بعد مرور ثماني سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي دشنت عملياً لتاريخ جديد في العلاقات الدولية بين الدول والأمم قائم على مبدأ القوة والتفرد، وأسست لمبدأ الحرب الاستباقية التي خاضت بموجبها إدارة بوش الابن حروبها في أفغانستان والعراق، يبدو اليمين الأمريكي المتصهين أكثر ثقة وغروراً بما يعتبره quot;إنجازاًquot; أمنياً لسياساته اليمينية المتشددة، والتي جعلت الولايات المتحدة في مأمن من أي هجوم إرهابي جديد، مع مرور الذكرى الثامنة لتلك الأحداث، وفي مواجهة إدارة الرئيس أوباما التي يعتبرونها quot;لينةquot; في مواجهة التحديات quot;الأمنيةquot; التي يروجون لها حول العالم.


لكن وجاهة الطرح الذي خرج به الحزب الجمهوري، ومن ورائه اليمين الأمريكي المتطرف بالتزامن مع ذكرى 11 سبتمبر، كان محل نقاش ودراسة من قبل مؤسسات البحث العلمي الأمريكية، إذ بدأت كثير من الدراسات البحث عن تفسير للحالة الإيجابية للأمن القومي الأمريكي، مثيرة تساؤلاً مفاده: هل استطاعت سياسات الإدارة السابقة تحقيق الأمن ومواجهة أعداء الولايات المتحدة بفعالية رغم انهيار شعبيتها وانهيار مصداقيتها مع نهاية ولايتها الثانية؟. وبدأت بعض التأويلات تذهب إلى أن التضييق الدولي تحت قيادة أمريكية على هذه الجماعات قد أتى ثماره، واستطاع أن يُضعف قدرات هذه الأطراف في القيام بهجمات جديدة تهدد الأمن القومي الأمريكي. وفي ذلك اعتراف ضمني بأن السياسات المتشددة المحافظة هي السياسات القادرة على الحفاظ على الأمن القومي.


وفي محاولة لتفسير ذلك، نشرت دورية (واشنطن كوارترلي) الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، دراسة بعنوان: لماذا لم تُهاجم الولايات المتحدة مرة أخرى؟، وقد حاولت الدراسة عرض أبرز التفسيرات للإجابة على هذا التساؤل وتحليلها للوقوف على المعادلة التي نجحت في تحقيق أهداف الأمن القومي الأمريكي والحيلولة دون وقوع هجمات إرهابية جديدة على الأراضي الأمريكية.


وحاولت من خلال الإجابة على هذه الأسئلة تقييم المجهودات الأمريكية أثناء فترة حكم بوش الابن لتحقيق وحفاظ الأمن القومي الأمريكي، ومساعدة الإدارة الأمريكية الحالية على الوقوف على نقاط الضعف والقوة في سياسات سابقتها؛ بما يساعدها على إرساء استراتيجية فاعلة لمواجهة الإرهاب، بحسب زعمها. وطرحت الدراسة عدة فرضيات وراء تحسن الوضع الأمني الأمريكي، والذي يتمثل في عدم تعرض الأراضي الأمريكية لهجمات إرهابية مماثلة لتلك التي تعرضت لها في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.


وتجمل الدراسة تلك الفرضيات في عدد من النقاط، منها فعالية السياسات الأمريكية لمواجهة الإرهاب وحماية الأمن القومي الأمريكي. فمنذ عام 2001 والولايات المتحدة تتبنى سياسات وبرامج في إطار حملتها لمواجهة الإرهاب استطاعت من خلالها التصدي لمظاهر التهديد على مستوى العالم، حيث استطاعت أن تلقي القبض على عدد كبير من الإرهابيين، وأن توقف تسهيلات خاصة بتدريب أفراد هذه الجماعات. وكذلك تجميد مصادر تمويليها، بجانب ممارسة ضغوط مستمرة على شبكات الإرهاب. وأن السلطات الأمنية الأمريكية قد نجحت في تتبع عناصر تنظيم القاعدة بشكل مستمر واعتقالهم. وظهر تنسيق فيما بين الجهات الاستخباراتية والعسكرية والقانونية والتشريعية، كما رفعت السلطات في جميع مستويات الحكومة من التدقيق في الحالات المشتبه فيها.


