ثمة حقيقة ستراتيجية قائمة في ملف العلاقات العراقية / السورية الهائج على الدوام تقول بإن نظام دمشق يمتلك الأولوية وقصب السبق في واحد من أهم ملفات إدارة الصراع، وهو الملف الإستخباري الذي يمثل قطب الرحى و سفينة النجاة بالنسبة للنظام السوري الضليع و الخبير في عوالم و دهاليز الكواليس السياسية للمعارضة العراقية السابقة التي تحولت فيما بعد لسلطة حاكمة و ذلك من طبائع ألأمور و تحولات الأيام!

و الخلاف الشديد الذي وصل لحدود العداء بين رئيس الوزراء العراقي المتطلع لولاية رئاسية جديدة السيد نوري كامل المالكي و النظام السوري هو نقلة نوعية و إنعطاف متميز في مسيرة و ملف علاقت عمل مشتركة طويلة تم نسجها طيلة عقدي الثمانينيات و التسعينيات وهي علاقات أسست بطبيعة ألأمور لأعمال مشتركة و لتنسيق أمني و إستخباري واسع المدى تمثل في تنفيذ العديد من العمليات السرية و التخادمية التي تحقق جزءا من الأهداف المشتركة للطرفين، فالمخابرات السورية بفروعها المتعددة سواءا بفرعها القائد و الرئيسي وهو فرع ( مخابرات القوة الجوية ) الذي يحمي أمن العائلة الحاكمة في دمشق أو فروع ( فلسطين ) أو ( الأمن السياسي ) أو ( الفرع الخارجي 279 )! أو الفروع ( 235 )!! أو فروع الهجرة أو الأمن الحزبي أو المخابرات العامة و العسكرية وغيرها لها تاريخ طويل و حافل في التعامل مع حركات المعارضة العربية أو التنظيمات السياسية و منها المعارضة العراقية البعيدة عن فكر حزب البعث السوري و المحاربة للبعث العراقي و لكنها تنسق جهودها العملياتية مع النظام السوري و على مختلف ألأصعدة وفي طليعتها العمليات العسكرية التي كانت تنفذ في العراق و بعض دول الخليج العربي، وكانت أوراق المعارضة العراقية و بحكم طبائع الأمور مكشوفة بالكامل لأجهزة النظام السوري فكل عراقي يدخل للشام يتم رصده من قبل المخابرات السورية التي تعمد لعدم السماح لأي عراقي بالدخول من المنافذ البرية أو الجوية أو البحرية إلا من خلال ورقة و رسالة تأييد من أحد أحزاب المعارضة تتم المصادقة عليها ببرقية من قبل المخابرات العامة السورية أو أحد الفروع الإستخبارية المختصة حتى أن الأحزاب الإسلامية العراقية بعد إنتهاء الحرب مع إيران عام 1988 كانت تبيع تلك البرقيات مقابل مبالغ مالية!

و كجزء من مداخيلها الشحيحة التي تضاف لما يصل من مساعدات مالية من إيران أو دول الخليج العربي أو بعض المحسنين فالنظام السوري لا يدفع أموالا للمعارضة العراقية بل أن من يدفع هم الحلفاء الستراتيجيون و أعني بهم النظام الإيراني و كذلك الجماهيرية العظمى كانت تدفع مبالغ مهمة لقيادات المعارضة القومية و الكردية وهي من الأمور المعروفة للجميع، و السيد نوري المالكي كان وقتها أحد المسؤولين في حزب الدعوة و لم يكن الوجه القيادي الأول بل كان مكلفا بمتابعة نشرة الحزب ( الموقف ) و متابعة بعض الأمور التنظيمية البسيطة و الإنشغال في هموم الحياة اليومية شأنه شأن سائر المعارضين العراقيين اللاجئين في الشام و الذين كانت تعج بهم المقاهي و البارات و الحسينيات و حتى السجون السورية المختلفة.

