هل يمكن أن تتعرض سوريا لضربة أميركية؟ هذا هو السؤال الذي اعتقد أن الكثيرين منشغلين به، على أساس أن سوريا تمثل احد الأنداد التقليديين للسياسة الأميركية في المنطقة، والدولة الوحيدة التي لا زالت تعاند فكرة السلام مع إسرائيل، لكن لو درسنا المسالة دراسة جدية وعاينا أبعادها بشكل كامل، لوجدنا أن سوريا هي من أخر الدول التي يحتمل أن تتعرض لضربة أميركية، ليس لان أميركا تحب النظام في سوريا أو لا تريد له أن يسقط، وإنما لان أي ضربة توجهها لسوريا سوف تحسب على أنها هدية أميركية لإسرائيل أو تدخلا أميركيا مباشرا في النزاع السوري ndash; الإسرائيلي، ما يقلل من إمكانية تحقيق الوصفة الأميركية للسلام في المنطقة.


وبالتالي فان المخاوف من احتمال تعرض سوريا في أي وقت من الأوقات لضربة أميركية، هي مخاوف غير واقعية ولا تنطلق من قراءة سليمة لأوراق الصراع القائمة في المنطقة، ولا ادري أن كانت الحكومة السورية تدرك ذلك بشكل مباشر أم لا، فالسياسة السورية تكاد تشير إلى وجود شعور من هذا النوع، نكاد نلمس أبعاده في جملة من السلوكيات السورية الجريئة والتي عدت أحيانا على أنها نوع من التهور أو التصرف غير الموزون، وإلا كان يمكن لأميركا أن توجه ضربة عسكرية لسوريا على خلفية اتهامها بمساعدة التمرد في العراق، سيما وهي وتدرك وفق حساباتها أن ضربة من هذا النوع سيكون لها اثر مباشر على استقرار وجودها في العراق، لكن أميركا فضلت استخدام أساليب الضغط غير المباشرة، على أمل ثني القيادة السورية عن تقديم الدعم اللوجستي للمتمردين في العراق والاستمرار في هذا الضغط إلى النهاية.


إن الهاجس الأساس للإدارة الأميركية في مجال العلاقة مع سوريا، هو في دفع الحكومة السورية لقبول مشروع السلام مع إسرائيل، وبالتالي هي تعمل جاهدة لتحقيق هذا الهدف وعدم تعكير ذلك بأي مواجهة عسكرية مع سوريا، فنجاحها في لعب دور الوسيط يتطلب منها الوقوف على مسافة مناسبة من أطراف النزاع في المنطقة، وهي تدرك أن عملا عسكريا تجاه سوريا سيدمر هذا الهدف الأميركي الذي تتوق له بكل جهودها.


لكن هل نجحت السياسة السورية في الاستفادة من هذا الوهن الأميركي في تحقيق أيا من أهدافها الإستراتيجية ومنها هدف السلام العادل المنصف مع إسرائيل؟ الجواب : أن القيادة السورية ربما فشلت في دفع الإدارة الأميركية للعب دور أكثر فاعلية في هذه القضية الشائكة، لكنها من جانب أخر نجحت نجاحا منقطع النظير في إبقاء القيادة السورية الحالية على سدة الحكم في سوريا، فلعل هذه القيادة تدرك أن بقائها مرهون بتوفر ظروف معينة ليس اقلها الاحتفاظ بدور محوري في واقع الصراع الدائر في الشرق الأوسط، وعدم تخليها عن الأوراق التي تمارس من خلالها دور القطب في أهم قضية تواجه المنطقة وهي قضية فلسطين المحورية، فسوريا لا تريد أن تلعب دور القطب الإقليمي أو العربي بقدر ما تريد المحافظة على هيمنتها كطرف محوري من أطراف النزاع مع إسرائيل، فامتلاكها لهذه الميزة ربما تتيح لسلطتها الحاكمة ضمان وجودها لأطول فترة ممكنة، لا سيما وهي تدرك أنها تمثل هدفا للمشروع الطائفي المضاد لها، والذي يمكن أن تنساق له سوريا في يوم من الأيام.


إذن من المحتمل أن سوريا ستبقى في مأمن من التعرض لضربة أميركية ما دامت تمثل قطبا في النزاع العربي ndash; الإسرائيلي، هذا هو الذي يجب أن ندركه في موضوع العلاقة الأميركية مع سوريا.