أسباب الصراع في اليمن

تعود الأسباب الأولية لهذا الصراع مع النظام الجمهوري اليمني عندما أطاح الانقلاب الجمهوري بحكم الإمامة الزيدية في اليمن الذي دام قرابة ألف سنة أو تزيد.

والإطاحة بالحكم الأمامي الزيدي هو النتيجة الحتمية للسخط الاجتماعي والعنف السياسي والقبضة الأمنية. وهي السياسة التي لم يتعظ منها النظام اليمني _ ويبدو أن كل الأنظمة العربية في الهواء يمن.

والزيدية قبائل قليلة بالنسبة للقبائل الشافعية وكان المجتمع اليمني بعيدا عن إملاءات الإمامة منسجما ومتعايشا مع كل المذاهب ومتسامحا وطنيا ومذهبيا قل مثيله.

إلا إن إحياء الظاهرة المذهبية والطائفية التي عمت بلواها كل العالم الإسلامي وبالذات بعد ثورة الخميني ومحاولتها تصدير الثورة والتبشير بالتشيع. أثار في الزيدية الحنين إلى إحياء نظام الإمامة الزيدية كردة فعل لاتساع وامتداد السلفية في اليمن.

وكان مقبل الوادعي الذي يقطن صعده - معقل الفكر الزيدي ndash; رأس رؤوس المحرضين على توسع السلفية في المعاقل الزيدية مما أثار حفيظة مراجع الزيدية. وهو مجاهر عنيف في فكره حتى أنه كفر النظام السعودي رغم الدعم والتأييد له من قبل فئات متشددة في السعودية.

ثم زار فخامة الرئيس - وهو زيدي _محافظة صعده في يناير 2003 بعد زيارته لأمريكا وقت مؤتمر الثمانية الكبار، عندما فوجئ وهو متواجد في أحد المساجد بهتاف دوى في كل جنبات المسجد quot;الموت لأمريكا وإسرائيل quot; شعار إيران التقليدي.فسره الرئيس اليمني بأنه إحراج سياسي له أو معارضة مفتوحة لتوجهه مع أمريكا. وبعدها اغتيل زعيم الحركة حسين الحوثي فاشتعلت نار الثأر.

النتيجة

اليمن لا يوجد في أدبياته السياسية ما يعرف بهندسة المجتمعات وهو كغيره من الأنظمة العربية. وقد نشر الكاتب في مجلة إيلاف في هذا العام مقال عن الهندسة الاجتماعية موجهة للداخل السعودي.

فاليمن يحصد نتائج تراكم سياسي مذهبي عرقي اجتماعي منذ الدولة المتوكلية الامامية إلى هذه الساعة. فسياسة النظام المتوكلي الامامي المنهجية تعتمد على إذكاء الصراع القبلي: العدنانية والقحطانية: وعلى ذمة البيضاني أن الإمام أحمد حميد الدين كثيرا ما يردد ( ولو أني بليت بهاشمي خؤلته بنو عبد المنان لهان علي ولكن تعالوا وانظروا فيمن ابتلاني )

ومذهبيا الزيدي والشافعي والجهوي الشمال والجنوب. مع التدابير السياسية التي راكمت الجهل والفقر والإقصاء لكل أبناء الشعب اليمني بما فيهم الهاشميين أنفسهم.

مما أحدث السخط الاجتماعي المتواصل طيلة قرون انتهت بالثورة اليمنية عام 1962م. ولم تستقر الثورة اليمنية سياسيا الا في عهد الرئيس على عبد الله صالح الذي لم ينعتق هو كذلك من الترات السياسي اليمني.

فقرب قبائل همدان على قبائل قحطان وقرب حاشد على بكيل وقرب الزيدية على الشافعية وقرب الشمال على الجنوب وهو متقلب في هذا التقريب السياسي فتارة مع هذا وتارة مع ذاك. ولعب على كل الأوتار المذهبية والعرقية والفئوية والجهوية مستفيدا من براعته وقدرته في اللعب على المتناقضات. فهو بحق ثعلب السياسة اليمنية. ولكن هذه اللعبة لعبة تاجر الشنطة الذي لا يقابل نفس الزبون مرة ثانية.

