في روضة الأطفال التي ترتادها ابنتي ذات الخمسة أعوام، طلبت المشرفات من كل طفلة و طفل رسم العلم الوطني، و لما كانت طفلتي لا تملك عقدة قومية و لم اشأ تربيتها على كراهية الآخر فقد رسمت العلم السوري ذو النجمتين الخضراوين ( هي تعرف العلم الكردي و ترسمه بشغف) و تباهت به أمام قريناتها و أقرانها من بلاد الله الواسعة.

ذكرتني هذه الحادثة بحادثة أخرى لم أشهدها لكنني سمعت بها من شخص حضرها، فقد خرج قبل أعوام العشرات من الكرد السوريين في مدينة برلين الألمانية للاحتجاج على جريمة خطف و اغتيال الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي و كان لحزب الحداثة و الديمقراطية مشاركة مشكورة في التظاهرة، و لما كان شباب ذلك الحزب الناشئ سوريين فقد تحتم عليهم رفع العلم السوري في التظاهرة، لكن بعض المتطرفين الكرد أبوا ذلك بحجة أن هذا العلم لا يمثلهم. يقول الشاهد و أنا أصدقه أن أنصار الحزب ذاك كانوا يرفعون العلم الكردي بجانب العلم السوري و هذه بادرة طيبة تستحق الشكر و التقدير لا أن يلجأ المتطرفون الكرد إلى نزع العلم السوري.

إن هذا العلم لا يمثل الدولة السورية المعاصرة التي صادرها حزب البعث منذ أكثر من أربعين عاماً. بل هو علم يمثل وطناً اسمه سوريا ننتمي إليه سواء كنا كردأ أو عربا. ً دروزاً، علويين أو سنة. و لقد شارك الجميع و تعاونوا من أجل إخراج المحتل الفرنسي و نزع علمه عن مبانينا في القرى و المدن، و رفع العلم السوري الذي أصبح علماً للجميع سواء الذي قارعوا المحتل في الجزيرة أو الشام أو جبل الأكراد!! و إذا كان الأمر خلاف ذلك فعلينا التنكر لجزء نضالي هام من تاريخنا المعاصر في سوريا، و كذلك التنكر للثورات و الانتفاضات التي قام بها الكرد السوريون في الجزيرة و جبل الأكراد و الغوطة و غيرها حيث كانت كل تلك الحركات التي قام بها أجدادنا و آباؤنا من أجل تحقيق الاستقلال السوري و نسج علم يمثل الوطن السوري من خيوط بل من شرايين قلوب فتياننا و فرساننا الذين ما زلنا نتغنى ببطولاتهم في مقارعة المستعمر الفرنسي في الأغنيات الملحمية.

قد يقول البعض من المتطرفين: لكننا عانينا تحت ظل هذا العلم من الإقصاء و التنكر و تحت ظله جرد مئات الآلاف من الجنسية و عذب الآلاف و اعتقلوا!! هذا صحيح و أضيف أنه في ظل هذا العلم ارتكبت مجازر بحق إخواننا من العرب في حماة و تدمر و جسر الشغور و لم تسلم مدينة سورية من شرور النظام البعثي و لكن هل كل هذا ذنب هذا العلم؟ و لماذا لم يتنكر العربي السوري لهذا العلم!! هل على كل من تلقى إهانة من شرطي و رجل أمن أن يمزق علم بلاده؟ و هل تنكر الكرد لعلمهم في كردستان العراق بسبب حرب الإخوة في منتصف التسعينات!! و لماذا لا يرفع هؤلاء عقيرتهم و يطالبوا أنصار حزب أوجلان في تركيا ربفع العلم الكردي؟ هؤلاء الذين لا يعرفون سوى علم الحزب؟

الأعلام رموز تمثل أوطاناً و تمثل أحزاباً بل و قد تمثل في بعض الأحيان طرقاً صوفية أيضاً، و العلم الذي نحن بصدد الحديث عنه يمثل وطناً يضم أطيافاً واسعة من القوميات و المذاهب و المشارب، وطناً صادر البعث مقدراته و أجهز على الديمقراطية الوليدة التي كان النظام العروبوي الناصري قد أصابها بجرح بليغ، فهل نعاقب هذا العلم على ما ارتكبته ثلة من العفالقة و القوميين العرب الشوفينيين الذين لم يسلم من أذاهم لا عربي و لا كردي؟

إن عدم رفع الأعلام السورية في مسيرات الاحتجاج التي ينظمها الكرد السوريون في الخارج هو خطأ على القيادات الكردية و منظمي هذه المسيرات استدراكه بسرعة، لا مجاملة لأحد بل برهاناً على الوطنية التي نتبجح بها ليل نهار، و علينا أن ندرك أن رفع العلم الكردي يعني انتماءنا القومي أما العلم السوري فلا يعني قومية بذاتها إنما هو دليل على الانتماء الوطني إلا إن كانت استراتيجيتنا إقامة دولة مستقلة ذلك المشروع الذي تخلت عنه أحزابنا الجبارة و اعترفت متأخراً بطوباويته و حتى استحالته.

* كاتب كردي سوري