مايحدث في الجابون الآن من مظاهرات واعمال عنف عقب إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية مجرد زوبعة في فنجال! فالرئيس على بونجو تسلم بالفعل قيادة البلاد خلفا لوالده الرئيس الراحل عمر بونجو بعد انتخابات خاضها في مواجهة عشرة مرشحين وفاز فيها ب42 % من الأصوات.

صحيح أن المرشحين المنافسين طعنوا في النتيجة واضرب بعضهم عن الطعام احتجاجا على ما وصفوه بحدوث تزوير. وصحيح ايضا أن اعمال العنف اجتاحت مناطق واسعة من البلاد احتجاجا على النتيجة خاصة في مدينة بورت جنتيل معقل المعارضة وثاني اكبر مدينة في الجابون.لكن كل المؤشرات تقول إن بونجو الإبن يمسك جيدا بزمام الأمور.

لم يكن توريث السلطة في الجابون مفاجأة من أي نوع، فالرئيس عمر بونجو الذي حكم بلاده 43 عاما كان يعد ابنه لخلافته منذ وقت طويل، وفرنسا الحليف الرئيسي له لم تبد معارضة من أي نوع لهذا الاختيار، فالاستقرار في الجابون ضروري للمصالح الفرنسية باعتبارها رابع أكبر منتج للنفط وثاني مصدر للأخشاب في إفريقيا.

وقد زرت الجابون في مهمة صحفية قبل ست أعوام وأذهلتني حالة الفقر المدقع لغالبية سكانها الذين لا يتجاوز عددهم 1،5 مليون نسمة كما أذهلتني قدرة بونجو الاب على الاحتفاظ بلقب اطول زعماء افريقيا بقاء في السلطة بفضل دهائه السياسي وتحالفاته القبلية والسياسية وهيمنته على الثروة ومساندة فرنسا له بشكل مطلق.

في 8 يونيو الماضي توفي بونجو الأب في مستشفى باسبانيا وظهر بونجو الابن على شاشة التليفزيون الجابوني داعيا الجابونيين لالتزام الهدوء والحفاظ على وحدة البلاد وسلامتها فيما اعتبر اول اشارة لخلافته والده، وقالت تقارير صحفية ان صراعا على السلطة وقع بين على بونجو وشقيقته باسكالين بونجو التي كانت مديرة للمراسم برئاسة الجمهورية لكن هذه التقارير لم تتأكد صحتها.

وبونجو الابن عمره الآن خمسون عاما وهو حاصل على شهادته الجامعية من السوربون وكان يشغل قبل انتخابه منصب وزير الدفاع بالاضافة الى موقعه كنائب رئيس الحزب الديمقراطي الجابوني الحاكم.

وفي 16 يوليو الماضي اعلن انجيل اوندو نائب امين عام الحزب الحاكم ان امانة الحزب اختارت بونجو الابن مرشحا للحزب في الانتخابات الرئاسية خلفا لوالده وهو ما صدق عليه المؤتمر العام للحزب بعدها بثلاثة ايام.

وحتي اسبوعين من موعد اجراء الانتخابات احتفظ على بونجو بمنصبه كوزير للدفاع رغم انتقادات المعارضة لكنه تخلى عنه قبل ساعات من اجراء الانتخابات لوزير الداخلية جان فرانسوا نودنجو.

وقد حاولت المعارضة الجابونية التشكيك في الكفاءة السياسية لبونجو الابن الذي يعتبره غالبية الجابونيين ابنا مدللا ولد في ليبرافيل وعاش فترة طويلة في فرنسا ولا يمكنه نطق معظم اللهجات المحلية بسهولة.

لكن ما اثارته المعارضة لم يكن صحيحا فقد بدا بونجو الابن حياته السياسية مبكرا حيث انضم للحزب الحاكم في عام 1981 ثم تولى بعد ثلاث سنوات رئاسة واحدة من أهم لجانه الرئيسية وفي عام 1984 دخل المكتب السياسي قبل اختياره ممثلا شخصيا لوالده بين عامي 87 و 89 ثم وزيرا للخارجية.

وفي التسعينات قاد بونجو الابن حركة اصلاحية داخل الحزب الديمقراطي الجابوني الحاكم وأنتخب نائبا في البرلمان وفي يناير 1999 اختاره والده وزيرا للدفاع قبل انتخابه نائبا لرئيس الحزب الحاكم.

وقد حصل على بونجو في انتخابات الرئاسة التي اجريت في 30 اغسطس الماضي على 42% من الاصوات في مواجهة مرشحين منافسين بارزين هما وزير الداخلية السابق اندري مبا أوبامي وزعيم المعارضة المخضرم بيير مامبوندو مما دفع المعارضة للتشكيك في نزاهتها واتهام فرنسا بالتدخل فيها.

وهكذا اندلعت أعمال العنف في مناطق واسعة من البلاد وتم حرق القنصلية الفرنسية ومكتب شركة النفط الفرنسية توتال ونهب المئات من المحال التجارية لكن قوات الامن سيطرت على الوضع لصالح الرئيس الفائز بوصفه مرشح الحزب الحاكم ووزير الدفاع وحليف فرنسا والحاصل على اصوات لابأس بها في المناطق الريفية على عكس الاصوات التي فاز بها في المدن.

لكن الجابون بالتأكيد في عهد على بونجو سوف تختلف الى حد ما عنها في عهد عمر بونجو فما كان يصلح في عهد الاب قد لا يصلح بالضرورة في عهد الابن!