تصاعد النزاع العراقي / السوري بشأن الملف الإرهابي و ملفات مخفية أخرى ليس بالأمر الجديد و المستحدث، بل أنه ملف معروف و متضخم إستهلك عقود زمنية طويلة و أستعملت فيه أدوات عديدة من بينها ملف إستخدام المعارضة السياسية و العسكرية للنظامين البعثيين، العراقي السابق الي أسقطته الولايات المتحدة عام 2003 و السوري الذي لا زال حيا يسعى و يفرض وجوده بل تحول من سياسة الدفاع الساكن للهجوم المتنقل.
و إتهامات الحكومة العراقية للنظام السوري بتورطه في ملف الإرهاب المتضخم في العراق ليس مجرد إتهام عائم و ظالم بل أنه إتهام حقيقي وواقعي قائم على معطيات و عوامل و أسباب و مسوغات معروفة لجميع المعارضين العراقيين السابقين الذين تحولوا لسلطة حاكمة في العراق، و لكن المثير في الملف هو توقيت عرض و إستخدام الإتهامات، و أسلوب المفاجأة الكاملة في التصعيد بعد سويعات قليلة من الزيارة الأخيرة لنوري المالكي و التي توجت بالإعلان عن عقد شراكة ستراتيجية بين النظامين لم تصمد ولو لدقائق معدودة كشأن سائر الإتفاقيات السابقة و أشهرها ميثاق العمل القومي نهاية عام 1978 و الذي وقعه الرئيسان الراحلان العراقي أحمد حسن البكر و حافظ الأسد ثم جاء صدام حسين ليهيل التراب على ذلك الإتفاق الذي كان يمهد لقيام وحدة حزبية و دستورية و يلطخه بدماء كبار القياديين البعثيين في تموز 1979 و لتعلن الحرب الحقيقية بين النظامين البعثيين و التي لم يخف أوارها حتى عام 1997 و لكن بعد أن تركت ما تركت من ندوب و جروح غائرة و بعد أن فعل الحصار الدولي بالعراق ما فعل.
وبعد تغير الستراتيجية الأمريكية التي حتمت قيام الجيش الأمريكي بإسقاط النظام العراقي بالقوة وفرض واقع إقليمي جديد بأدوات قديمة / جديدة..الجميع يعلم بأن أجهزة وفروع المخابرات السورية تمتلك رصيدا حافلا من الخبرة الميدانية رغم أنها كانت مخترقة أيضا من مخابرات النظام العراقي السابق التي تمكنت من إختراق المعارضة العراقية المقيمة في الشام و نقل الملفات و حتى الإغتيالات كما حصل للرفيق البعثي اليساري أحمد العزاوي الذي أغتيل في مكتبه داخل القيادة القومية السورية عام 1976 مما أثار جملة من التساؤلات وقتها و أتبع ذلك سلسلة من أعمال الإنتقام المتبادلة توجت بدعم نظام العراق لجماعة الإخوان المسلمين و للتنظيم البعثي المرتبط به مما دفع النظام السوري بعد عام 1979 تحديدا لعقد بداية تحالفه الستراتيجي مع النظام الإيراني الذي تطور ليشمل ملفات إقليمية وحتى دولية عديدة و شمل ذلك العمل مع جماعات المعارضة العراقية المختلفة في تنفيذ الأعمال الإرهابية داخل العراق وهو الوضع الذي إستمر بصورة دراماتيكية بعد إحتلال العراق وحيث أضحت الحدود الغربية للعراق بمثابة المحور ألأكبر لدخول الجماعات السلفية و الإنتحارية القادمة من اليمن أو المغرب أو مصر أو دول الخليج العربي وشهد عام 2004 الذروة في التورط الإستخباري السوري و في إغماض العيون الإستخبارية عن تسلل الإرهابيين بهدف إرباك الجهد العسكري و السياسي الأمريكي غير آبهة بمصالح و مستقبل حلفائها السابقين في المعارضة العراقية التي تحولت لسلطة حاكمة و العجيب أن بعض الأصوات الإعلامية العراقية كقناة الفيحاء الفضائية كانت وحدها من تعلن عن طبيعة الدور الإرهابي للنظام السوري فيما صمتت كل الوسائل الإعلامية و القنوات العراقية الأخرى الرسمية و الحزبية عن هذا الملف المكشوف و المعروفة أوراقه للجميع إلا للحكومة العراقية التي كانت تفضل إلتزام جانب الصمت غير المسؤول فيما الوفود الحكومية العراقية تترى و تتواصل على دمشق و تعقد الإتفاقيات و تبرم البروتوكولات دون أن تجرؤ سابقا وقبل تفجيرات الأربعاء الأسود على ذكر هذا الملف إلا لماما و بشكل خجول.\
و كلمات الرئيس السوري حول ( لا أخلاقية الإتهامات العراقية الرسمية ) كلمات هائمة و بلاغية و لكنها فاقدة لمعناها الحقيقي، فالأخلاق لا تعني أبدا فتح المجال لجماعات الإرهاب المتوحش بالتدفق على العراق و لا تعني أيضا إغلاق عيون المخابرات السورية التي تحصي أنفاس الشعب السوري عن مراقبة ما يجري من فظائع تطال الأبرياء في العراق بحجة محاربة الإمبريالية و تحرير العراق، النظام السوري يعلم جيدا بأن ألأدلة الدامغة التي يريدها يعرفها هو قبل غيره وهي مرتسمة بكل تفاصيلها المرعبة على جثث العراقيين.
و لكن بالمقابل فإن الحكومة العراقية وهي تحمل سيف دون كيشوت الخشبي تتجاهل بشكل مفجع الدور الإيراني الكارثي و دور الجماعات الإيرانية الخاصة التابعة للحرس الثوري في فيلق القدس و غيره من التشكيلات و التي هي تتهم بالمسؤولية المباشرة عن الكثير من عمليات القتل و التفجير و الإغتيالات للنخب العراقية العسكرية و العلمية.
نعم لمحاسبة النظام السوري و لمحاسبة أي طرف يشجع الإرهاب، ونعم و ألف نعم لتشكيل محكمة دولية تتعقب الإرهابيين و لكننا بالمقابل نستغرب كل الإستغراب المجاملة العراقية الرسمية للنظام الإيراني الذي يسعى ليكون الوسيط بين بلدين عربيين في واحدة من أكبر المهازل السياسية الإقليمية، فهذا الوسيط ليس بالطرف النزيه و لا المحايد بل هو طرف رئيسي في دعم المعادلة الإرهابية في العراق و أعتقد أن أدوار أبو مهدي المهندس و غيره من الأسماء و العناوين واضحة و معروفة للجميع إلا لماكنة الإعلام الرسمي العراقي التي تنتخب الأهداف في إنتقائية عجيبة.
الإرهابيون و من يدعمهم متواجدون في جميع دول المنطقة من اليمن و الجزائر و حتى من الصومال و ساحل العاج، و محاربة الإرهاب واجب إنساني مقدس يتعدى كل التقويمات و يتجاوز فوق كل الخلافات، و مالم تتم محاصرة الإرهاب أيا كانت مصادره فإن المنطقة برمتها ستنفجر... و لكن علينا أولا تسليط الأضواء على االعنف القادم من إيران دون أن ننسى الجحور الإرهابية الأخرى.. ولذلك حديث آخر و مختلف..!.
[email protected]
التعليقات