بدون شك فإن تعقيدات اجهزة السلطة المتخالفة في العراق و إختلاف المواقف الحاد بشأن المعركة السياسية و الأمنية التي أعلنها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على النظام السوري بعد رفض الأخير الشديد و الصريح لتسليم أي مطلوب عراقي من البعثيين السابقين و غيرهم للحكومة العراقية ثم إندلاع نيران التفجيرات المروعة التي هزت بغداد في ألأربعاء الأسود 19 أغسطس المنصرم و التي فجرت أيضا كل أشكال و صيغ الخلاف الطويل و المكتوم مع النظام السوري، ستلقي بثلها على تطورات و أوضاع العراق الداخلية و ستؤسس لحالة واضحة من عدم الإستقرار المضاف و التوتر المتوالي لملف معقد و طويل و متشعب و متداخل تتلاعب به مصالح و أطراف عديدة تبدأ من المخابرات الإيرانية و أذرعتها الطويلة في فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني و تتوائم مع المخططات السرية للعديد من الجهات التي لم تشر لها التحقيقات العلنية و لا الإتهامات الملحقة بها.
و أعني تحديدا جهاز الموساد الإسرائيلي الذي أصبح له في العراق قواعد و مؤسسات و أعمدة، دون أن نغفل دور المخابرات السورية الذي يتصدر واجهة الإتهامات الرسمية الحكومية المعلنة، و في ظل الفوضى ألأمنية و المعلوماتية و تداخل القرارات و المسؤوليات و المصالح يصبح توجيه الإتهام لطرف واحد دون غيره من أصعب الأمور خصوصا و إن العراق كدولة و كيان لم يسترد سيادته بعد.
و الحكومة رغم كل الضجيج الإعلامي لا تستطيع التصرف بحرية و لا بسيادية حقيقية تجاه العديد من المسائل الستراتيجية، كما أن حالة التحاصص الطائفي و القومي في تركيبة السلطة العراقية قد حولت العراق لمستنقع كبير للفوضى و عدم المركزية و جعلت منه حالة هشة من الناحية الأمنية الصرفة، فالإغتيالات و التفجيرات لم تزل مستمرة و بوتائر متباينة، و إنفجار الموقف قد يحدث على حين غرة، فلا ضمانات حقيقية لأي حالة أمنية مستقرة، و بعد إعلان الرئيس جلال طالباني الواضح برفضه المطلق لإتهامات حكومة المالكي لنظام دمشق و بإعتراض مجلس الرئاسة العراقية على التصعيد بتحويل الملف للمحكمة الدولية المنتظرة!!
يكون المشهد العراقي قد دخل في إختلاطات غير طبيعية، فنوري المالكي و هو يحمل سيفه ليقاتل نظام دمشق بات يفتقد الأنصار بعد أن بدأت الجموع الحكومية بالتفرق عنه و سيكون حاله متطابقا مع الميثولوجيا الشيعية العراقية و سيتحول (لمسلم بن عقيل) جديد وهو سفير الإمام الحسين ( ع ) لأهل العراق قبل مجيئه للعراق لطلب البيعة، فقد تفرقت عن مسلم بن عقيل الجموع الشعبية و أستسلمت لإرادة حاكم الأمويين على الكوفة وقتذاك عبيد الله بن زياد بن أبيه و تركوه لمصيره حيث قتل و لكن بعد أن أرسل رسالته للإمام الحسين و اهل بيته ليعجلوا بالقدوم.
وحيث حدثت فيما بعد مأساة الطف المروعة و مجزرة أهل البيت المعروفة!!
