيوعية quot; هي أنهم كانوا قد قدموا تضحيات جسام دفاعاً عن راية الشيوعية، فكيف بهم يتخلون عن تاريخهم فيحلون حزبهم أو حتى يغيرون اسمه !؟ لكأنما الرجل يطالب شعبه بتسديد الفاتورة ويدفع له ولرفاقه بدل تلك التضحيات !! وإلا لماذا لا يعترف بأن التاريخ الذي يتحدث عنه قد مضى وانقضى وأن أهدافه التي كان قد ضحى من أجلها قد مضت وانقضت مع ذلك التاريخ ولم يعد لها أثر يبرر وجود حزبه خاصة وأنه لم يدّعِ أن حزبه سيناضل من أجل بعث المشروع اللينيني في روسيا.


النتيجة الطبيعية والمنطقية لغياب مشروع لينين في الثورة الاشتراكية العالمية غياباً تاماً هي دون أدنى شك انحلال الأحزاب الشيوعية التي استدعاها ذلك المشروع الذي خسرته البشرية خسارة تاريخية لن تمّحي من سجل التاريخ إلى الأبد. انحلال الأحزاب الشيوعية من بقايا الأممية الثالثة أو تفكيكها لا يعني بحال من الأحوال استنكاف البشرية عن العمل الشيوعي بل العكس هو الصحيح طالما أن الأحزاب القائمة حالياً أثبتت فشلها في قيادة بروليتاريا العالم في حربها ضد الطبقات الإجتماعية المعادية على مدى أكثر من سبعة عقود، حتى أن أحداً منها لم يعد يدّعي قيادة البروليتاريا ويدعو لثورة اشتراكية. إن بقاءها كما هي اليوم خادمة للبورجوازية الوضيعة من شأنه أن يعيق العمل الشيوعي ويضلل الشيوعيين. ليس هناك من شك في أن زوالها سوف يتيح الفرص لعمل شيوعي حقيقي قد يأتي بانتصارات تفوق تلك التي حققها البلاشفة بقيادة ستالين. مشاريع الثورة الاشتراكية الثلاث التي ابتدرها آباء الشيوعية الثلاث، ماركس وإنجلز ولينين، ولدت أساساً من رحم أدوات الإنتاج المتطورة. في العقود الأربعة الأخيرة لم تُعنَ الطبقة الوسطى السائدة عالمياً بأي تطوير لأدوات الانتاج وانصرفت بالمقابل إلى توسيع وتطوير الأدوات المعرفية الغريبة نسبياً على أدوات الإنتاج المادي التي اعتراها التخلف والشيخوخة الأمر الذي أثر سلباً على طبقة البروليتاريا في العالم كله. ذلك ما عمل على انزواء البروليتاريا وراء كواليس مسرح الأحداث الدولي وانعكس بالتالي في ضمور العمل الشيوعي وضعفه.


الطبقة الوسطى، طبقة البورجوازية الوضيعة، السائدة في كافة دول العالم ترى اليوم أن طبقة البروليتاريا هي عدوها الأول، وهي لذلك تحاصر البروليتاريا وتمنع عليها استخدام المعارف المتراكمة لديها في تحسين أدوات الإنتاج. ووفقاً لبعض الدراسات المتخصصة فإن 7.5% فقط من مجمل التقنيات الرفيعة دخلت حقل الإنتاج المادي. قوى الحياة في البشرية أقوى من كل قوة بشرية أخرى وعليه فستطيح هذه القوى بالطبقة الوسطى التي لم تعد تمتلك فيما بعد النظام الإقطاعي سوى وسيلة انتاج الخدمات التي لا تحتاجها الشعوب الجائعة والفقيرة. أغنى الدول التي خضعت لسلطة الطبقة الوسطى أضحت أفقرها ولا تستطيع الاستمرار في الحياة إلا من خلال الإستدانة. الأزمة المسماة زوراً بالأزمة المالية والتي تمسك بخناق العالم اليوم إنما هي أزمة إنتاج تعكسها بقوة وسيلة إنتاج الطبقة الوسطى. الانهيار السريع الذي سيلمّ بالطبقة الوسطى سيفجر ثورة كبرى في تطور أدوات الإنتاج هي أعظم بكثير من ثورة القرن الثامن عشر. سيتحطم الحصار المفروض على أدوات الإنتاج التي ستسوعب حينئذٍ 97.5% من مجمل التقنيات الرفيعة وهو ما من شأنه أن يعيد البروليتاريا بقوة إلى مقدمة المسرح الدولي لتغدق الرفاه على كل شعوب الأرض وتعبر الإشتراكية خلال سنوات قليلة إلى الشيوعية. هكذا قال المعلم ماركس.. أدوات الإنتاج الرفيعة تبني حياة رفيعة هي الشيوعية.

www.geocities.com/fuadnimri01