أصبحت القوات البريطانية جاهزة للانسحاب من البلاد، بعد انتهاء التفويض الممنوح لها وعدم حصول اتفاق حول الاتفاقية الأمنية المزمع عقدها بين الطرفين، من اجل السماح للقوات البريطانية بأداء بعض الواجبات الأمنية واللوجستية لحين الانتهاء من تأهيل القوات العراقية.


وبالنظر لتأكيد الحكومة والقيادة العسكرية العراقية على عدم جاهزية القوات العراقية وعدم قدرتها على الدفاع عن سواحل العراق وموانئه في الوقت الحاضر، فقد طفحت على السطح مخاوف من أن يؤدي انسحاب هذه القوات إلى تعرض سواحل العراق إلى اعتداءات وتجاوزات من قبل بعض دول الجوار، بالنظر لعدم وجود مانع يمنع هذه الدول من القيام بذلك، لا سيما مع هشاشة القدرات العسكرية للقوات العراقية ووجود خلافات عميقة تحكم العلاقة بين العراق وهذه الدول، حيث أثبتت التجارب وجود مخاطر من هذا النوع يمكن أن تصل بحدة الأمور إلى حد المواجهة العسكرية كما حصل غير مرة.


وبالتالي لابد أن نتساءل عن السبب الذي يدعوا بعض القوى السياسية إلى الوقوف بوجه هذا الاتفاق أو عرقلته، هل معنى ذلك أن هذه القوى لا تدرك المخاطر التي تواجه البلد بغياب مثل هذا الاتفاق؟ أم أن هناك أسباب أخرى ربما تقف وراء ذلك يحاول البعض إخفائها تحت يافطات وشعرات مختلفة، فمن الممكن بحسب بعض الآراء التي لا يمكن تجاهلها على أي حال، أن يكون هناك رغبة من بعض الأطراف لاستثمار هذا الانسحاب لصالح تحقيق مصالح معينة، فهناك من يصر على أن لبعض هذه القوى طموحات مادية مختلفة، ليس أبعدها الهيمنة على منابع النفط و موانئ التصدير لغرض ممارسة التهريب.


فغياب وجود القوات الأجنبية ربما سيسهل كثيرا من تحقيق هذا الأمر، وسوف يساعد هذه القوى على تثبيت مواقع نفوذ تهيمن من خلالها على مقدرات البلد، فالانسحاب البريطاني وبعده الأميركي إذا ما حصلا، سوف يساعدان على تقسيم الكعكة العراقية بما يخدم مصالح هؤلاء، وليس ببعيد بعد ذلك أن يكون الهدف التالي الالتفاف على الديمقراطية ذاتها بعد أن يتم إفراغها من محتواها.


إذن لا يمكننا نكران المخاوف التي يبديها البعض من تحفظ هذه القوى على الاتفاقية، ف ما يحصل الآن في البرلمان العراقي لا يمكن فهمه إلا كعمل يراد به إجبار القوات البريطانية على الانسحاب من العراق قبل الأوان، ما يتيح لتلك القوى التحرك بحرية والعمل على تامين مصالحها بالسرعة الممكنة، وإلا ما الذي يمنع من تجديد بقاء القوات البريطانية التي ساهمت مع حليفتها القوات الأميركية في وصول اغلب هذه القوى إلى السلطة، فالنتيجة التي سيسفر عنها الانسحاب لم تعد خافية على احد، ولم يعد بالإمكان تجاهل ما تحويه من احتمالات حتى وان كان في هذه الاحتمالات بعض المبالغة.