و حالة الشقاق و النفاق العراقية المعروفة تظل شاهدا منتصبا على حجم الفجيعة في عراق اليوم و حيث تتطاحن مختلف الإرادات الإقليمية و الدولية و الداخلية في صراع عبثي سيحيل العراق لقطعة من الجحيم و الفوضى و التردي، نوري المالكي بدا هجومه السياسي ضد النظام السوري يفقد حدته تدريجيا و بما سيتحول فيما بعد لكارثه على موقفه الإنتخابي و حرصه على إعادة إنتخابه و الحفاظ على موقعه الرئاسي و تعزيز موقف حزبه ( الدعوة الإسلامية ) إزاء التحديات الإنتخابية القادمة بعد أن تحالف ( المجلسيون ) ضده و ذلك من طبائع الأمور.
و قد بدأ الإرتباك الواضح على قيادات حزب الدعوة من خلال ما صرح به القيادي في الحزب السيد علي الأديب وهو قائد سابق للفرع الطهراني للحزب، فقد أكد السيد الأديب من أن حكومة المالكي قد طالبت بتسلم القيادات البعثية من سوريا و كذلك اليمن الذي يقول الأديب بإن السيد عزة الدوري مقيما بها!!
و تلك لعمري مغالطة واضحة، فالسيد الدوري ليس متواجدا ابدا في اليمن بل أن ما هو موجود هناك قسم من الجهاز الإعلامي البعثي المؤيد للدوري من أمثال الرفيق صلاح المختار!
و هؤلاء و هم يعيشون في أقصى جنوب الجزيرة العربية لا يمكن أن يكون لهم تأثير على الوضع الأمني الداخلي في العراق خصوصا و أن اليمن يعيش إيقاعات حروبه الأهلية الداخلية التي تجعل من موضوع النشاط البعثي فيه مجرد نكتة بايخة!!
كما أن عزة الدوري الذي دارت حوله الأساطير و أعلنت السلطات العراقية إعتقاله أكثر من مرة ليتضح فيما بعد أنه ( قد شبه لهم ) لم يغادر العراق أبدا وهو موجود فوق الأراضي العراقية و بحالة صحية جيدة و يقود التنظيمات البعثية الموجودة في العراق و لا أدري من أين جاء الأديب بمعلومته الأمنية المضحكة تلك.
و لعل مأساة نوري المالكي تتمثل في مستشاريه و في بعض قيادات الدعوة من أمثال علي الأديب و الذي غالبا ما يصرحون بتصريحات مثيرة للسخرية فضلا عن الغثيان، الحكومة العراقية لا تستطيع أبدا إدارة ملف الصراع مع النظام السوري من خلال الحالة المهلهلة للقوى السياسية الحاكمة المختلفة على كل شيء.
و العالم لا يحترم الضعفاء و لا المفرقة قلوبهم و أهواؤهم، كما أن تطورات ألأحداث قد أثبتت بأن للنظام السوري مواقع دفاعية قوية في العمق السياسي العراقي من شأنها أن تعرقل كل خطوات و توجهات المالكي التصعيدية و غني عن الذكر من أن الرئيس طالباني يحتفظ بعلاقات وثيقة للغاية مع دمشق وهي علاقات تاريخية تنبثق من حقيقة أن دمشق ما غيرها كانت هي المكان الذي ولد فيه حزب الرئيس ( الإتحاد الوطني الكردستاني ) عام 1976 فضلا عن بقية التداخلات السورية في الحالة العراقية و التي تؤكد بأن معركة المالكي هي في طريقها للإنحسار و التراجع و بطريقة قد تؤثر على الكثير من نتائج الإستحقاقات السياسية القادمة، الهجمة السورية المضادة قد بدأت فعلا و خطوط المالكي الطويلة و البعيدة قد جعلت من أمر كسبه للمعركة مجرد تمنيات...!
بل أن اهزيمة السريعة و بالضربة الفنية القاضية قد حدثت، لذلك فإن المحكمة الدولية بشأن العراق ستغدو مجرد زوبعة في فنجان...؟. و لا عزاء للمهزومين في إدارة ملفات الصراع الإقليمي المعقدة... وهاردلك يامالكي... و عساكم من عواده؟
[email protected]
التعليقات