كما كانت الصراعات الحزبية و الشخصية و الإنشقاقية قد نشبت داخل الأحزاب الإسلامية و خصوصا الدعوة بعد إنشقاق الدكتور ( أبو نبوغ ) أو عبد الزهرة بندر! و إنشقاق الجعفري الذي رحل بعيدا لبريطانيا حيث أقام حتى سقوط النظام العراقي عام 2003 دون أن ننسى أبو علي الأديب الذي كان مسؤول الفرع الطهراني للحزب و إنكفاء الدكتور أبو محمد عن قيادة حزب الدعوة في الشام مما فسح المجال لنوري المالكي لكي يكون الوجه البارز أمام أجهزة المخابرات السورية التي دعمته و حزبه بل ووفرت له جواز سفر سوري يتحرك به في سفراته الخارجية وهو الأمر الذي حصل مع جميع الوجوه القيادية في الأحزاب العراقية الأخرى، و طبيعي القول من أنه كانت هنالك مساحات عمل واسعة و مشتركة بين الطرفين و ملفات سرية لم تتسرب أنبائها للخارج و لكنها محفوظة بكل تأكيد في إرشيف أجهزة المخابرات السورية النشطة في هذا المضمار و لعل ذلك ما يفسر العبارة التي قالها الرئيس السوري بشار الأسد حول ( لا أخلاقية الإتهامات العراقية )!! لأن النظام السوري كان يدوس على معتقداته البعثية وهو يسهل مهام الأحزاب الدينية العراقية، وكان يقدم خدمات خاصة لتلك الأحزاب لم يقدم ما يماثلها للحزب المرتبط به وهو جماعة تنظيم العراق لحزب البعث!!

لأن النظام السوري كان يرى في دعم الأحزاب الإسلامية العراقية إرضاءً لحليفه الإيراني أيضا و إطلالة مهمة على تيار شعبي عراقي لا يكن الود للبعث و لا للبعثيين!!

و براغماتية النظام السوري تتجلى في تعامله مع المعارضة العراقية الدينية و الشيعية منها على وجه الخصوص، ورغم إن حدة الإتهامات العراقية ضد النظام السوري ستخف على ما يبدو وفقا للملاحظات الميدانية و محاولة جماعة المجلس الأعلى ممثلة في شخص نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي الذي يحاول رتق الفتق الكبير عبر إستبعاد خيار اللجوء لتشكيل محكمة دولية أو لجنة تحقيق دولية تحقق في الجرائم الإرهابية في العراق نظرا للخوف من تداعيات نتائج التحقيقات على القوى السياسية القائمة المرتبطة بالنظام الإيراني و أبرزها المجلس ألأعلى المتورط في عمليات إغتيال عديدة، إلا أن النظام السوري لن يبتلع الإهانة الكبرى التي وجهها له نوري المالكي و سيحاول خلال الصفحات القادمة لإدارة الصراع تسريب بعض الوقائع أو الفضائح أو الملفات السابقة من أجل إحراج الحلفاء السابقين و تهديد اللاحقين...

فهل ستشن المخابرات السورية هجومها المضاد؟ خصوصا و أنها لم تستعمل كل أسلحتها بعد!، أم أن التراجع الحكومي العراقي الذي سيحدث لاحقا سيؤجل الصراع و يهدأ الموقف خصوصا و أنه ليس من مصلحة جميع الأطراف و في هذه المرحلة بالذات نشر الغسيل الوسخ؟ كل الإحتمالات قائمة، و الرد السوري المخابراتي سيعتمد بكل تأكيد على مدى ثبات موقف حكومة المالكي في فضح إرهاب النظام السوري و كشف ملفات تورطه..!

و في النهاية فالجميع مدعو للتفرج على وصلات جديدة من الردح المتبادل ستكون السمة القادمة لإدارة الصراع في العالم العربي التعيس بخلافاته المسرحية و السوريالية... و الذي لا يشتري سيتفرج بكل تأكيد...؟

[email protected]