حتى يكون للمتتبع لحقيقة المشاكل و الخلافات التي تحصل بين بغداد و أربيل، خلفية موضوعية عن موقف الجانب الكردي من هذه الخلافات، ينبغي عليه أولاً أن يؤمن بمبدأ الإستماع للرأي و الرأي الآخر و من خلال الإلتزام بهذا المبدأ فحص الرأي الآخر الذي يمثله هنا الكُرد في العراق و لايكتفي المراقب للأحداث و المواقف بما يصدر عن الخطاب الرسمي للحكومة العراقية فقط أو المسؤولين في الوزرات المعنية بالخلافات الدائرة بين الجانبين. و لهذا الغرض يجب أن نسأل أولاً ماهي حقيقة هذه الخلافات؟


ثمة عدة ملفات معقدة تعيق أي تحرك حقيقي بإتجاه حل المشاكل، التي أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية أخيراً بأن تبعث وفداً رفيع المستوى برئاسة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن الى كل من بغداد و أربيل و القاء بالمسؤوليين و الحوار معهم، أولى هذه الملفات هو ملف المناطق المتنازع عليها التي صارت مشاكلها الأدارية و السياسية و الأمنية في إزدياد بل وصل الأمر الى أن تنعكس سلباً حتى على الأستعدادت التي تمهد للإنتخابات العراقية التي من المقرر أن تجري في 16/1/2010، فتصاعد المشاكل في هذه المناطق سبب دون شك في توتير الأوضاع فيها بل شل الجهود الرامية لتوفير المسلزمات اللازمة لإجراء العملية الإنتخابية فيها، هذا فضلاً عن إحتدام الصراعات العرقية و القومية بين أبناءها، و أصل المشكلة هو أن الحكومة العراقية كانت و ماتزال عاجزة تماماً عن إيجاد أية حلول مرضية رغم وجود قواعد دستورية كفيلة بحلها إلا و هي المادة 140 من الدستور العراقي الدائم، و هذا الموقف الضعيف للحكومة ساهم للأسف في تنامي العقد و الحساسيات و الصراعات القومية بين أبناء هذه المناطق لاسيما في ظل أحزاب سياسية عربية و تركمانية و كُردية متطرفة لاتريد حتى هذه اللحظة المساومة على أقل ما وعدت بها لعناصرها و جماعاتها بشأن هوية و مصير و مستقبل المناطق المتنازع عليها.


الملف الثاني الذي لم يُسَلًّط عليه الضوء كما هو مطلوب هو ملف قلة المكون الكردي في الجيش العراقي مما حدا بالقوات البيشمركة التابعة لحكومة أقليم كردستان أن ترسل و بموافقة الولايات المتحدة وحدات من القوات البيشمركة الى بعض من المناطق المتنازع عليها لحماية المكون الكردي فيها لاسيما مناطق الموصل و كركوك و خانقين، أما المبرر الثاني لوجود قوات البيشمركة في هذه المناطق فهو عجز الحكومة العراقية عن توفير الأمن لأهالي هذه المناطق لاسيما المكون الكردي منها حيث تشردت حتى الآن مئات العوائل الكردية في مناطق الموصل و جلولاء و سعدية الى مناطق و مدن أخرى آمنة هرباً من الإعتداءآت التي تتعرض لها على يد جماعات متطرفة أو القوات الشرطة و الأمن العراقية التي تحق الأذى بالكثير منهم بل تجبر المدنيين الكرد على الرحيل بفعل المداهمات الليلية غير القانونية التي تقوم بها هذه القوات بذريعة تطبيق القانون بحق العوائل الكردية، و إذا هناك تفسير حقيقي لأسباب مقترح أمريكي تقدم بها لتشكيل قوى ثلاثية مكونة من الجيش العراقي و القوات المتعددة الجنسية و البيشمركة لحماية هذه المناطق المتدهورة أمنياً و سياسياً، فهو وجود هذه الأحداث المؤلمة التي تذكرنا بحقبة حكم النظام البائد، إذ كانت المداهمات و الإعتقالات العشوائية و سياسات التطهير العرقي من أبرز مظاهرها المظلمة و أشدها قسوة.


و هنا علينا أن نشير الى أن المسبب لهذه المشكلة أيضاً هو الحكومة العراقية لأن هناك قرار لمجلس الوزراء العراقي صدر عام 2007 جاء فيه الموافقة بتشكيل فرقتين للجيش من الضباط و المراتب الأكراد، و هناك قرار وزاري لوزارة الدفاع بشأن هذا الموضوع و الذي يحمل رقم 86 في عام 2007 و لكن دون أن يُنَفَذ حتى الآن، هذا في الوقت الذي نُفذ فيه قرار وزاري آخر في نفس العام و برقم 89، يأمر بدمج و ربط قوات الصحوة في الوزارة،و هذا مايثير المشاكل و يدفع الأكراد لأن يسألون الحكومة و يقولون بجملة: ما هذا التمييز اللامُبَرَّر؟


ثمة ملف آخر يتعلف بإهمال حكومة بغداد و عدم إيلاءها أي أهتمام بمشكلة الألغام في أقليم كردستان، فالمعلوم أن النظام السابق زرع أكثر 12 مليون لغم شخصي في منطاق كردستان المختلفة و قد راح ضحية زرع هذا الجيش المخفي كما سماه صدام حسين في حينه بعد إنسحاب قواته من الأقليم عام 1991 أكثر من 4000 شخص مدني كردي و عوقت الألغام الآلاف و الآلاف و ما تزال مخاطر هذا الجيش المفترس المتستر موجودة و تُسبب بين حين و آخر في قتل الأبرياء دون أن تتحرك الحكومة العراقية لتنفيذ برنامج عملي لأنهاء هذه المعانات التي تعاني منها الأكراد، و رغم أن الحكومة العراقية قد خصصت 65 الف دولار لهذا الأمر إلا أنها لم تُنَفذ برنامج تطهير البلد من الألغام رغم الوعود التي أطلقتها بهذا الصدد.


أما الملف الآخر الأكثر سخونة عن الآخرين هو ملف العقود النفطية الكردية التي تعترض عليها حكومة بغداد بينما نعلم جميعاً أن واردات مبيعات النفط العراقي المستخرج من آبار النفط الواقعة في مناطق الأقليم بموجب عقود نفطية مع شركات أجنبية تعود كلها الى جيب الحكومة المركزية لتوزعها على العراقيين جميعاً و ليس المكون الكردي فقط، ثم أن إبرام العقود النفطية له قاعدة دستورية حيث أعترف الدستور العراقي بكافة القوانين التي صدرت في أقليم كردستان منذ عام 1992 و هناك قانون صادر من أقليم كردستان العراق يشرع لأبرام مثل هذه العقود، لذا يتبين لنا أنه ليس هناك أية مخالفة دستورية في الأمر، و أصل المشكلة في رأينا ليس في مسألة إستناد هذه العقود النفطية لقاعدة دستورة أم لا إستنادها، و إنما تكمن الإشسكالية في عقلية الحكومة في بغداد التي ماتزال مؤمنة بعقلية مركزية في إدارة الدولة و توزيع السلطة و الثروة على غرار مان يؤمن بها النظام السابق من أساليب الإستبعاد و الأقصاء لأي مساحة من السلطة و الصلاحية تكون خارجة عن إرادته و جبروته. هذه هي حقيقة الخلافات مع حكومة المالكي، إذن كيف نتهم الجانب الكردي فقط و نحمله مسؤولية ماهو حاصل من مشاكل و خلافات بين بغداد و أربيل؟


* رئيس تحرير مجلة والابريس- كردستان العراق