لو عدنا بذاکرتنا ستة سنوات الی الوراء وألقینا نظرة سریعة علی الخریطة، لتبین لنا أن الإضطرابات الأمنیة ظلت ملازمة لمحافظات ومناطق معینة من العراق منذ بدایة دخول قوات التحالف الی ذلک البلد ولحد الآن. رغم أنه بین فترة و اخری کانت نسبة هذه الإضطرابات تقل في محافظة ما وترتفع في اخری. علی سبیل المثال، لحد عام 2007 کانت هجمات المسلحین والتفجیرات الأنتحاریة تترکز علی العاصمة بغداد وتأتي محافظات نینوی، دیالی، کرکوک والأنبار بالدرجة الثانیة. ولکن عندما قامت الحکومة بتطبیق خطتها الأمنیة في بغداد قبل عامین وطاردت المسلحین، قلت quot;نسبیاquot; الهجمات في العاصمة ولکنها في المقابل إرتفعت في محافظات دیالی ونینوی وکرکوک حیث التجأ الیها المسلحون الفارون من بغداد. أي أن المحافظات المضطربة أمنیا هي نفسها منذ أکثر من ستة سنوات ولم تستطع الحکومة توفیر الأمن لها.

ونظرا للإنخفاض النسبي في عدد الهجمات ببغداد ولأن الأنظار علیها کونها هي العاصمة. قیل أن العراق شهد في الآونة الأخیرة تطورا ملحوظا من الناحیة الأمنیة و هدوءا نسبیا من حیث قلة الإنفجارات و هجمات المسلحین علی المدنیین والمراکز الحکومیة علی حد سواء. وهذا ما دفع المسؤولین الحکومیین العراقیین الی بناء ثقتهم البالغة بقدرة القوات الأمنیة والعسکریة العراقیة علی التصدي للهجمات و الحفاظ علی أمن البلد أو بمعنی أدق توفیر الأمن لهذا البلد الفاقد للأمان. لذلک و مباشرة بعد خروج القوات الامیرکیة من المدن العراقیة في نهایة الشهر السادس من هذا العام، أمر رئیس الوزراء العراقي بإزالة الموانع الکونکریتیة من شوارع العاصمة بغداد حیث تبین فیما بعد أن ثقة المسؤولین هذه وقرار إزالة الموانع الکونکریتیة لم یکن في محله و أحداث الأربعاء الدامیة و ما أعقبها في بابل و الموصل والتي راح ضحیتها المئات من العراقیین، خیر دلیل علی ذلک.

بإعتقادي أنه کان من المفروض في ظل هذه الظروف الاستثنائیة الطارئة أن تقوم الحکومة العراقیة بالبحث عن الأسباب الحقیقیة وراء وقوع هذه الاحداث وسبل تفادي تکرار مثیلاتها في المستقبل. ولکن وکعادتها إختارت هذه الحکومة الهروب و التخفي وذلک بإلقاء اللوم علی الآخرین في محاولة فاشلة منها لتوجیه الانظار عن فشلها في أدارة البلد وبسط الأمن في البلد وکذلک للتستر علی خطتها الأمنیة التي أثبتت الأحداث في أکثر من مناسبة عدم فعالیتها. مع هذا أنا لا أرید أن یفهم من کلامي هذا بأنني ابرئ ساحة سوریة أو غیرها من حکومات دول جوار العراق أو الحکومات الأقلیمیة من التدخل في شؤون العراق والتسبب في وقوع هذه الهجمات وعرقلة العملیة السیاسیة الجاریة في ذلک البلد. لأن الکل یعرف بأن العراق أصبح ساحة حرب و تصفیة حسابات لجهات داخلیة و خارجیة عدیدة.

ولکن یبدو أن البحث عن الأسباب الحقیقة وإعلانها للملأ کان سیؤدي الی الکشف عن جهات عراقیة مشارکة في الحکومة و العملیة السیاسیة، قصرت أو أهملت أو تواطأة مع منفذي هذه الهجمات و إن الإعلان عن هذه الأطراف في هذه المرحلة کان سیؤدي الی فقدانها لمصداقیتها أمام الشعب، خاصة وأن العراق مقبل علی إجراء انتخابات نیابیة جدیدة لا یرید أحد أن یخسرها. لذلک إختارت الحکومة الهروب وإبراز أسباب ثانویة وذلک بإتهام سوریة بإیواء رؤساء ومخططي هذه العملیات من البعثیین. لکننا إذا حکمنا العقل و نظرنا الی الأمر بواقعیة نجد أن هؤلاء البعثیین المتواجدین في الخارج لا یستطیعون فعل شيء إذا لم یکن لهم حلفاء وأنصار من المشارکین الفاعلین في الحکومة الحالیة.

أما عن تواطئ المسؤولین الأمنیین مع منفذي هذه الهجمات وغیرها، فهي تعتبر عدم وفاء للأمانة التي تقع علی عاتقهم في حمایة حیاة وأمن المواطنین. من ناحیة اخری فإن تماطل الحکومة في الکشف عن هؤلاء أو محاسبتهم، هي خیانة ترتکبها الحکومة بحق الوطن وإستهانة وتجارة بأرواح العراقیین. فإذا کانت هذه الحکومة ترید فعلا وضع حد لهذه العملیات، فعلیها أن تکشف وتندد بتلک الجهات الداخلیة المتواطئة وتحیلهم الی القضاء لینالوا جزاءهم العادل. مع ذلک تبقی هذه الحلول مجرد حبوب مسکنة و یبقی الحل الجذري لمشاکل العراق واستتباب الأمن والإستقرار فیه مرتبطا بتحقیق المصالحة الوطنیة التي هي أساس نجاح مجمل العملیة السیاسیة وطوق نجاة العراقیین ووصولهم الی بر الأمان الذي یبدو أن رحلة الوصول الیه مليئة بالعواصف.

ألمانیا

[email protected]