ثمة تمجيد عفوي و غير موضوعي، في هذه الأيام، إزاء مجيء تيارات سياسية بأسم المعارضة الى الدورة الثالثة لبرلمان كردستان العراق. يقف وراء هذا التمديح اللامُبَرَّر، قوى مختلفة، منها قوى السلطة و قوى المعارضة الوليدة في آن واحد، ولكن كل منهم لأهداف مختلفة و بهواجس متباينة.


أبرز مقولات هذا الخطاب القائم على التمجيد هو الإشارة المفرطة الى بروز قوى مُعارِضة، هذه المرة، على الساحة السياسية، و كأن الأقليم الكردي لم يكن فيه من قَبل أية فرصة سانحة لظهور مثل هذه الظاهرة السياسية، بينما الحقيقة هي أن أغلب الأحزاب و التيارات السياسية الكردية التي برزت على الساحة الكردستانية لم تكن راغبة أساساً أن تلعب دور المعارضة في الكيان الكردي القائم في كردستان العراق و لا كانت حاملة لثقافة العمل المعارض غير المسلح، و إنما كانت دوماً متعطشة لأن تجد نفسها يوماً ما في السلطة و الحكومة و أن توظف مسؤوليها و كوادرها في مرافق الدولة و مؤسساتها لا أن تبقى مراقبة عليها أو معارضة لها، و كل ذلك، على ما يبدوا لنا من قراءة المواقف و مكامن الخطاب و الممارسة الحزبية، لعُقَدٍ سياسية، ربما يفرسها، من جهة، بقاءها كمعارضة مسلحة غير فاعلة في تاريخها النضالي و السياسي نتيجة لغياب التعددية و الحريات السياسية في عراق البعث ( 1968-2993) و عدم الوصول أي حزب، سوى البعث، الى سدة الحكم، و من جهة أخرى النزعة السلطوية الناجمة عن الحرمان السياسي أو التطلع الى المزيد من كسب النفوذ و السيطرة.


اليوم عندما نلاحظ ثناء الأحزاب السلطة لظهور ظاهرة المعارضة، لاسيما مع صعود تيار التغيير الى البرلمان بأقل من ربع المقاعد البرلمانية، ندرك تماماً أن هذا الموقف ينطلق، قبل أي شيء، من روح دعائية تبغي القول، فيما تبغيه، أن وجود المعارضة لوحدها كافية لأن تؤكد صحة الديمقراطية في الأقليم، أما عندما نلاحظ الموقف ذاته عند الطرف المقابل، أي المعارضة و وقوف تياراتها المختلفة وقوفاً مفرطاً، لا سيما قائمة التغيير،على كلمة المعارضة و تمديحها بل تنفيخها لحد تقديمها في صورة المنقذ للديمقراطية الكردية، فالسر هو ليس إلا الإخفاق الذي منيت به هذه التيارات في الإنتخابات الأخيرة التي جرت في كردستان العراق في 25/7/2009 و عدم وصولهم الى السلطة التنفيذية كما و عدوا به أنصارهم بل أوهموهم، بعض منهم، بأنهم ذات قاعدة جماهيرية كبيرة كفيلة بأن يشكلوا الحكومة لوحدهم على حد تعبير الكثير من رموز قائمة التغيير، و الحال هو أن هذه القائمة، التي تعتبر رأس الحربة للمعارضة الوليدة، لم تحصل سوى على أقل من ربع المقاعد البرلمانية، مما جعلت أن تقبل في النهاية بقدرها السياسي المتمثل طبعاً في التشبث الإضطراري لإثارة سجالات عقيمة، في أغلبها، في البرلمان أو ربما مقاطعات حزبية في المستقبل للبرلمان، وذلك نظراً لأقليتها المقاعدية فضلاً عن إشتغال القائمة المنافسة، أي الكردستانية، بورقة الأكثرية تجاهها و الغلبة العددية، مما تشير في النهاية الى أن الخطاب المُمَجّد للمعارضة هو خطاب مخادع بل ليس إلا لعبة سياسية أو دعاية إنتخابية تسوقها قوائم السلطة و المعارضة معاً، ولكن كل واحد منهما لمراميها السياسية الخاصة بها.

* رئيس تحرير مجلة والابريس- كردستان العراق