من المؤكد إن الحكومة اللبنانية لن تتشكل في وقت قريب لان اللبنانيين ليسوا الطرف الأساسي الذي يمكن أن يتخذ القرار في تشكيلها. من المؤكد أيضا إن الحكومة العراقية لن تتشكل حتى بعد الانتخابات المقبلة في وقت قريب لان العراقيين ليسوا الطرف الأساسي الذي يمكن أن يقرر تشكيلها. ليست هناك ضرورة لتسمية اللاعبين غير اللبنانيين على الساحة اللبنانية لأنهم معروفون لدى الجميع، كما هو حال اللاعبين على الساحة العراقية وان اشترك بعضهم في اللعب على الساحتين.


اللافت في الحالين اللبنانية والعراقية إن هناك أطرافا لبنانية وعراقية تبحث عن أعذار لهؤلاء اللاعبين وذرائع لإطالة بقائهم في الساحة وهي مشكلة تمزق وعي يندر أن نجدها في أماكن أخرى داخل الوطن العربي أو خارجه. حتى ما حدث في البوسنة والهرسك لا يصح أن يكون مثالا لما يجري في البلدين.
لقد أنهى اللبنانيون حربهم الأهلية بالطريقة التي يعرفها الجميع، لكن الوضع اللبناني الهش بفعل هؤلاء اللاعبين ينذر باشتعالها في أية لحظة، وليس ضروريا أن تكون حربا داخلية، كما حدث في حرب تموز من العام 2006. ما يحتاجه لبنان ليشتعل هو شرارة صغيرة في أي مكان سواء في الضاحية أو في الجبل أو في ساحة النجمة التي انطلق فيها الرصاص بكثافة احتفالا باختيار رئيس البرلمان وراح ضحيته قتيل واحد عشر جريحا.


أوجه الاختلاف بين الحالة اللبنانية والحالة العراقية إن اللبنانيين يصرحون ويتهمون بعضهم البعض مع إطلاق تهديدات بين وقت وأخر، لكن العراقيين لا يطلقون تهديدات بل يطلقون الرصاص لأنهم لم يعرفوا الحوار من قبل وحتى إن عرفوا شيئا منه فهو عادة حوار دموي لمجال فيه لما يسمى بالتهدئة. إنها حالة متأصلة وغريبة في الوقت نفسه في هذا الشعب الذي اوجد أول القوانين على الأرض وشكل أول برلمان في العالم. كيف يمكن أن يجتمع هذا وذاك في روح واحدة.؟ هل هناك علاقة من نوع ما مع فيضان نهري دجلة والفرات وبالتحديد في مواسم الحصاد.؟


نعرف إن الصراع في لبنان هو صراع سياسي على السلطة، ولكنه ليس صراعا وطنيا بين أحزاب وطنية كما هو حال الصراعات السياسية في أوربا وان استثنينا بعض الإطراف، فالعامل الخارجي هنا اكبر من هذه الأحزاب، وهو ما يحدث في العراق بصورة متطابقة. الاختلاف الوحيد هو إن الساسة اللبنانيين لديهم الخبرة والحنكة والمناورة، وهو ما لا يملكه الساسة في العراق اليوم ولا أظنهم سيمتلكونه في يوم من الأيام.


يوجد في لبنان قادة وطنيون كثيرون كما هو حال العراق لكن لا احد يسمح لهم بالتقدم إلى الساحة سواء من غرمائهم الداخليين أو الخارجيين مما يبقي الأوضاع على حالها حتى يصاب المواطن باليأس ويكفر بكل شيء. وقد يشترك البلدان في حالة ربما تشترك فيها كل بلداننا العربية وهي عدم وجود ثقافة الاعتراف لعدم وجود ثقافة التسامح ما يجعل الغريم عدوا إلى الأبد وينفي أية فكرة لإقامة الحوار.


بعض القادة اللبنانيين يقعون في أخطاء صغيرة او كبيرة ولكنها في أحيان كثيرة تبقى أخطاء قابلة للتصحيح، في المقابل يرتكب القادة العراقيون أخطاء قاتلة لا يمكن تصحيحها بأي شكل من الأشكال. ما حدث في مدينة الكرادة مثلا خلال سرقة مصرف الزوية التي يقولون ان نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي له ضلع فيها. الشارع العراقي الذي يعيش هذه المأساة التي طالت كثيرا بدأ يتندر على جميع السياسيين العراقيين بما فيهم عبد المهدي الذي بدأ يطلق عليه اسم ( عادل زوية ).


آخر أخطاء القادة العراقيين وليس آخرها وهي هذه المرة من العيار الثقيل والتي لا يمكن لأي محلل فهمها هو البيان الصادر عن مجلس الرئاسة العراقي المؤلف من الرئيس جلال طلباني ونائبيه عادل عبد المهدي وطارق الهاشمي. البيان صدر على خلفية مطالبة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتشكيل المحكمة الدولية بعد تفجيرات الأربعاء الأسود. البيان يندد وبصورة علنية بقرار طلب رئيس الوزراء تشكيل محكمة دولية حول الإرهاب وتسليم المجرمين الضالعين بتفجيرات الوزارات السيادية التي أوقعت أكثر من مئة قتيل وأكثر من ستمائة جريح.


إذا كنا نفهم إن نائبي الرئيس لم يكن لهما باع طويل في السياسة ولا يجيدان المناورة ولا يعرفان كيف يشكلان التحالفات فإننا لا نفهم أبدا كيف يسمح ( مام جلال ) لنفسه أن يقع في مثل هذا الخطأ الفظيع وهو الذي قضى عمره كله في دروب السياسة. على الأقل انه رئيس الجمهورية وليس وزيرا او عضوا في البرلمان. ان رد الدين للحلفاء مهما كان الدين كبيرا لا يتم بتعريض مصير بلد كامل إلى الخراب وإذا كان الكذب مقبولا في السياسة فأنها حين تتجرد من الأخلاق تتحول إلى دعارة.


* شاعر عراقي مقيم في هولندا