الطبقة السياسية الحاكمة في إيران منقسمة على نفسها بسبب ما تتعرض له من اعتراضات وتمرد يغلي في الشارع الإيراني. فقدت تمخضت الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة عن شرخ عميق في جسد الأمة الإيرانية وتمزق مؤلم في نسيج المجتمع الإيراني الذي انقسم بين مؤيد للمرشح المحافظ والفائز بفضل التلاعب والتزوير في صناديق الاقتراع وهو محمود أحمدي نجاد، الرئيس المنتهية ولايته، من جهة، وأتباع المرشح المنهزم والمعترض على نتائج التصويت، رئيس الوزراء الإيراني الأسبق مير حسين موسوي ومعه المرشح الإصلاحي الآخر الشيخ مهدي كروبي، ويساندهم من داخل آلة السلطة الرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مجمع مصلحة النظام الشيخ البراغماتي هاشمي رفسنجاني الذي كان في عهد الإمام الخميني المنافس الأكبر لعلي خامنئي والخصم الحقيقي لسلطة المرشد الأعلى الحالي وهو خامنئي نفسه، والجدير بالذكر أن هذا الأخير انحاز إلى جانب محمود أحمدي نجاد وأيد فوزه وعمل كل ما في وسعه لإبقائه في السلطة. ومن جراء ذلك تفجر صراع دموي عنيف بين السلطة الحاكمة ومؤسساتها القمعية وبين الشارع الإيراني الأعزل والمصمم على الدفاع عن حقوقه ومايزال الصراع محتدماً ومتأججاً. وقد انطوى الصراع على الكثير من التجاوزات والانتهاكات لحقوق الإنسان وآلاف الاعتقالات وعمليات التعذيب والاغتصاب داخل السجون حيث أن موجات الاحتجاجات باتت تتكرر إلى مالانهاية في سيناريو محكم التنظيم رغم الاعتقالات وسقوط عشرات القتلى والمصابين من المدنيين كان آخرها التظاهرات التي انطلقت بمناسبة أربعينية الشابة ندى الفتاة التي قتلت على أيدي رجال الأمن بالرصاص الحي في 20 حزيران الماضي وتناقلت حادثة قتلها بالتصوير المباشر كل وسائل الإعلام العالمية مما دفع ببعض أقطاب السلطة بالمطالبة بمحاكمة قادة الاحتجاجات والمرشحين الإصلاحيين بتهمة التآمر على الجمهورية الإسلامية والتشدد في مواقفهم وعدم تقديم أية تنازلات لتهدئة غضب الشارع الإيراني. وقد وصل الانقسام بين رموز السلطة إلى السلطة القضائية وبرز للعلن خلاف حاد بين رئيس السلطة القضائية هاشمي شاهرودي ومدعي عام طهران المتشدد سعيد مرتضوي بشأن السجون السرية التي تتبع للحرس الثوري ولوزارة الداخلية حيث يتم احتجاز المعارضين السياسيين وكان من بين المعتقلين شخصيات مشهورة منهم مخرجين سينمائيين وصحافيين إضافة للعديد من الطلاب.