وفي حربه مع الحوثيين أعطى إشارة المرور للسلفيين كما أعطى السادات الإشارة للإسلامويين وكما نحن في السعودية مع الأخوان المسلمين. وهي لعبة لها أعراضها الجانبية لا يستطيع أي لاعب سياسي تجنب أعراضها. ولا تجذر نظاما سياسيا آمنا يخلق نسيجا مجتمعيا متماسكا يرسخ السلم الاجتماعي ويديم التنمية المستدامة. وأخشى ما أخشاه أن يواجه كل بلد عربي نفس النتيجة اليمنية طالما السياسات والمنهجيات مخرجات مدرسة واحدة.

القائمة على تفتيت فئات المجتمع وتمزيق نسيجه. وهذه هي النتيجة: حرب أهلية وفقر وبطالة واقتصاد متدهور وتنمية لا تكاد تبين.

حرب اليمن الراهنة نار يوقدها الفقر والسخط الاجتماعي وانعدام التنمية والعدالة الاجتماعية وفقدان الهندسة الاجتماعية مردوفة بالفئوية والقبلية والمذهبية والإيديولوجية والقاعدية السلفية التي كان يديرها مقبل الوادعي بالريموت كنترول وحاضنتها وتربتها الخصبة جامعة الإيمان ومرجعيتها القاعدة الطالبية (انظر مقال زيد الفضيل في إيلاف: (اليمن في حربه السادسة). وفوق ذالك تدخلات خارجية سواء اقليمية ودولية.

وقد يستمر النظام اليمني بالاستعانة بالسلفية القاعدية إذا جر الحوثيين الجيش إلى حرب استنزاف وعصابات مستفيدين من تضاريس الجغرافيا والديموغرافيا القبلية الساخطة على النظام والمتعاطفة مع الحركة الزيدية. و سيرحب التيار السلفي القاعدي الذي سيجد له ملاذا آمنا ولا أستبعد وجود بن لادن والظواهري. حيث يجد فرصته في التمكين والتمترس وإنشاء قواعد للتدريب في وسط المجتمع (الجزيرة العربية) الذي يفرز التطرف. وبالتالي يصبح اليمن بأكثريته دوله طالبانية وصعده إمارة زيدية شيعية قد تجد دعما اقليميا مذهبيا لتنتظم مع الجيوب المذهبية في الخليج ليكتمل الهلال المذهبي. والجنوب إمارة شافعية حيث ينتظر الجنوب دوره في الدخول في الصراع وهكذا يواجه النظام أزمة برؤوس متعددة.

كما يمكن أن تدفع أمريكا في انتقال العناصر القاعدية لتخفيف الضغط عليها في أفغانستان باعتبارها مرحلة تكتيكية يمكن احتوائها. وهنا ستكرر أمريكا تجربة بريطانيا ومصر في اليمن. وتتحول كل جبال اليمن سيوفا مسلطة على رقاب الأمريكان ولات حين مناص. فاليمن مقبرة الجيوش الغازية وجباله أكثر مناعة من جبال تورا بورا التي لم تنفع معها كل القنابل الفراغية.

ومن هنا لنا أن نتصور كيف يواجه النظام اليمني ثلاث أزمات في ظرف واحد حرب الحوثيين وانفصال الجنوب وانتشار الفكر القاعدي في اليمن. ولابد من المراجعة حتى وإن كانت قاسية على النظام والرئيس علي عبد الله صالح يجيد التنازل والاحتواء ثم قلب ظهر المجن.

الخاتمة

قد يكون من ضمن الأسباب الجوهرية لأزمات اليمن بالإضافة إلى نظامه السياسي الفردي المركزي الذي دام قرابة ثلاثين عاما هو حالته الاقتصادية المتهالكة وهذا باعتراف الأيرياني في قناة الجزيرة واعتراف د- محمد التميمي رئيس اتحاد الغرف التجارية اليمنية.

وكذلك أقلمة القضايا اليمنية وتدويلها فقد دخلت قطر على الخط ودخل الإتحاد الأوروبي كذالك والدول المانحة وتتهم إيران كذلك.

فالبترول شحيح جدا والحريات تراجعت كثيرا والأسعار ارتفعت فوق قدرة المواطن اليمني.

ولن ينقذ الوطن الا التضحية من قبل النظام في جل المكاسب والتعلق في حبل العدالة الاجتماعية والتعددية والديمقراطية وانتهاج اللامركزية واطلاق يد المحافظات في إدارة شئونها المحلية والحيلولة دون التدخل الخارجي. مقابل بقاء النظام وحقن الدماء واستمرار الوحدة.

د. محمد بن صنيتان