كما ترجع الدراسة ذلك إلى تراجع إمكانيات وقدرات الجماعات الإرهابية. وتقصد الدراسة بذلك قدرة الجماعات الإرهابية على إحداث ضرر أكبر، فكثير من الجماعات الإرهابية تفتقد لقدرات متطورة تساعدها على القيام بأعمال عنف، وتفترض الدراسة فيما تفترض أن الجماعات الإرهابية الصغيرة قادرة على تهديد الأمن القومي الأمريكي وإحداث أضرار أكثر من تلك التي تمثلها الجماعات الكبيرة مثل القاعدة.


وتدلل الدراسة بأن من بين خمس حالات أعلن البيت الأبيض في الذكرى السابعة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر إحباطها نجد أن هناك عملية خططت لها خلية إرهابية تتكون من أربعة أفراد تهدف إلى تفجير خزانات وقود في مطار جون كينيدي الدولي في ولاية نيوجيرسي. وقد وصف البيت الأبيض بأن هذه العملية إذا ما تمت لأحدثت أضرار غير متوقعة رغم الإمكانيات البسيطة والفقيرة المحدودة التي احتاجتها الخلية لتنفيذ مثل هذا المخطط.


كما ترد الدراسة عدم مهاجمة الولايات المتحدة مرة أخرى إلى تراجع أهمية مهاجمة الأراضي الأمريكية على قائمة أهداف الجماعات الإرهابية. إذ إن تنظيم القاعدة لا يخطط للقيام بعمليات هجومية على الأراضي الأمريكية؛ لأن تداعيات أحداث سبتمبر قد رفعت من سقف توقعاتها بحيث لا يقبل التنظيم القيام بهجمات لا تعادل في قوة تدميرها أحداث سبتمبر 2001. وهو ما يعني أن التنظيم لعملية بحجم أكبر من سابقتها يحتاج إلى وقت أطول وتدريب أكثف وعناصر كفء كثيرة.


ويستشهد أصحاب هذه الفرضية بأن هجمات تنظيم القاعدة اتخذت شكلاً تصاعديًّا، بحيث بدأت بمهاجمة سفارات الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا، وتلاها مهاجمة المدمرة كول في 2000 وأخيرًا أحداث سبتمبر. ويرى البعض أن تنظيم القاعدة لن يقوم بهجمات جديدة انطلاقًا من مبررات مختلفة. وهي أن تنظيم القاعدة استوعب أنه قام بهجمات غير محسوبة عواقبها استطاعت أن تدمر التنظيم وتحشد أعداءه من القوى الغربية وغير الغربية وحتى نظم الحكم في الدول الإسلامية التي تصدت له في إطار الحملة الأمريكية على الإرهاب.


فيما ترى بعض الآراء أن مرد حالة الأمن التي تعيشه الولايات المتحدة منذ أحداث 11 سبتمبر هو حدوث تحول في أولويات الجماعات الإرهابية، ومهاجمة أهداف على أراض غير أمريكية، مثل استهداف القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق، بجانب القيام بعمليات تستهدف أماكن في منطقة الشرق الأوسط. كما قامت تلك الجماعات باستهداف أمن أوروبا كنتيجة للتحالف الأمريكي ـ الأوروبي في الحرب على العراق بشكل خاص، كتفجيرات قطارات لندن ومدريد.


على الرغم من quot;تغنيquot; اليمين الأمريكي الداعم لإدارة بوش السابقة بمنجزاتها الأمنية ونجاحها في صدّ أي هجوم إرهابي محتمل، فإن تكلفة ذلك كانت بالنسبة للناخب الأمريكي كبيرة، إلى الحد الذي ناء كاهله عن تحمل تبعات تلك التدابير والإجراءات الأمنية، وعاقب من يقف وراءها بالانحياز إلى الحزب الديمقراطي، بعد ثماني سنوات عجاف من العيش في هاجس هجوم إرهابي محتمل، ومن سيطرة نظرة نمطية سيئة للنموذج الأمريكي في التعامل مع بقية شعوب العالم.

ــــــــــ
- للاطلاع على الدراسة كاملة، يمكن مراجعة موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية Center for Strategic and International Studies على الانترنت.

هشام منوّر

كاتب وباحث
[email protected]