هذا على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي، أي ما يتعلق بعلاقات إيران بالمجتمع الدولي وملفها النووي الشائك فإن جمهورية آيات الله تقف اليوم على مفترق طرق. إن علاقة إيران بسورية جيدة ومتينة ونفوذها وتأثيرها في العراق مايزال قوياً ومؤثراً إلا أن إيران على وشك أن تضيع فرصتها التاريخية التي لم تتح لها منذ قيام الجمهورية الإسلامية سنة 1979 والمتمثلة بسياسة اليد الممدودة من قبل الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما. القادة الإيرانيون في وضع حرج فليس بوسعهم إعلان رفضهم الصريح والقاطع ولا القبول بلا قيد أو شرط بالمبادرة الأمريكية للحوار المباشر، بيد أن هناك مؤشرات كثيرة تدل على أن الجناح المتطرف والمتشدد في السلطة في طهران بزعامة محمود أحمدي نجاد والمرشد الأعلى علي خامنئي ليس متحمساً وغير مستعد لتلقف هذه الفرصة التاريخية وتخفيف حدة التوتر القائمة بين طهران وواشنطن، حيث قد ينطوي ذلك في نظرهم على مخاطر كامنة لأنهم يخشون فقدان سلاحهم الدعائي الأكثر نجاعة وفعالية ألا وهو محاربة الاستكبار العالمي المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في دول الغرب. وكباقي الدكتاتوريات في التاريخ البشري فإن قادة إيران يرغبون في الحصول على التكنولوجيا المتطورة واقتصاد قوي يتحكمون به بأنفسهم وبنى تحتية متقدمة لخدمتهم لكنهم لايرغبون بتحقيق الحريات الحقيقية لشعبهم كالديموقراطية الحقيقية ودولة القانون واحترام حقوق الإنسان فهم يخافون من حدوث ثورة مخملية على غرار ماحدث في أوكرانيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق ودول أوروبا الشرقية. التحدي الكبير الذي يواجه إيران اليوم هو اختيارها بين الانفتاح على العالم أو العزلة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي سيترتب عليها تبعات وخيمة على حياة الشعب الإيراني. إن دعاة العزلة وتحدي العالم الخارجي هم المسيطرون اليوم على المسرح السياسي الإيراني وبيديهم مفاتيح المستقبل الإيراني ويناورون بذريعة الحفاظ على استقلال الجمهورية الإسلامية من التدخلات الخارجية وحماية إيران من التأثيرات الأجنبية. قد يكون هذا الخطاب صحيح نسبياً في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش لكنه خاطئ قطعاً في عهد باراك أوباما الذي قد يرغم إزاء التعنت الإيراني على اللجوء إلى مواقف متشددة حيال إيران تفتح من جديد أبواب جهنم عليها وتعرضها لضربات عسكرية مدمرة أمام سكوت وربما تواطؤ المجتمع الدولي.


لا شك في أن إيران قوة إقليمية مهمة ذات تاريخ عريق ومن حقها أن تلعب دوراً إقليمياً ودولياً يتناسب مع أهميتها ومكانتها لكنها يمكن أن تخسر رصيدها بإصرارها على امتلاك السلاح النووي بالضد من إرادة المجتمع الدولي لاسيما وأن إيران تعاني من صعوبات اقتصادية جمة وامتعاض متنامي في الجبهة الداخلية ومن الخطأ الاستناد إلى تأييد بعض الدول الهامشية في أمريكا اللاتينية أو العالم العربي واستعداء عدد كبير من الدول المتقدمة التي تخشى من بروز إيران نووية قد تحفز سباقا محموماً نحو التسلح النووي في أخطر مناطق العالم أي منطقة الشرق الأوسط.


يتعين على إيران أن تنظر بعيداً وعلى مدى زمني طويل بغية المحافظة على مكانتها كلاعب إقليمي فاعل خاصة حيال المنافسة التركية لها على زعامة الشرق الأوسط بعد تحقيق انضمامها للاتحاد الأوربي آجلاً أم عاجلاً. فامتلاك السلاح النووي ليس من شأنه ضمان أمن إيران بل العكس هو الصحيح لأنه سيقدم الذريعة لخصومها على تدميرها وتدمير منشآتها النووية بقوة السلاح وبالتالي تدمير بناها التحتية وقدراتها الصناعية والإنتاجية وعلى رأسها النفط. فبدلاً من استنزاف مصادر البلد وثرواته من أجل تطوير أسلحة مكلفة وخطرة لاطائل منها يتعين على إيران سلوك طريق العصرنة والتطوير التكنولوجي السلمي والمدني على غرار ما تقوم به تركيا اليوم، والكرة الآن ما تزال في الملعب الإيراني حيث سيتعين على قادة طهران اتخاذ القرار الصحيح والاختيار الأسلم للبلاد.

[email protected]