رغم وقوع رمضان هذه السنة في فصل الصيف اللاهب اللهاب والذي يصعب فيه الصيام بسبب طول النهار وحاجة الإنسان الى الماء والطعام أكثر من فصول السنة الأخرى، ولكن رحمة الله شملت الكثيرين هذه السنة خصوصا الصائمين، فلطف الله لهم الجو، فيسر لهم صيامهم و قيامهم، فمر الشهر الكريم بحمد الله ونعمته بردا وسلاما على الصائمين والقائمين.

سألت صديقا بعد أن عرفت أنه عزف عن الصوم في الاسبوع الثاني من الشهر عن أسباب توقفه من إكمال تلك الفريضة، فأجابني قائلاquot; ببساطة متناهية تركتها ليس بسبب حرارة الجو أو طول ساعات الصوم وعدم تحملي للجوع والعطش، بل بسبب فتاوى بعض فقهاء الإسلام؟؟!!.

وبدأ يشرح لي أسباب ذلك بعد أن لمس مني إستغرابا شديدا لقوله هذا، فقال quot; أصوم من الفجر الى العصر، وفي العصر أحتاج الى أن أذهب الى السوق لأشتري بعض العصائر والحلويات التي تعتبر من ضرورات المائدة الرمضانية، وحين أتجول في السوق أرى المئات بل الآلاف من البنات وهن يرتدين سراويل الجينز الضيقة التي تظهر بكل وضوح تضاريس أجسامهن الناعمة، بل هناك من ترتدي التنانير القصيرة، رغم أن معظمهن يضعن الحجاب أو يسترن شعرهن في هذا الشهر، فلا أستطيع والحالة هذه أن أحبس عيني عن النظر إليهن، فغض الطرف عن التطلع إليهن يعتبر من سابع المستحيلات لضعف الانسان، وبذلك أكون قد أبطلت صومي بحسب فتاوى الفقهاء رغم أنني لا أنظر إليهن من شهوة أو إِشتهاء، ولكن ماذا أفعل والفقهاء يجمعون على بطلان الصوم بمجرد النظر الى جسد المرأة حتى من دون إشتهاء جنسي، ولذلك أعتقد بأنه لا داع لأن أجوع وأعطش من دون أن يقبل الله صومي!!


وأضافquot; حتى لو حبست نفسي في البيت إحترازا، وكلفت أحد أبنائي بشراء ما نحتاجه، فكيف أستطيع أن أحبس نظري عن هذا الكم الهائل من المجون والخلاعة التي أراها في المسلسلات الرمضانية وأنا قابع في بيتي، ممثلات بفساتين السهرة المثيرة، نهود منتفخة بارزة للصبايا تحت التي شيرتات، تلوين الشفاه بألوان مثيرة للجنس، وغيرها من مواد الإثارة وتحريك الغرائز!

أنا عن نفسي أشاطر صديقي هذا برأيه، فأنا ألاحظ في السنوات الأخيرة بأن مشاهد العري والإثارة تزداد بوتيرة غير معقولة في تلك المسلسلات عاما بعد عام. ويبدو لي أن ذلك قد يكون مخططا له مسبقا، فالقائمين على تلك المسلسلات يتعمدون برأيي الإكثار من تلك المشاهد في المسلسلات، ويوافقهم بذلك القائمين على رقابة النتاجات الفنية من خلال إجازتهم لتلك المشاهد التي تؤدي الى إبطال عبادة الناس في هذا الشهر الفضيل.

ولا يقتصر الأمر على وسائل الإعلام المرئية فقط، بل أن الوسائل الأخرى المقروءة أيضا ( الصحف والمواقع ) تلجأ الى هذا التصعيد الخلاعي مع حلول شهر رمضان، وأعتقد بأن الأمور إذا سارت على هذا المنوال سوف لن يبقى في السنوات القادمة أية حرمة للشهر الفضيل، ولن يكون للصوم أي معنى اللهم إلا الجوع والعطش، عندئذ لن يعدو الصوم سوى مجرد ريجيم صحي يمكن أن يتبعه أي منا في بقية شهور السنة!

في سنوات الستينات كانت هناك أيضا تلفزيونات وسينمات وصحف، ولكن مع حلول الشهر الكريم كانت التلفزيونات تتوقف تماما حتى عن بث الأغاني العادية، وكانت تستعيض بها بالتواشيح الدينية والإذكارات والبرامج الدينية والإجتماعية الهادفة، والمسلسلات والتمثيليات التاريخية والدينية والإجتماعية التي تخلو بطبيعة الحال من أي مشاهد مخلة بالشهر الكريم.

كانت هناك صرامة في الإلتزام بحرمة الشهر، بل كانت معظم القنوات التلفزيونية تنهي برامجها قبل ساعات من البث العادي في الأيام الأخرى لكي تسنح للصائمين فرصة للنوم ثم القيام في الأسحار.

وكنا نحن الشباب في ذلك العصر نقضي ليالي رمضان بالتجمع في المقاهي الشعبية لممارسة ألعاب جماعية بريئة كـ quot; المحيبس quot; أو quot; الصينية والظرف quot; وما شابه ذلك، لنعود بعدها الى بيوتنا فرحين بالشهر الكريم الذي كان يتيح لنا ممارسة تلك الألعاب الرمضانية المحببة والتي كنا ننتظرها بشغف بالغ كل سنة.


وكان آباؤنا يتوجهون الى المساجد لإداء صلاة التراويح، ثم يجتمعون في بيت أحدهم ليقضوا بضعة ساعات في الأحاديث عن مواضيع دينية أو إجتماعية، ثم ينصرفوا الى بيوتهم إستعدادا لليوم التالي.

هكذا كنا نقضي ليالي رمضان وأيامه، أما الآن فإن العوائل نادرا ما تغادر بيوتها وهي مرغمة على متابعة عشرات المسلسلات الرمضانية المعروضة على مئات القنوات الفضائية وعلى مدار ساعات اليوم، حتى أن إبنتي لا تنام الليل الى ساعات السحور لأنها لا تلحق بمشاهدة جميع المسلسلات المحببة إليها، وقد إختارتها من بين أكثر من 60 مسلسلا يعرض هذا الشهر في القنوات الفضائية!!

أما ولدي الشاب الذي يصوم ويصلي خلال هذا الشهر، فإنه يقضي لياليه على الكومبيوتر ويتصل بـquot; الشات quot; بالعديد من صديقاته، فيسهر معهن الى ساعات السحور!!
وأعتقد أن فقهائنا المحترمين لو سألتهم عن حالة ولدي لأفتوني بأن صيامه وصلاته غير مقبولين وباطلين من الأساس، لأنه يكون في خلوة غير شرعية!!

والسؤال المطروح الان هوquot; هل أن صيامنا مقبول في هذا العصر، أم أنه مجرد ريجيم صحي قد نستطيع إتباعه في غير شهر رمضان؟

أفتوني يا سادة يا كرام، ولكم الأجر والثواب.

[email protected]